الثورة -هنادة الحصري:
ثمة مفردة باتت تطرح بكثرة في الحياة اليومية و هي الدعوة إلى الحوار للخروج من وجع الحياة ومشاكلها و لكني أطرح سؤالا طالما أرقني هل نمتلك أسس الحوار و هي الإصغاء للاّخر و نحن لا نحب الإصغاء بل و نستعجل الحديث فنقول ما يعترينا من أفكار بمجرد أن تتقد في الذهن فكرته أثناء الحوار دون تدقيق أو روية .
بين يدي كتاب فن الإصغاء لعالم النفس الكبير “ايريك فروم ” . في كتابه تشعر أنك على موعد مع الشفاء من مشكلاتك و أزماتك و الضغوط التي تتعرض لها ، فكلنا مر بتجارب مؤلمة لا شك أثرّت بنا بل و ساعدت على تشكل مسيرتنا و قد تناسينا أننا نحن من صنع هذه االألام نتيجة التراكمات التي تمر بنا و تترك أثرها على حياتنا و مسيرتنا .
يرى فروم أن هناك عشر خطوات للمعرفة و الشفاء : التحليل و معرفة الذات أو الوعي تغيير السلوك ، وتنمية الاهتمام بالعالم المحيط و القراءة و تعلم التفكير النقدي ، و أن يدرك المرء لاشعوره ، و يدرك نرجسيته ، و يحلل نفسه و يركز و يتأمل ..
يقول : ” إذا لم أفكر نقديا فأنا عرضة لكل التأثيرات و لكل المقترحات و لكل الأخطاء ، و لكل الأكاذيب المنتشرة التي أتلقنها من اليوم الأول فصاعدا . و لا يمكن للمرء أن يكون حرا ، و لا أن يمون ذاته ، و لا أن يكون له مركز في ذاته ، ما لم يكن قادرا على التفكير نقديا ” ..
و يتطرق فروم إلى قضية النرجسية فهو يراها أساس العلل و هذا ما نلاحظه جميعنا أثناء تواصلنا مع الاّخر حيث النرجسية هي الأصل .
و يعرف النرجسي : “الشخص الذي لا يكون الواقع عنده إلا الذي يجري ذاتيا ، فأفكاره و أحاسيسه و ما إلى ذلك يراها حقيقية و تمثل الواقع و لذلك فالطفل الصغير يكون نرجسيا إلى أبعد الحدود لأنه في الأصل لا يوجد عنده واقع في الخارج بعد . و المريض الذهاني نرجسي متطرف لأن واقعه الوحيد تشكله تجاربه الداخلية . و جلنا نرجسيون إلى هذا الحد أو ذلك ،أي أننا منجذبون قليلا أو كثيرا إلى ألا نحسب حقيقيا إلا ما هو في داخلنا ، لا ما يشير إلى شخص اّخر ” .
و يركز فروم على فكرة ملاحظة الإنسان لنفسه ملاحظة دقيقة كما يحصل معنا في ملاحظتنا الدقيقة أي اختلاف و أدنى صوت غير مألوف نسمعه أثناء قيادتنا لسيارتنا حيث ندرك أن هناك صوتا غير عادي يعني أن ثمة مشكلة في السيارة تحتاج إلى تدارك .. و على هذا فنحن بحاجة إلى حساسية عالية لملاحظة أنفسنا تجعلنا نمتلك قدرا كافيا من التركيز و التأمل للوصول إلى الإدراك ..
و ينصح فروم القارئ بالقراءة كعلاج مهم و جدي متخذا المنهج الحديث في القراءة ..
وصفة جميلة تجعلنا نتمتع بالهدوء الداخلي الذي بالتالي يمكننا من الإصغاء و التأمل ثم إبداء الرأي بنجاح و إعجاب.