لم يسبق أن تخلت الدولة عن مواطنيها حتى في أحلك الظروف وأصعبها ولعلها في إعادة فتح ملف الدعم ودراسته استعداداً لإعادة توجيهه بالشكل المطلوب، فيه الكثير من الإصرار على تمسك الدولة بنهجها الاستراتيجي القائم على إيصال الدعم إلى مستحقيه بالشكل الأمثل وله أهداف أبعد من ذلك وهو العدالة في توزيع الدخل وتحقيق التوازن في المجتمع سيتم لمس نتائجه فيما بعد التطبيق العملي لإعادة هيكلة الدعم.
فالعملية ليست استبعاداً لشرائح معينة من مظلة الدعم وترك شرائح، بقدر ما هي إعادة تحقيق التوازن بالمجتمع ما بين الشرائح الضعيفة مادياً والشرائح القادرة والميسورة الحال، ذلك أنه فيما لو نظرنا إلى البعد الاجتماعي لإعادة هيكلة الدعم، كذلك بالبعد الاقتصادي فإن تعزيز مكانة الشرائح الضعيفة ومدها بالدعم يساهم في تقوية قدراتها الاقتصادية وبالتالي تمكين هذه الشرائح من زيادة تفاعلها مع الأسواق المحلية في كل ما يطرح فيها من سلع وخدمات وغيرها تقدمها الشرائح الميسورة من تجار وصناعيين ومنتجين وغيرهم، أي يصبح بمقدور الشرائح الأضعف أن تزيد استهلاكها وبالتالي هذا يعود بالفائدة على الشرائح المقدمة للخدمات وبالتالي تزداد فرصة انتعاش الاقتصاد وتدور عجلة الإنتاج بشكل أسرع وترتفع عائدية رأس المال العامل.
هذا لجهة أن الدعم فيما يخص الخبز والمحروقات والمواد التموينية سينحصر بالشرائح الأضعف حالياً، لكن باقي الخدمات التي تدعمها الدولة في قطاعات التعليم والصحة ستبقى مدعومة لجميع شرائح المجتمع ولن يكون هناك تمييز نهائياً، لذلك فإن نظرة متأنية لمشروع إعادة هيكلة الدعم ستظهر بأن الدولة مستمرة إلى حد بعيد بتقديم الدعم الكامل لجميع المواطنين، ولم تستثن أحداً منهم.
من هذه النظرة الأكثر اتساعاً في زاوية الرؤية يمكن أن نرى الدعم وأهداف إعادة هيكلته في ظل الظروف الصعبة التي تمر على سورية الناتجة عن تداعيات الحرب العدوانية الإرهابية المستمرة بأشكال عديدة والحصار والعقوبات الجائرة أحادية الجانب التي تفرضها قوى العدوان على الشعب السوري في محاولة لثنيه عن قراراته ومبادئه وتطلعاته في العيش الكريم على أرضه.
هو تفكير أدى إلى إنضاج فكرة الدعم وتوجيهها بما يتناسب مع ظروف المرحلة الحالية دون المساس بجوهرها وفلسفتها التي تهدف إلى تحقيق مزيد من التماسك للمجتمع وتمكين الشرائح الأضعف من مواجهة الظروف الطارئة، بحيث يتم توجيه الدعم الذي كانت تستفيد منه الشرائح الميسورة إلى الشرائح الأضعف وفي هذا أيضاً ما يشبه التكافل الاجتماعي الذي تسعى الدولة إلى تحقيقه من خلال إعادة هيكلة الدعم.
إذاً هناك معانٍ متنوعة ومقاصد أعمق من القول بأنه تمت إزاحة مظلة الدعم عن شرائح محددة فيما بقيت تغطي شرائح بعينها، فالأمر أبعد من ذلك ولعل القادم من الأيام سيفضي إلى تلمس النتائج المرجوة من ذلك.
حديث الناس- محمود ديبو