الملحق الثقافي:سهيلة إسماعيل:
يتذكر سكان مدينة حمص ومنْ كان يزور المدينة بائع الكتب “ ممدوح” الملقب بـ” أبو عبدو” بوجهه الأسمر ونظرته الثاقبة. نظرة تنمُّ عن معرفة كبيرة، وثقافة تبرز حال سؤاله عن كتاب ما أو مرجع لطالب علمٍ.. فإذا لم يكن متوفراً لديه بين عديد الكتب الموجودة التي اختار مكاناً لها على سور مبنى المحافظة الشمالي يُحضره في اليوم التالي.
هكذا، اكتسب أبو عبدو ثقة مريديه من محبي المطالعة واقتناء الكتب .. لكنَّ بسطة أبو عبدو اختفت من مكانها قبل الحرب الأخيرة بفترة قصيرة.. وبقي طيفها حاضراً في خيال كل من عرفها واشترى كتاباً منها.. كيف لا وقد شكلت البسطة علامة فارقة في مدينة تضجُّ بالحركة والحياة .. والمحزن اليوم أن البسطة ليست وحدها التي اختفت، بل هناك مكتبات ضخمة اختفت من المدينة، ليحل محلها محل تجاري يعود على صاحبه بالربح الوفير.. وما بقي من مكتبات يكاد لا يتجاوز عدد أصابع الكف الواحدة.
يبدو الأمر محزناً مع عزوف الكثيرين عن قراءة الكتب الورقية والاستعاضة عنها بالقراءة على شاشة الحاسوب، أو الهاتف المحمول.. وكأن الكتاب الورقي أصبح من الزمن الجميل كالأغاني العريقة أو العادات الجميلة..!! وهنا نتساءل : ماذا فعلت الجهات المعنية كوزارة الثقافة أو اتحاد الكتاب العرب أو وزارة الإعلام للحفاظ على مكانة الكتاب؟ وهل يكفي احتفالها الخجول باليوم العالمي للكتاب الموافق للثالث والعشرين من نيسان القادم ؟ مع يقيننا أنها ليست وحدها المسؤولة بل تقع المسؤولية على المنظومة المجتمعية بأكملها ؛ ابتداءً من أصغر خلية فيه وهي الأسرة وثم المدرسة وانتهاءً بالجامعة.. فالجميع مسؤول ويستطيع بمبادرات بسيطة أن يلقي حجراً صغيرة في بركة الواقع الراكدة لتشجيع الطلاب خلال مراحل دراستهم الأولى على اقتناء الكتاب واعتباره ضرورة لا بد منها كالطعام والشراب أو اللباس.. مع العلم أن ظاهرة إغلاق المكتبات واضمحلال أعدادها وتراجع قيمة الكتاب أمام التطور التقني وثقافة الاستهلاك السريع ليست حصراً على مدينة حمص.. فها هي مدينة دمشق تخسر مكتباتها تلو الأخرى “ مكتبة النور – مكتبة ميسلون ..” .
قضية أخرى لا مندوحة من الإشارة إليها من خلال سؤال المهتمين بالكتاب عن تفضيلهم قراءته على شاشة الحاسوب أو قراءته ورقياً.. ليأتينا الجواب على لسان الكاتبة غادة اليوسف : منْ شبَّ على شيء شاب عليه كما يقول المثل، وأنا اعتدت على – ومنذ صغري- أن أقرأ الكتاب الورقي، لأن الورق حنون ومطواع.. أما شاشة الحاسوب فهي باردة وقاسية، وأنا أتعامل مع الكتاب ككائن موجود وله روح.. لذلك تنشأ بيننا علاقة حميمة خلال القراءة، بينما لا تنشأ العلاقة نفسها مع الشاشة الصغيرة. وعند قراءتي لكتاب ما يمكن أن أكتب على هامشه ملاحظة ما أو أضع إشارة تحت جملة أعجبتني بينما يتعذر فعل الشيء ذاته على الشاشة.
أما القاصة ابتسام نصر الصالح.. فقالت إن صوت الورقة وأنا أقلبها لأنتقل إلى أخرى له وقع خاص ورائحتها تبقى عالقة في الأنف وهي من أجمل الروائح.. وأستطيع أن أطويها أو أضع علامةً تشير إلى أي صفحة قرأت.. بينما لا يمكنني التمتُّع بالقراءة على شاشة الحاسوب.. ولا مجال للمقارنة بين الأمرين.
وتأسف أحد الزملاء الإعلاميين من مدينة حمص لأن الحرب الشرسة قضت على مكتبته الخاصة التي كانت تضم أمهات الكتب العالمية والمراجع العلمية إذ أتت مكان تواجدها رصاصة طائشة فكانت سبباً في تلفها .. وما زال يحن إلى مكتبته ولم يستطع حتى الآن مع القراءة على شاشة الحاسوب.
وأخيراً مهما تطورت التقانات الحديثة يبقى للكتاب محبيه ومريديه فهو وكما قال المتنبي : خير جليس في الأنام كتابُ.
التاريخ: الثلاثاء8-2-2022
رقم العدد :1082