الثورة- حسين صقر:
لاتقتصر عمليات الإنتاج على الصناعة والزراعة والمال والأعمال، بل تتعدى ذلك لخلق أجيال جديدة من الشباب والمتعلمين عبر إنتاج التركيز.
هذا النوع من الإنتاج يحتاج أيضاً لبيئة صالحة، تماماً كما البيئة التي تحتاجها الشجرة، ومناخ صحي كما المناخ الذي تحتاجه تلك، وغذاء فكري خاص، كما الأسمدة والمواد العضوية والماء.
وإنتاج التركيز لدى الطالب في المدرسة يعتمد على مجموعة من الوسائل والآليات الخاصة التي تخلق منه عبقرياً من خلال عدة مراحل يمر بها، أي إن هذا النوع من الإنتاج لن يتم بين ليلة وضحاها، إنما يحتاج لصبر وجهد وأناة، وسبل مناسبة كي يتحقق.
ففي بعض البلاد المتقدمة علمياً وتقنياً تقوم المدرسة بوضع مايسمى طوق الاستشعار الالكتروني على رأس التلميذ، وهذا الطوق يتحسس مايحدث في الدماغ، ويعطي إشارات مباشرة عن مدى تركيز هذا التلميذ أو ذاك، وهذا الطوق أيضاً مرتبط لاسلكياً عبر الشبكة إلى جهاز المحمول عند المدرس، والذي بدوره يتابع الطلاب واحداً تلو الآخر من خلال رمز لكل منهم، ويعتمد على الإشارات التي يرسلها الطوق الالكتروني، وعلى سبيل المثال فمن كان طوقه يعطي ضوء أحمر يعني أنه في أعلى درجات التركيز، ومن كان لونه غير ذلك فشدة تركيزه أقل وهكذا إلى أدنى درجات التركيز.
الطالب هنا مضطر لأن يحافظ على الضوء الأحمر الصادر عن الطوق، ولايسمح لنفسه بالشرود أو الخروج عن الدرس، لأن تنبيهاً أو توبيخاً من المدرس او من الأهل بانتظاره، ولهذا يحافظ على شدة التركيز واللون الأحمر معاً، وبذلك يبقى طيلة فترة الدرس مع المدرس، ولاينشغل بأي شيء غير الحصة الدرسية والمحتوى الذي يمليه عليه ذلك المدرس.
هذه العملية بالتأكيد تعطي نتائج إيجابية وتردم الفجوة التي تحدث بين الطلاب عادة، اي بين طالب يركز على ما يُملى عليه، وطالب منشغل بقصص وقضايا أخرى بعيدة تماماً عن الدرس.
بعض من رفضوا تلك الفكرة زعموا أن تلك العملية اختراق للخصوصية، ولكن برد بسيط عليهم أنه لاخصوصية لأحد داخل الحصة الدرسية، والخصوصيات تبدأ وتنتهي بقرع الجرس أو المنبه الذي يأذن بانتهاء وبدء الدرس.
دور المدرس والشاشة التي تكون أمامه ليس اختراق الخصوصية ولكن متابعة النشاط الدماغي وما هي الإشارات التي يرسلها الطوق، وفيما إذا كانت لها علاقة بما يقول أم لا، وعليه يستطيع المدرس توجيه اهتمامه إلى الطلاب الأقل تركيزاً أو تغيير أسلوبه بما يتناسب مع قدرة البعض منهم على الفهم.
بهذه العملية كأن يقوم المدرس بفتح عقل كل طالب ومعرفة مايجري فيه، فمن كان خاملاً يعاد توجيهه، ومن كان نشيطاً يرسخ له معلوماته وذلك بما يضمن الخروج بنتائج إيجابية ترضي الطالب والمدرس والمدرسة والأهل، لأنهم جميعاً أطراف بتلك العملية.
إذاً نظام المراقبة هذا يعطي أهالي الطلاب تقريراً مفصلاً عن إمكاناتهم وقدراتهم، وبذات الوقت يجنب الطالب الإحراج أمام زملائه وأهله، وهو ليس خلطة سحرية ولا دروس خصوصية، بل نظام تعليمي خاص مثله مثل أي نظام نستخدمه لعمليات الإنتاج المختلفة الصناعية والزراعية والمالية والتجارية.
فالنجاح كما يقولون: يبدأ من الرأس، وذلك عبر محاولة التأثير على العقل وجعله أكثر تركيزاً من خلال أن تعِدَ نفسك بنفسك بأنك ستعمل بتركيز. ولا بأس من مكافأة نفسك في حال أنجزت عملا صعباً خلال وقت قياسي مثلاً، وذلك بعد وضع بعض القواعد الأساسية أي أن تدع الأسرة والأقارب والأصدقاء بصفة خاصة يعرفون مدى أهمية المذاكرة لك أو العمل، وكيف أن ساعات المذاكرة مقدسة، أو لا يمكن لأحد اختراق ذلك الوقت أو تلك المساحة حتى لا يتشتت تركيزك.
فالأجهزة أيضاً والأطواق الالكترونية والتقليدية ليست كفيلة بإعطاء نتائج جيدة، إلا إذا اتخذ الطالب القرار بذلك وبرمج وقته وإمكاناته بما يتناسب مع وضعه الدراسي، وهو ما يخلق توازناُ جيداً بين العمل والحياة.