الثورة – نور جوخدار:
ضمن التحركات الدبلوماسية التي تقودها دمشق لبناء علاقات جديدة مع دول الجوار والمنطقة، تترقب الأوساط السياسية في سوريا ولبنان زيارة وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني إلى بيروت، على رأس وفد وزاري وأمني رفيع، قبل نهاية الشهر الجاري، لبحث جملة من الملفات العالقة بين البلدين.
وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة كونها الأولى لمسؤول سوري بهذا المستوى إلى لبنان منذ تشكيل الإدارة السورية الجديدة، وتهدف إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، مغايرة لما كانت عليه في حقبة النظام البائد، ومن المقرر أن يلتقي الشيباني خلال زيارته الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، إضافة إلى شخصيات سياسية ووزارية وأمنية بارزة.
يتصدر ملف المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية، خاصة سجن رومية، الملفات التي سيبحثها الوفد السوري في بيروت، ويأتي ذلك في ظل تصاعد التوتر داخل السجن، إثر احتجاجات وإضراب عن الطعام نفذه أكثر من مئة سجين سوري في شباط الماضي، للمطالبة بتحسين أوضاعهم القانونية والإنسانية.
وعلى الرغم من أهمية إعلان الوزير الشيباني، خلال لقائه رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، مؤخراً عن التوصل إلى تفاهمات لإنهاء معاناة السوريين الموقوفين في سجن رومية، إلا أن ترجمة هذه التفاهمات إلى خطوات عملية تتطلب تنفيذاً سريعاً، والتزاماً فعلياً بتأمين الظروف القانونية والإنسانية الملائمة لهم.
وتشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 2000 سجين سوري في لبنان، جزء كبير منهم موقوفون دون محاكمات بتهم سياسية وأمنية، منها تأييد الثورة السورية، الانتماء لفصائل جهادية مسلحة، وأخرى تهم تتعلق بالإرهاب.
ومن الملفات التي ستكون حاضرة خلال اللقاء المرتقب أيضاً ملف ترسيم الحدود المشتركة بين البلدين، كما كانت حاضرة أيضاً في مباحثات الرئيسين أحمد الشرع وجوزيف عون خلال زيارتهما للعاصمة الفرنسية باريس.
وكان سفير فرنسا في بيروت هيرفيه ماغرو قد سلّم مؤخراّ وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي نسخة من الوثائق والخرائط من الأرشيف الفرنسي الخاص بالحدود اللبنانية-السورية، بناءً على طلب لبناني، باعتبارها خرائط ستساعد لبنان في عملية ترسيم حدوده البرية مع سوريا.
وظل هذا الملف مصدر توتر دبلوماسي وأمني منذ استقلال الدولتين عن الانتداب الفرنسي منتصف أربعينيات القرن الماضي، فضلاً عن مشكلات التهريب بين الجانبين، حيث عمدت فرنسا أثناء الانتداب إلى تقسيم مناطق البلدين وفقاً لما أسمته آنذاك “دولة لبنان الكبير وسوريا”، ما أدى إلى تداخل الحدود ونشوب الخلافات التي لم تفلح لجان مشتركة من الجانبين في وضع حلول لها.
علاوة على ذلك، يتصل هذا الملف أيضاً بقضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة من قبل إسرائيل، والتي طالما شكلت نقطة خلافية تتجاوز الجغرافيا إلى الداخل اللبناني، نظرا لارتباطها بملف سلاح حزب الله.
لا شك أن ضبط الحدود يشكل تحدياً سياسياً وتاريخياً وجغرافياً معقداً، خاصة مع تداخل القرى والبلدات السورية اللبنانية، والتي ترتبط حالياً بستة معابر حدودية برية على امتداد نحو 375 كيلومتراً.
ويعتبر اتفاق جدة في آذار الماضي الذي تم بين البلدين بشأن ترسيم الحدود وتعزيز التنسيق الأمني، خطوة تمهيدية في انتظار تنفيذ خطوات فعلية لاحقة.
الملف الآخر الذي لن يكون أقل أهمية عن الملفات الأخرى مرتبط باللاجئين السوريين في لبنان، حيث كشف نائب رئيس الحكومة اللبنانية ورئيس اللجنة الوزارية المكلفة بملف النازحين السوريين، طارق متري، أنه سيتم مناقشة خطة العودة التي أعدتها اللجنة، كما كشف متري عن اجتماع إقليمي مرتقب سيعقد في دمشق، بمشاركة سوريا ولبنان وتركيا والأردن، للبحث في آليات تنفيذ الخطة.
في المحصلة، تحمل زيارة الشيباني المرتقبة إلى بيروت مؤشرات على بداية مرحلة جديدة في العلاقات السورية اللبنانية، غير أن ترجمة النوايا والتفاهمات إلى خطوات عملية وملموسة ستشكل الاختبار الحقيقي لمدى جدية الطرفين في طي صفحة خلافات الماضي، وفتح مسار تعاون جديد يعزز الأمن والاستقرار في البلدين الشقيقين.