تعيدنا التطورات الدولية الحالية، وما تشهده من تهديدات متبادلة للفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، ففي ذلك الوقت كانت الظروف الدولية تدفع باتجاه اتخاذ خطوة غير محسوبة من جانب هتلر لغزو بولندا منذراً بحرب لن تنتهي إلا بعد ست سنوات، كانت تغطية لأسباب غير مباشرة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية داخلية في كل الدول الكبرى، وخاصة فرنسا وبريطانيا اللتين أوقعتا ألمانيا تحت شروط مجحفة في معاهدة فرساي ١٩١٩ بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، ليتم إعادة تشكيل الخريطة السياسية الدولية وفق محصلة نتائج القوى الجديدة.
واليوم نستعيد ذات الصورة من محاولات وضغوط لدفع روسيا الاتحادية للقيام بغزو أوكرانيا عبر التشدد في العقوبات الغربية على روسيا، والإعلان عن رغبة الولايات المتحدة الأميركية في نشر قواتها العسكرية في قواعد تم تجهيزها في دول أوروبا الشرقية التي انضمت لحلف شمال الأطلسي خلافاً للاتفاق مع الولايات المتحدة بعد تفكك منظومة الدول الاشتراكية وحل حلف وارسو.
الظروف السياسية والتحالفات الدولية تتشابه مع مقدمات الحرب العالمية الثانية، لكن موازين القوى من جانب، والتطور الكبير في التسلح من جانب آخر يمثل العامل الأكبر بتأثيره الواسع في أي حرب محتملة، فروسيا الاتحادية ليست ألمانيا الرايخ ، وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية ليست في وضعها ١٩٣٩، وأخيراً فإن أوكرانيا ليست بولندا في ظروفها لتكون نقطة البدء في حرب كبيرة.
وتبقى النقطة الأبرز في تحديات المرحلة تتمثل بطبيعة وسياسة ودبلوماسية روسيا بوتين، وهي دبلوماسية تحترم القانون الدولى وتلتزم ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والمعاهدات الدولية الموقعة، وبالتالي لا تنطلق من منطلق شوفيني متعصب مثل ألمانيا النازية التي كانت تضع الشعب الآري فوق شعوب الأرض كلها، الأمر الذي يجعل الوضع مختلفًا جداً ولا يسمح بتكرار تجربة مماثلة لتجربة الحرب العالمية الثانية.
وتبقى الاحتمالات مفتوحة على الكثير من الإجراءات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية إضافةً للعقوبات الشخصية والمالية التي يمكن أن تستمر الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا باتخاذها في محاولات الضغط على روسيا الصاعدة بقوة لاستعادة دورها الدولي كدولة عظمى، لا تكتفي بدورها داخل مجلس الأمن الدولي وحده، وإنما تفرض إرادتها في الخريطة السياسية الدولية وفق مصالحها المستجدة.
ويقف العالم على حافة الانتظار الصعب لسلوك واشنطن في التعبير العملي عن مواقفها السياسية التصعيدية المستمرة والمتصفة بالعدائية المستندة للقوة المتخيلة بعيداً عن المواثيق الدولية والقانون الدولي والاتفاقات التي تضبط الخريطة السياسية الدولية، فأي احتمالات تبقى، وأي مستقبل منتظر؟.
واليوم وسط كل حالة التوتر والتهديدات المتبادلة، فإن كل الأطراف تدرك أن النتائج الكارثية لن ينجو أحد منها، وإن كانت الولايات المتحدة الأميركية ستكون المتضرر الأكبر، الأمر الذي قد يشكل كابحاً لأي مغامرة محتملة.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد