أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي
برز ملف السجناء السوريين في لبنان كواحد من أكثر الملفات الشائكة والمعقدة في العلاقات بين بيروت ودمشق بعد سقوط نظام الأسد البائد، نظراً لتداخل الجوانب القانونية والسياسية والإنسانية فيه، وارتباطه المباشر بتداعيات الحرب في سوريا، التي دفعت الآلاف إلى السجون اللبنانية، بينهم مئات المعتقلين على خلفية مشاركتهم في الثورة السورية أو تقديم الدعم لها.
تفيد مصادر إعلام لبنانية، أن وزير الخارجية أسعد الشيباني سيزور للمرة الأولى لبنان قبل نهاية الشهر الجاري، وهي أول زيارة رسمية منذ استئناف الاتصالات بين البلدين رسمياً عقب سقوط نظام بشار الأسد، وانتهاء عهد الوصاية، ويتوقع أن يكون ملف المعتقلين السوريين في لبنان على رأس أولويات المباحثات التي ستتم في بيروت، رغم أن الملف شائك ومعقد ويحتاج لجهود طويلة لمعالجته.
وعقب زيارة رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، إلى دمشق ولقائه بالرئيس الشرع في دمشق، تم الإعلان عن الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية مشتركة لمتابعة القضايا المشتركة بينها ملف الموقوفين السوريين، وأعلن الوزير الشيباني، عبر منصة “X”، عن لقائه سلام والتأكيد على ضرورة الإسراع في إنهاء معاناة السوريين الموقوفين في سجن رومية اللبناني.
وأشار الشيباني إلى الاتفاق على بعض الخطوات العملية بهذا الخصوص، وكان أثقل الملف كاهل النظام القضائي والسجني اللبناني، خصوصاً في ظل اكتظاظ مرافق الاحتجاز، حيث تشير تقديرات رسمية إلى وجود أكثر من ألفي معتقل سوري، موزعين على سجون رومية والقبة والبقاع، بينهم مئات ينتظرون المحاكمة، وبعضهم يفتقر لمحامٍٍ أو حتى مراجعة دورية لقضيته، بينما يواجه النظام الصحي والسجني اللبناني أزمة مزمنة في الموارد.
وأوضح حقوقيون لبنانيون أن السلطات الرسمية تتعامل مع الملف بمنطق سياسي أكثر منه قانونياً، وهو ما يعمّق الأزمة ويؤخر أي حلول عادلة، حيث أكد المحامي اللبناني محمد صبلوح، مدير مركز “سيدار للدراسات الحقوقية”، أن غالبية المعتقلين السوريين لم تُمنح لهم حقوقهم القانونية، وبعضهم ينتظر محاكمته منذ سنوات، بينما يعاني آخرون من تهم فضفاضة مرتبطة بالإرهاب أو “المناصرة”، مشيراً إلى غياب أي تفريق قانوني بين من شارك في القتال ومن اعتُقل لأسباب سياسية.
واصطدمت محاولات معالجة هذا الملف بقيود قانونية صعبة، حيث تشترط الاتفاقية القضائية اللبنانية السورية المعدَّلة عام 1999 صدور أحكام نهائية ضد الموقوفين، ومرور ستة أشهر على الحكم قبل تسليم السجين، فضلاً عن تغيّر طبيعة النظام السياسي في سوريا، ما يُجبر الجانبين على إعادة النظر في الاتفاقيات القديمة، ويزيد من تعقيد مسار الترحيل أو إطلاق السراح.
وطرح الملف تساؤلات حقوقية وأخلاقية حادة حول معايير العدالة الانتقالية والمعاملة بالمثل، حيث عبّر حقوقيون عن استغرابهم من استمرار محاكمة سوريين على خلفية الثورة، في حين لم تُفتح أي تحقيقات بحق لبنانيين قاتلوا إلى جانب نظام الأسد البائد داخل الأراضي السورية، محذرين من أن هذا التمييز يُضعف الثقة بالقضاء ويُكرّس العدالة الانتقائية.
وطالب حقوقيون لبنانيون بوضع قانون خاص يعالج ملف السجناء السوريين بصورة شاملة، ويفرّق بين المعتقلين بتهم جنائية خطيرة، وبين من اعتُقل لدوافع سياسية أو في سياق الثورة السورية، مع ضمانات بعدم تسليم أي شخص للنظام السابق الذي مارس التعذيب والإخفاء القسري، وشددوا على أن العدالة لا يمكن أن تكون أداة للمساومة أو للتفاوض السياسي.
وكانت أجمعت جهات حقوقية ومراقبون على أن إنهاء هذا الملف يتطلب إرادة سياسية مشتركة، وتعاوناً قضائياً نزيهاً يضع حقوق الإنسان في المقدمة، بعيداً عن الحسابات الأمنية والضغوط الدولية، مؤكدين أن حل قضية المعتقلين السوريين في لبنان يمثل اختباراً حقيقياً لالتزام البلدين بمبادئ العدالة الانتقالية، خاصة في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد البائد.