الثورة – فؤاد مسعد:
يعيش الإنتاج الدرامي في سورية العديد من التحديات التي تهدد انتعاشه الحقيقي ليعيش حالة مستمرة من الألق تكون هي سمته العامة، والتي إن خرج من بين ثناياها ما هو ضعيف يبقى ضمن إطار الاستثناء وليس العكس، هذه التحديات لا بد من التعاطي معها بجدية ومسؤولية ابتداء من المفهوم الإنتاجي للعملية الإبداعية وانتقاء النص المتميز وانتهاء بعرض العمل وتلقي صداه وأثره عند الجمهور. ولكن كيف يمكن أن يعود العمل المُنتَج داخل سورية إلى الصدارة بجدارة ليكون منافساً شرساً على وسائل العرض المختلفة؟..
لعل واحدة من الحلول التي يمكن تقديمها ضمن هذا الإطار استحداث هيئة خاصة بالعمل الفني والدرامي تشابه في آلية عملها عمل هيئة المواصفات والمقاييس السورية، تضع معايير الحد الأدنى من الجودة وتمنح العمل الذي يحقق الشروط شهادة علامة الجودة (الأيزو الدرامي)، وتقدم أي عمل لنيل علامة الجودة يشتَرط بشكل تلقائي وضع محددات تتعلق بالبعد عن الارتجال والاستخفاف بالعملية الفنية، والتعاطي مع مفردات الواقع بعيداً عن السطحية والتغريب والسعي إلى تحقيق المصداقية وجرأة الطرح، وتُعتبر هذه الشهادة بمثابة جواز سفر بالنسبة إليه، بحيث تضمن حصوله على امتيازات لا تنالها الأعمال الأخرى، كأن يقوم التلفزيون السوري بشراء العمل كاملاً بضعف الثمن الذي يشتري فيه أي عمل آخر ما يحقق للمنتج ربحية يمكن أن تغنيه عن الرضوخ لمطالب المحطات ويدرك أن العمل الذي يحوي مضموناً جيداً وفكراً هاماً ويعالج قضايا تهم الناس ويكون قريباً منهم ويتمتع بلغة بصرية راقية إن لم يجد له سوقاً خارجية فيمكن أن يحقق ربحه داخل البلد، وبهذه الطريقة لم يعد بحاجة إلى تقديم تنازلات تطول أفكاراً ومفاهيم هامة تُمرر إلى الجمهور بحجة أن المحطات فرضت ذلك. ومن بين ميزات العمل الذي يحصل على الأيزو الدرامي أن يتم التسويق والترويج له بكفاءة عالية وتُقدم له التسهيلات اللازمة كلها، ولدى إنجاز عملية التسويق والبيع أن يكون في مقدمة الأعمال التي يتم السعي إلى تسويقها، وبالطبع ذلك كله لن يحدث إلا بتضافر العديد من الجهود المعنية بالأمر إن كان في القطاعين العام أو الخاص.
ولتحقيق الهدف من اقتراح إنشاء هيئة خاصة بالعمل الفني والدرامي لا بد من قرارات تساير عملية إنشائها ووضع الأطر القانونية لها وتحديد مهامها الحقيقية، إضافة إلى رفدها بكفاءات عالية ونزيهة بعيدة عن الفساد والوساطات والإملاءات تكون متخصصة بكل ما يمت للعملية الإبداعية بصلة بعيداً عن الاستعراض، فالهدف هنا أبقى وأسمى، ومن شأن ذلك كله إضفاء صفة الجدية على شهادة (الأيزو الدرامي) التي يمكن أن تتحول بحد ذاتها إلى هدف للمنتجين وفق ما تتمتع به من امتيازات، ومن الأهمية بمكان أن يكون لهذه الشهادات قيمتها الحقيقية وألا يحصل عليها صناع العمل إلا إن حققوا الشروط، وبالتالي من الضروري أن يكون عددها محدداً، بمعنى أن نسبة معينة من العدد الإجمالي للأعمال المُنتجة داخل سورية يمكن أن يُمنح هذه الشهادة التي لن تكون متوفرة بكثرة لكل من يطرق الباب، وليكن المثل القائل (البضاعة الجيدة تطرد البضاعة الرديئة) هو بيت القصيد، لأنه عندما تعجز عن طردها فالأجدى التفتيش عن السبب الكامن وراء ذلك لتعالجه، فهكذا هي طبيعة الأشياء وإن كانت بضاعة جيدة بحق وبكل أركانها فلا بد لها من طرد الرديء والسيئ مهما امتلك من عناصر الجذب الرخيصة.