الملحق الثقافي:ديب علي حسن:
كتب مارك توين إلى وزير الحرب الأميركي فى حملة الإبادة للهنود الحمر، قائلاً: «قلت له: إن عليه أن يجمع الهنود كلهم فى مكان واحدٍ ويذبحهم مرةً واحدة وإلى الأبد! وإذا لم توافق على هذه الخطة (!)، فإن البديل الناجع هو الصابون والتعليم (soap and education)، فالصابون والتعليم أنجع من المذبحة المباشرة، وأدوم وأعظم فتكاً.. إن الهنود قد يتعافون بعد مجزرة أو شبه مجزرة، لكنك حين تُعَلِّم الهندي وتغسلُه، فإنك ستقضى عليه حتماً، عاجلاً أم آجلاً.. (التعليم والصابون) سينسفان كيانه ويدمران قواعد وجوده.. سيدي! اقصف كل هندي بالصابون والتعليم ودعه يموت الإنسان»، ولن نصل إلى هذا إلا إذا أحسنا تعليمه، وكل تجارب العالم شرقاً وغرباً لم تنطلق إلا من قاعدة «التعليم»، الذى قد يكون سبيلاً للنهضة).
لايذهبن أحد ما إلى الظن أنه يعني الأخذ بالهنود الحمر إلى الجامعات والمدارس والرفاهية ..بل إلى سلخهم عن عاداتهم وتقاليدهم وجذورهم وبالتالي تدجينهم كما يريد السيد الأبيض ليكونوا لائقين لخدمته، وهذا ما يشير إليه كتاب أميركا وحرب الإبادات الثقافية ..
نعم، هو قصف الثقافة بقنابل أخرى مضادة، تعمل على تحييدها ومسخها أسلوب معروف منذ القدم ..مع إحراق أول كتاب ومكتبة وفي كتاب إبادة الكتب ما يغني المتابع عناء البحث عن آلاف الوقائع التي جرت ومازالت.
وسيجد المتابع الكثير مما قيل في إعدام الكتب والمكتبات.
( يمسح التدمير الثقافي الأفراد أشباحاً وعبيداً على نحو بشع مستنزفاً المستودع الفكري والروحي والعالمي ومقلصاً الإرث الثقافي للبشر).
والكتب، كما يقول جون ملتون :ليست جمادات لا حياة فيها بل هي وعاء لقوة حياة كامنة أريد لها أن تكون فاعلة مثل الروح التي أنجبتها .. والمكتبات هي إدارة المعرفة في العالم ..فمتى تم تدمير الكتاب والآثار وحلت محلها كتب مناهضة يعني أن القصف الثقافي قد تحقق.
الحروب اليوم، بلا رصاص وبلا طائرات إنها حروب الثقافات والعقول ..ثقافات يراد لها أن تطمس لتحل مكانها ثقافات هجينة لا جذور لها.
في هذا الملف الكثير مما قيل وليس إلا بذوراً لمن يريد أن يبحث ويمضي نحو الوقائع والأسباب ..
d.hasan09@gmaiL.com
التاريخ: الثلاثاء15-2-2022
رقم العدد :1083