التطورات الراهنة في أوكرانيا، تشير حتى الآن إلى أن أميركا وحلفاءها الغربيين اتخذوا قرار الحرب، والعالم ينتظر نتائج التحركات والاتصالات الدبلوماسية الجارية على قدم وساق ليتبين حقيقة النيات الغربية (البدء بالحرب فعلاً، أم الجنوح نحو الحل السياسي والدبلوماسي)، ومن خلال الأحداث العسكرية والسياسية المتسارعة، يبدو واضحاً أن السياسة العقلانية لروسيا هي من تمنع نشوب الحرب حتى الساعة، لأن مخاطر هذه الحرب ستهدد الأمن العالمي برمته.
ثمة الكثير من الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة ودول الناتو لتحقيقها من وراء سعيها المحموم لإشعال فتيل الحرب، ولكن ربما يتمثل الهدف الأبرز في القضاء على الدور الروسي المتوازن في العالم، فالغرب تألم كثيراً من المساعي الروسية الحثيثة لتصحيح مسار العلاقات الدولية على أساس العدالة والاحترام المتبادل بين الدول، والدور الريادي الذي تضطلع فيه روسيا وإلى جانبها الحلفاء والأصدقاء، يقطع الطريق أمام أميركا لتثبيت سياسة الهيمنة الأحادية، وكذلك فإن القوة الروسية المتصاعدة هي عامل ردع لضمان الأمن العالمي، الأمر الذي يتنافى بالمطلق مع ماهية الأطماع الأميركية والغربية التوسعية.
أميركا بسياساتها المتغطرسة، جعلت العالم يعيش في غابة لا مكان فيها للقانون الدولي، وهي تريد تعويم شريعة الغاب لإحكام السيطرة على العالم، وشركاؤها الأوروبيون ينتفعون إلى حد ما، من هذه السياسة، بسبب ضعفهم، وعجزهم عن الخروج من دائرة التبعية، وهذا الخلل الواضح في نظام العلاقات الدولية، تتصدى روسيا اليوم لرأب تصدعه، وإعادة التوازن إليه، وهذا لا يصب في مصلحة الغرب، والدفع الأميركي نحو إشعال الحرب في أوكرانيا بأي ثمن كان، ترى فيه واشنطن سبيلاً لإزاحة روسيا عن دورها القيادي في منظومة العلاقات الدولية، وبالتالي إقصاؤها عن حلبة المنافسة على مراكز النفوذ في الساحة الدولية.
اللهاث الأميركي والأوروبي لإشعال الحرب في أوكرانيا، يدل بوضوح على أن الولايات المتحدة تدفع بكلّ ثقلها نحو تكريس حالة الفوضى العالمية، كمخرج لأزماتها الداخلية والخارجية الناشئة بفعل فشلها المتراكم على أكثر من جبهة دولية، وباعتبار أن روسيا تعتبر إلى جانب القوى المحبة للسلام إحدى الركائز المهمة للاستقرار العالمي، فالمطلوب غربياً الإجهاز على هذه الركيزة، لأن واشنطن ما زالت تفكر بعقلية الحرب الباردة، ولن ترضى لأي قوى دولية أخرى أن تعمل على تغيير قواعد الهيمنة والتسلط التي تحكم النظام الدولي الحالي، فهذا يتعارض مع أجنداتها الاستعمارية، وبحال إصرارها وحلفائها على شن الحرب، فهي سرعان ما ستصطدم بجدار توازنات القوة التي باتت تفرضها روسيا ومعها الدول الصاعدة على المسرح العالمي، وعندها لن يكون لها مكان في النظام العالمي الجديد الذي يتولد ويتسارع نموه اليوم.
نبض الحدث- ناصر منذر