الثورة – عبد الحليم سعود:
على امتداد خمسة وخمسين عاماً من قيام الكيان الصهيوني باحتلال الجولان العربي السوري في عدوان غادر عام 1967 لم تتوقف سورية عن المطالبة بعودته كاملاً للسيادة السورية، وإنهاء احتلاله البغيض، فإلى جانب دبلوماسيتها النشطة وتحركاتها الدؤوبة في المحافل كافة لانتزاع التأييد الدولي لحقوقها ومطالبها، نجحت باستصدار العديد من القرارات الدولية التي تطالب “إسرائيل” بإنهاء احتلالها غير الشرعي وغير القانوني لهذا الجزء الغالي من الأرض السورية، وعلى رأسها القرارين 242 و338، والقرار 497، ومارست سورية كل الوسائل المتاحة والممكنة سواء السياسي أو العسكري لاسترداد حقها المسلوب، فكانت حرب تشرين التحريرية المباركة عام 1973 حيث خاضت قواتنا المسلحة الباسلة أشرس المواجهات البطولية على تراب الجولان، وكانت قاب قوسين أو أدنى من تحريره كاملاً، لولا توقف القتال على الجبهة المصرية ودخول مصر في صلح منفرد مع الاحتلال، وتدخل الولايات المتحدة الأميركية والغرب الاستعماري بشكل مباشر على خط دعم وإنقاذ “إسرائيل” من هزيمتها، ليكون فيما بعد اتفاق فض الاشتباك وانسحاب قوات الاحتلال من مدينة القنيطرة، حيث رفع القائد المؤسس حافظ الأسد علم الوطن في سماء المدينة المحررة في 26 حزيران عام 1974.
وطيلة السنوات التي تلت تحرير القنيطرة لم تتوقف سورية عن المطالبة باسترجاع الجولان كاملاً، ولم يقتصر الأمر على المطالبة فقط بل قامت بدعم مقاومة أبناء الجولان للاحتلال، ووقفت إلى جانبهم في كل الظروف والمناسبات وقدمت لهم كل ما يعزز منعتهم وصمودهم في وجه الاحتلال وإجراءاته الإرهابية والقمعية، ومحاولاته المستمرة لبناء مستوطناته ومنشآته الاحتلالية.
اليوم تصادف الذكرى الأربعون لانتفاضة أهلنا الباسلة في الجولان، وإضرابهم المفتوح ضد قانون الضم الإسرائيلي الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في 14 كانون الأول 1981 حيث أشعل هذا القرار الجائر والظالم حمية أهالي الجولان، ورفضهم للإجراءات الصهيونية ضدهم، ما دفعهم لإطلاق انتفاضة شعبية على شكل إضراب عام في 14 شباط 1982، وعقب 6 أشهر من الانتفاضة، وما أظهره أهالي الجولان من ثبات وتمسك بالأرض، عبر تمزيق وحرق هويات العدو ووضعها تحت أقدامهم، أُجبرت سلطات الاحتلال على التراجع عن فرض الجنسية، وإلغاء التجنيد الإجباري، وإطلاق سراح كل المعتقلين السوريين وإعادتهم إلى ديارهم دون شروط.
أما على صعيد الدولة السورية فقد أكدت في كل المناسبات على حقها باسترجاع أرضها المحتلة في الجولان وبكل الوسائل الممكنة التي كفلها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بحيث عجز الكيان الصهيوني عن إضفاء أي شرعية دولية على احتلاله باستثناء الشرعية الفارغة التي حاولت الإدارة الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب إضفاءها على الاحتلال.
ومنذ عام 1967 والمجتمع الدولي يكرر سنوياً رفضه لهذا الاحتلال، ويُطالب “إسرائيل” بالانسحاب من كامل الجولان السوري المحتل إلى خط الرابع من حزيران لعام 1967، وقد أكدت الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة، في العديد من قراراتها على مطالبة “إسرائيل” بالانسحاب من الجولان المحتل واعتبار قرار الضم لاغياً وليست له أي شرعية أو أي أثر قانوني على الإطلاق.
ما من شك بأن الكيان الصهيوني يعلم علم اليقين بأن الجولان سيعود لأهله ووطنه مهما طال الزمن، ولذلك يظل مربكاً في تصرفاته وسلوكياته وقلقاً من المستقبل، لذلك يمارس سياسة العربدة والعدوان من حين لآخر، ويحاول بكل وسائله وأساليبه الدنيئة شرعنة احتلاله دون جدوى، ودائماً ما يصطدم بإصرار أبناء الجولان على التمسك بهويتهم العربية السورية، ورفضهم للاحتلال ومقاومتهم له، وكذلك تمسك الدولة السورية بحقها في الجولان وعدم قبولها بأي مساومة أو تسوية لا تعيد الجولان كاملا لسيادتها، وتقديمها كل الدعم لأبنائها الصامدين المقاومين فيه، إضافة إلى عجز الاحتلال المستمر عن الحصول على أي اعتراف دولي بشرعية احتلاله الظالم.