الثورة – حسان كنجو:
على الرغم من تحرير البلاد من النظام البائد، إلا أن بعض جوانب ومظاهر الفساد التي كان معمولاً بها فترة حكمه، ما زالت تُتّبع حتى الآن على نطاق ضيق جداً، رغم السعي الحثيث للحكومة الجديدة لاجتثاثها والقضاء عليها.
شاهد بـ 50 دولاراً
شهادة الزور، كانت الظاهرة الأكثر شيوعاً في ظل قضاء فاسد أنشأه النظام البائد، إذ كانت الكثير من القضايا، تُحسم بشهادة الزور، وفي حال كانت الأدلة دامغة، فكانت الخطة البديلة ممثلة بـ “الرشوة” جاهزة للتنفيذ في كل مناسبة.
خلال فترة حكم النظام البائد، تعرضتُ لعملية احتيال، خسرتُ على إثرها 4 آلاف دولار أمريكي، ورغم إثباتي الواقعة للقضاء، إلا أن المدعى عليه تمكن من كسب القضية بفضل شهود الزور، الذين اشترى ضمائرهم على باب القصر العدلي بحلب”.. يقول محسن مؤذن، مضيفاً: إن هذه الظاهرة اختفت تقريباً مع سقوط النظام البائد، ولكن لا يزال هناك من يمتهنها في الخفاء إلى الآن.
وتابع: قبل التحرير، كان هناك كثيرون يجلسون على بوابة القصر العدلي، وبمجرد المرور بجانبهم يسألونك “أستاذ بدّك شاهد؟”، كما لو كانوا يبيعون على إحدى البسطات، كان ثمن شاهد الزور 200 ألف ليرة سورية، أما الآن فالتسعيرة مختلفة، فقبل أيام خسرت إحدى قريباتي دعوى ميراث، بعد أن تمكن أحد أقاربها من شراء ذمة أحد شهود الزور، ولكن الفارق الوحيد هو أن الشاهد بات يتقاضى 50 دولاراً أو أكثر بسبب “المخاطرة”، وأهمية الشهادة ونوع القضية.
سماسرة في الخفاء
“ترتيب موضوع الشهادات الآن أصبح يتم عبر سماسرة، ربما يكون أحد المحامين أو مسيّري المعاملات على تعامل أو تواصل مع أحدهم، فيطلب من الجهة “المدعية أو المدعى عليها” مبلغاً إضافياً لتأمين شهود” وفقاً لـ “أمجد عُكاش”، الطالب في كلية الحقوق بجامعة حلب، متسائلاً في حديثه لـ “الثورة”، عن شعور شاهد الزور، لحظة القسم الكاذب على كتاب الله.
وتابع: “فترة حكم النظام البائد، أعرف كثيرين خسروا حقوقهم من وراء الشهود المأجورين، أشخاص من دون ذمة ولا ضمير، هدفهم الحصول على مبلغ مالي، حتى وإن كان ذلك على حساب الغير، كما أعرف آخرين استخدموا شهود الزور لكسب قضاياهم، غير آبهين بعاقبة ذلك، والمبرر الوحيد كان عبارة “كل الدنيا ماشية هيك”.
القضاء يعود إلى مكانته
أدى الفساد المستشري في هيكلية القضاء فترة حكم النظام البائد، لوضع السلطة القضائية في محط السخرية والتهكم، ولاسيما أنه تحول إلى مضرب مثل في “الظلم والرشوة والفساد والمحسوبيات”، ولكن إبان التحرير، بدأ القضاء يستعيد مكانته كسلطة عليا مستقلة، تفصل في جميع الملفات المتنازع عليها.
“قبل التحرير، كانت الفساد والقضاء حلقتين مترابطتين بشكل لا يمكن فصله، ولكن مع سقوط النظام البائد، عادت العدالة مرة أخرى إلى مجراها الطبيعي” يقول المحامي اسماعيل كوكب لـ “الثورة”، مشيراً إلى أن القضاء الآن أصبح أداة الفصل الوحيدة في كل نزاع كبر أو صغر.
وعن مسألة شهود الزور، أكد كوكب أن موضوع شهادات الزور، كان غيضاً من فيض أيام النظام البائد، وهو كغيره من مظاهر الفساد التي تحتاج إلى فترة زمنية لا بأس بها، من أجل اجتثاثها بشكل كامل، مشيراً إلى أن شهادة الزور تحولت إلى مهنة يمتهنها كثيرون، وتمكن كثير من المحامين في عهد البائد، من كسب قضايا لصالحهم بهذه الطريقة.
دور القاضي والقضاء
اليوم، لا يقع على القاضي أي لوم في حال استخدمت مثل هذه الأساليب، لكون الحكم القضائي يصدر عن بينة وبرهان ودليل لا عن شك وتخمين، وبالتالي فإن موضوع الشهود، لا يمكن للقاضي التدخل فيه أو تخمين شهادة الزور من غيرها.
يبين المستشار القانوني صبحي أبو أسامة لـ “الثورة”، أن ما يقع على القضاء فعلاً اليوم، هو تطوير آلية لضبط شهادات الزور، بحيث يتم التحقق من سجل الشاهد وأهليته للشهادة من نواحي عدة، داعياً السلطة القضائية للبحث بصلة الشاهد بالمدعي أو المدعى عليه الذي سيشهد لصالحه وإثباتها.
وبين التأكيد والنفي، يبقى السؤال عما إذا كان القضاء قادراً على إنصاف الأطراف ومنحها حقوقها، في ظل تحديات وجذور ضاربة من الفساد الموروث الذي خلفه النظام البائد.. يتساءل مواطنون؟!.