الثورة- نور جوخدار:
يشهد البحر الأبيض المتوسط منذ سقوط نظام بشار الأسد تحولات جيوسياسية بدأت بتراجع استراتيجي للأسطول الروسي، وفق ما أكد مسؤولون في حلف شمال الأطلسي “الناتو” الذين وصفوا هذا التراجع بـ “الدراماتيكي”، معتبرين أن الأمر يوفّر ارتياحاً مؤقتاً، لكنه لا يلغي خطر لجوء موسكو إلى أساليب أكثر خطورة.
وحسبما نقلته صحيفة “بوليتكو” إن الحكومة السورية الجديدة استعادت في كانون الثاني الماضي القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، والتي شكّلت لعقود المنفذ البحري الدائم الوحيد لموسكو على الجناح الجنوبي للناتو، وهذا التطور حرم روسيا من مرافق صيانة وإمداد حيوية، بل وأجبر غواصاتها أحياناً على البقاء فوق سطح الماء بشكل غير معتاد.
وفي موازاة ذلك، تعرضت البحرية الروسية لضربات قاسية، أبرزها استهداف أسطول البحر الأسود بصواريخ أوكرانية مضادة للسفن، في وقت عززت ألمانيا وجودها البحري في بحر البلطيق، هذه التطورات قلصت قدرة موسكو على تخصيص موارد لإرسال سفن وبحارة بعيدة المدى مثل المتوسط.
وأوضح أحد مسؤولي الناتو أن “الأسطول السطحي الروسي قديم نسبياً، رغم امتلاكهم قوة غواصات لا يُستهان بها”، لافتاً إلى أن نقل غواصات من طراز “كيلو” من البلطيق إلى المتوسط أصبح مهمة شبه مستحيلة.
يرى المستشار السابق في وزارة الدفاع الأميركية جيفري إدموندز، أن عجز روسيا عن فرض حضور قوي في المتوسط يعكس تراجع نفوذها في الشرق الأوسط ككل، مضيفًا أن “موسكو ببساطة لم تعد تملك الوسائل للتدخل “.
ومع ذلك، يحذر مسؤولو الناتو من لجوء الكرملين إلى تكتيكات غير تقليدية، مثل استخدام الطائرات المسيّرة لإرباك الحلفاء، وهو ما أكد عليه نائب رئيس أركان القيادة العليا لقوات الحلف في أوروبا اللواء ماثيو فان فاجينين خلال مؤتمر أمني في سراييفو حين شدد على ضرورة امتلاك الناتو أدلة دامغة تثبت وقوف روسيا وراء هذه الأنشطة، قبل الرد عليها.
الأزمة الروسية البحرية تجسّدت مؤخراً في حادثة الغواصة نوفوروسيسك التابعة لأسطول البحر الأسود، التي واجهت أعطالًا خطيرة بعد عبورها مضيق جبل طارق مطلع الأسبوع الجاري ودخولها المحيط الأطلسي بحثاً عن محطة لإصلاح الأعطاب الفنية وسط مخاوف من وقوع انفجار محتمل أو تسرب وقود.
الغواصة المصنفة ضمن فئة “كيلو” والتي دخلت الخدمة عام 2015، تعاني من أعطاب في نظام الوقود ونقص حاد في قطع الغيار والمتخصصين، وفق تقارير فرنسية.
ووصفت مجلة لوبوان الفرنسية، وضعها بالحرج، مشيرة إلى أن طاقمها يفكر في تفريغ محتويات مخزن السفينة في البحر.
وبحسب صحيفة لوفيغارو، كانت أعمال الصيانة الثقيلة لغواصات “كيلو” تجري إما في بحر البلطيق، أو في ميناء طرطوس السوري، لكن إغلاق مضيق البوسفور جعل السفن الروسية المنتشرة في المتوسط تواجه صعوبات في الصيانة والتزود بالوقود، ما دفع العديد منها إلى العودة لقواعدها وهي “مغطاة”، في إشارة إلى إغلاقها القسري.
إلى جانب ذلك، أعادت أزمة الغواصة “نوفوروسيسك” إلى الأذهان مأساة الغواصة “كورسك” التي غرقت قبل 25 عاماً في بحر بارنتس، وأودت بحياة كامل طاقمها، ما يثير المخاوف من تكرار سيناريو كارثي جديد.
ويرى محللون أن هذه الأوضاع تكشف تقهقر أعمق في البنية العسكرية الروسية، المرتبطة بضعف القيادة وفشل تدريب الضباط والبحارة الشباب، الأمر الذي يجعل الأسطول “قادراً على تدمير نفسه من دون تدخل خارجي”، وفق قناة تليغرام المعارضة “تشيكا أو جي بي يو”.