العقل.. الحقل المعرفي

العقل هو الأداة التي تصنع التقدم أو تكون سبب التخلف لذلك لابد من دراسة بنيته لإحداث التغيير المنشود ومن إنتاج أطروحات من الواقع العربي لاجتراح نقلة نوعية في الذهنية العربية فلا يمكن استيراد منظومات فكرية خارجية لتغيير واقع له خصوصية معينة ولابد من تدوين عصر عربي جديد للنهوض بالأمة وصولاً للإجابة على سؤال النهضة لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا فالعقل يفكر بما هو داخله أي كيف تشكل وعلى أيّ عناصر بُني، فالعقل اليوناني مثلا ينطلق من فضاء أي اطار مرجعي ثقافي فلسفي والعقل الأوروبي ينطلق من فضاء ثقافي علمي طبيعي يعتمد على التجربة وتحليل الطبيعة في حين نرى بنية العقل العربي تنطلق بشكل أساسي من فضاء ثقافي وجداني عاطفي نواته النص والأسطورة، فهو يفكر بطريقة استرجاعية وهذا ما يكتشفه الباحث في تحليل الخارطة الثقافية المشكِلة للعقل العربي ونقدها وفق تاريخيتها والخلوص منها لما هو مفيد لنهضة حديثة لا تقطع معها نهائيا.

واللغة هي وعاء العقل فهو يعجز عن التفكير خارج نطاقها وبهذا المعنى سجينها وفق نظام تفكير مؤطر فالحضارة العربية حضارة فقهية قياسا باليونانية التي تتسم بنواتها الفلسفية فالعقل العربي عقل بياني تأسس بسلطة النص كمرجعية لا يمكن تجاوزها فامتدت ثوابت النص لتشمل اللغة عبر تقعيدها ونحن هنا أمام البيان حيث تمحورت عند حدود الفراهيدي وهذا ما يفسر ظهور اللهجات التي واكبت تطور المجتمع والحياة ولعل الإمام الشافعي هو من ثبّت أولوية النقل على العقل وهنا تصبح السمة الأولى للعقل العربي بأنه يرتكز إلى البيان.

أما العنصر الثاني فهو العرفان أي العقائد الباطنية، الأسطورة والتصوف والسحر والغيب والتأويل وقد تسرب الينا وفق الجابري من بلاد فارس والهند ويقع ضمن دائرة اللامعقول العقلي وهي أهم ما عرقل تطور ونهضة الأمة وفقه وتسرب الينا من الزرادشتية والمانوية والهرمسية وحتى الأفلاطونية المحدثة والمشكلة في العرفان انه يقوم على رؤية سحرية للعالم لا تعتمد على قواعد منطقية علمية ومحاكمة عقلية ولا تبنى على الاستدلال وإنما الإشراق والإلهام الرباني حيث ترسخ على أيدي الفارابي والغزالي والجنيد وابن عربي والسهر وردي وإخوان الصفا وغيرهم ويبرز الفيلسوف الإسلامي ابن سينا المؤسس لهذا النمط في إطار أي قراءة للعقل العربي.

أما العقل البرهاني وهو القائم على الفلسفة فكانت بدايته في العصر العباسي وتحديداً زمن الخليفة المأمون الذي أراده لمواجهة خصومه السياسيين ولاسيما الفرق الباطنية فعمل على تشجيع الترجمة والنقل عن العلوم اليونانية ويرى الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري انه بدأ مشرقيا و تطور في المغرب العربي والأندلس على يد الفلاسفة وعلى رأسهم ابن رشد وابن حزم وابن ماجة الذي رفض النص المقيد حيث تم شرح الفلسفة الارسطية وليس الأفلاطونية المحدثة التي هي هرمسية عرفانية حيث نقلت للشرق مترجمة لا مشروحة وكان عنوانها العريض ابن رشد وفلسفته وشروحاته ما شكل فتحاً في الثقافة العربية وأعاد العقلانية اليها بمواجهة الغزالي وفلسفته التصوفية المعطلة للعقل وفق ابن رشد الذي أخضع البيان للبرهان أي النص للعقل مؤسساً لعلمانية ثقافية والفصل أو فك الارتباط ما بين الديني والعلمي ثم اكتمل ذلك بفلسفة ابن خلدون باعتماد التحليل التاريخي لتطور الأمم عبر فلسفة العمران والشعوب ليصل إلى فصل بين عقل عربي عرفاني مشرقي غيبي وعقل عربي مغربي عقلاني نقدي مثل التوهج ضمن الثقافة الإسلامية ولكنه لم يتطور لأنه بقي أسير مفاهيم غير علمية وذهب ضحية صراع مذهبي سياسي استمر بين إطارين معرفيين بياني نصي وعرفاني غيبي أدى إلى محاصرة العقل البرهاني من الطرفين ليتم القضاء عليه من الغزالي وآخرين.

والنتيجة أن الإجابة على لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا فعند الجابري هو نهاية أو هزيمة العقل البرهاني لمصلحة البياني والعرفاني والتوجه اللاعقلاني على الصعيد المعرفي فأصبح العقل العربي أسير التصورات اللاعقلانية والغيبية والنص الجامد ما يعني أن أي تفكير في مشروع نهضة عربية يستدعي ويستلزم بالضرورة أن يتبنى العقل البرهاني المغاربي أي فلسفة ابن رشد العقلاني النقدي واحياء ابن رشد يستلزم تجاوز ابن سينا والفارابي والغزالي والعرفان كما يستلزم إعادة إخضاع البيان لسلطة البرهان وهنا تكمن الإشكالية التاريخية والاشتباك المستمر.

إضاءات- د . خلف المفتاح

 

 

 

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة