لم يكن مفاجئاً إعلان الأجهزة الأمنية في لبنان توقيف 17 شبكة تجسس إسرائيلية في الأراضي اللبنانية، وإن كان الإعلان عن تفكيك الشبكة، في وقت تعيش فيه البلاد حالة فوضى وتخبط اقتصادي وسياسي، يشكل علامة فارقة تسجل لصالح قوى الأمن الداخلي اللبنانية.
فلا يخفى على أحد داخل لبنان وخارجه أن اليد التخريبية الإسرائيلية موجودة بقوة في لبنان بحكم وجود أحزاب وقوى سياسية ترتبط مباشرة مع الكيان المحتل ولم تنظر يوماً لهذا الكيان الغاصب كعدو حتى في أوج احتلاله للبنان ووصوله إلى بيروت، ناهيك بأن الكيان الإسرائيلي يلعب في أكثر من ساحة خارجية وخصوصاً في الدول العربية التي يرى فيها خطراً عليه.
اللافت في الخبر أن تلك الشبكات تعمل منفصلة عن بعضها وتعمل في الساحة اللبنانية وصولاً إلى الساحة السورية والعراقية، وبالتأكيد هذه الشبكات تعمل لتنفيذ الاغتيالات سواء في لبنان أو في سورية، وتحضّر لإثارة القلاقل والخلافات بما يزيد من توتير الأجواء المتوترة أصلاً في الساحة اللبنانية المقبلة على انتخابات نيابية قد تكون مناسبة تستغلها “إسرائيل” لزعزعة الأمن في لبنان وضرب استقراره.
وإذا ما ربطنا تزامن الكشف عن شبكات التجسس هذه مع قرار بعض الدول الخليجية فرض خنق اقتصادي على لبنان وسحب السفراء من بيروت وفرض شروط، بعضها يصب في مصلحة كيان الاحتلال كسحب سلاح حزب الله مثلاً، يصبح التساؤل مشروعاً: هل الساحة اللبنانية التي تعاني من ضغوط اقتصادية غير مسبوقة بعد إفراغ البنوك اللبنانية من الدولار وفقدان الكهرباء والنفط ومن اشتباك سياسي حاد، هل هي مقبلة على اضطرابات جديدة ومحاولة إشعال حرب أهلية تقود إلى شن حرب ضد حزب الله؟ أسئلة مشروعة في ظل ما يتعرض له لبنان من ضغوط غير مبررة إطلاقاً.
التساؤل يقود أيضاً إلى ربط توزع هذه الشبكات في المناطق اللبنانية، بحسب المعلومات المتداولة، بعملية إعادة تشكيل خلايا تنظيم داعش الإرهابي في لبنان وخصوصاً في الشمال، حيث كشفت الأجهزة الأمنية مؤخراً عن سفر العديد من شبان طرابلس إلى سورية والعراق للانضمام إلى التنظيم الإرهابي.
نعلم جيداً أن اليد التخريبية الإسرائيلية التي يقودها الموساد الإسرائيلي داخل الدول العربية موجودة دائماً، لكن فتح بعض الأنظمة العربية الباب واسعاً أمام سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتكون موجودة بشكل مشروع في تلك الدول كما فعلت بعض الدول الخليجية، فإنما تمنحها الضوء الأخضر للتجسس المغطى بالحضور السياسي على تلك الدول وجيرانها أيضاً، وهذا ما تتحدث عنه وسائل إعلام العدو التي تريد أن يكون الخليج منصة إنذار مبكر ضد إيران.
ويبقى السؤال الأهم: هل هذه الشبكات هي كل ما تملكه “إسرائيل” على الساحة اللبنانية، أم إن هناك شبكات أكثر خطورة وعلى مستويات أعلى؟ خصوصاً أن اليد الإسرائيلية هي المتهم الأول فيما تعرض له لبنان خلال العقدين الماضيين من عمليات اغتيال، ومؤخراً التفجير المأساوي الذي حصل في مرفأ بيروت.
لاشك في أن لبنان اليوم ومعه محور المقاومة يتعرض لحرب اقتصادية وسياسية واستخباراتية ولاشك أيضاً في أن التغلغل الإسرائيلي في الدول العربية سواء عبر التطبيع أو عبر التجسس يهدف إلى ضرب دولنا من الداخل بعيداً عن الحروب التقليدية التي فشلت “إسرائيل” في الانتصار فيها خصوصاً بعد هزيمتها في غزة ولبنان ومؤخراً فشلها في مواجهة صواريخ المقاومة.. فهل تكون بعض الدول العربية شريكة فيما يُحضّر للبنان إسرائيلياً وغربياً كما حصل في حرب تموز 2006؟ أم هل يتنبه أصحاب القرار وصانعو السياسات لما يُحضّر لبلدانهم إن كانوا أصحاب قرار فعلاً؟.
إضاءات -عبد الرحيم أحمد