الثورة – هفاف ميهوب:
سئل الأديب البيروفي “ماريو فارغاس يوسا” في إحدى الحوارات: “لماذا تكتب؟”.. فكان جوابه: “أكتب لأنني تعيس، ولأن الكتابة هي الوسيلة التي أحارب بها التعاسة.. إنها الطريقة التي نعبّر بها عن الإحباط، أو عن الاستياء، أو حتى عن الحنين لشيءٍ ما لانملكه”..
من قرأ هذا الأديب جيداً، يعرف الأسباب الكثيرة التي أشعرته بالتعاسة والإحباط، وأولها العمى الذي لم يمنعه من أن يكون وكما أُطلق عليه “المصوّر الأعمى” الذي أبدع في استبصار الحياة، ولكن بالطريقة التي تخيّلها وفق طموحاته، بعيداً عن واقعها البائس الذي فاقم مأساته..
نعم، لهذا يكتب “يوسا” الذي تمرّد على واقعه، عبر خلق عالمٍ، وإن اعتبره “أكذوبة تخفي حقيقة عميقة”، إلا أنه استمرّ في تخيّله، وكان هدفه “إخماد الطموحات التي عجزت الحياة عن إشباعها، وسدّ الثغرات بكلماتٍ وأشباحٍ”..
هذا ما أجاب به “يوسا” عندما سئل عن السبب الذي يدفعه للكتابة، أما الكاتب والأديب البريطاني “جورج أورويل” فلم يكن هذا مجرّد سؤال بالنسبة له، بل كان أيضاً عنوان كتاب أسماه “لماذا أكتب؟”… الكتاب الذي أكّد فيه، بأنه قرّر ومُذ كان طفلاً أن يصبح كاتباً، وبأنه يرى بأن دوافع الكتابة: “حب الذات، الحماس الجمالي، الحافز التاريخي والسياسي”، ليكون أكثر ما رغب بفعله من كتابته، ما دلّت عليه مقولته: “أن أجعل من الكتابة السياسية عملاً فنيّاً، أكتبه لأن هناك كذبة أريد فضحها، وهمّي الأولي هو الحصول على مستمعين”..
نموذجان من الكتّاب، وإن اختلف هدف كلّ منها من الكتابة، إلا أن مايجمعها السعي لخلق عالمٍ أفضل، سعى إليه كثرٌ من الأدباء والكتّاب، ولو عبر التخيّل الذي جعل الكاتبة والأديبة التشيلية “إيزابيل الليندي” تعلن بأنه الهاجس الذي كان سبباً في شعورها، بأن كلّ القصص التي ترويها، إنما هي بذور تنمو في داخلها كالجنين، وبالتالي عليها التعامل معها عاجلاً أم آجلاً..
إنها بذور حياة، لأنها وجدتها تحاصرها بالألم والبؤس والمعاناة والحرب وانعدام الأخلاق والمبادئ والقيم، قرّرت الاستمرار في الكتابة بأنواعها، ولأنها شعرت بأنها تمكّنها من تنظيم هذه الفوضى، الأمر الذي دفعها لتأكيد عدم توقفها عن الكتابة، بل وللإعلان بأنها: “إن لم أكتب، أجعل الجميع يشعرون بالجنون”.
