وزير الخارجية في حوار مع طلبة جامعة دمشق: نقف مع روسيا في مواجهة التوحش الغربي ونملك مع الحلفاء رؤية موحدة لعالم متعدد الأقطاب.. نأمل أن يكون تأثير الأزمة الأوكرانية على سورية بإطار تسريع الحلول الدولية وإخراج الاحتلالين التركي والأميركي
الثورة – متابعة عزة شتيوي:
أكد وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد أن واشنطن ومن معها من الغرب لا يريدون لسورية أن تكون قوية في وجه العدو الإسرائيلي بل يحاولون فرض شروط سياسية وعسكرية تستهدف القرار السياسي، والاستقلال، والجيش العربي السوري إرضاء لإسرائيل، لكن الغرب فشل وأصبح متغولاً ومتوحشاً أكثر، والأزمة في أوكرانيا تعكس الصورة الحقيقية لواشنطن وبروكسل ومخططاتهم التي تجعل من الدول مطية لإنقاذ أحادية أميركا القطبية.
وقال الدكتور المقداد خلال لقاء حواري مفتوح مع طلبة جامعة دمشق نظمه المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة سورية على مدرج جامعة دمشق اليوم تحت عنوان (من البوابة الأوكرانية.. تصحيح التاريخ وإعادة التوازن الدولي) بأن الحصار الذي تتعرض له سورية لم يحدث في تاريخ هذا العالم، وأن الغرب المتوحش يحاول نزع حتى اللقمة من فم الطفل السوري وأطفال الكثير من الدول ووضعها في فمه من خلال العقوبات، وأن واشنطن والاتحاد الأوروبي يتدخلان ويسيسان كل المنظمات والمؤسسات الدولية والأممية لدرجة أن قرار عودة سورية للجامعة العربية لا يملكه العرب بل هو بيد الغرب الذي يعارض عودة الصف العربي ويحارب العروبة والتضامن العربي.
وأكد الدكتور المقداد في لقائه الطلبة من مختلف الكليات والجامعات في دمشق على أن الحوار والنقاش الذي يدور في المنابر الأكاديمية يحمل دائماً الفائدة لكل المنخرطين فيه، بل ويخرج بنتائج وتوصيات واستخلاصات تدعم العمل والخطط الحكومية، وتحظى باهتمام صانع القرار في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
* ما يجري في أوكرانيا تصحيح لمسار التاريخ..
واستهل الدكتور المقداد عرضه السياسي أمام الطلبة بالموقف السوري من الأزمة الأوكرانية والذي كان واضحاً من خلال ما قاله سيادة الرئيس بشار الأسد للرئيس فلاديمير بوتين خلال اتصالهما الهاتفي يوم الجمعة الفائت، بأن ما يحصل اليوم هو تصحيحٌ للتاريخ وإعادةٌ للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وبأن الهستيريا الغربية تأتي من أجل إبقاء التاريخ في المكان الخاطئ لصالح الفوضى، وروسيا اليوم لا تدافع عن نفسها فقط وإنما عن العالم وعن مبادئ العدل والإنسانية”..
وشدد الدكتور المقداد على أن في معرفة التاريخ تكمن معرفة الحقيقة ومعرفة الأبعاد الحقيقية لكل أزمة، والخفية منها تحديداً، وهو ما يوضح بدوره الفارق الأخلاقي والقانوني والسياسي الشاسع بين الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والشرق ممثلاً بقوى بارزة في مقدمتها روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية.
ونوَّه الدكتور المقداد إلى أن سورية من أكثر الدول التي خبرت الغرب وخبرت نفاقه، فهو لا يجد غضاضةً في الجمع بين شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبين ممارسات الاحتلال والعدوان ودعم الاحتلال والتهديد باستخدام القوة والتوسع، وتسخير الإرهاب والسلاح والحصار الاقتصادي، وفرض النفوذ السياسي على أراضي بعض الدول وعلى حكوماتها، من أجل نشر الفوضى وتهديد السلم والأمن في أي مكان، وتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية له.
* التعددية القطبية هي مستقبل العالم..
وقال وزير الخارجية والمغتربين في مداخلته أن لحظة تفكك الاتحاد السوفياتي هي نقطة البداية لفهم تسلسل الأحداث الذي أدى إلى ما نشهده اليوم من تبني الحكومات الأوكرانية المتعاقبة سياسات سلبية وخطيرة تجاه الجار التاريخي روسيا، كانت قائمةً على إنكار كل ما يوحد الشعبين في أوكرانيا وروسيا، ولم يكن الغرب في منأى أو بريئاً مما يجري، بل لعب منذ البداية دور المحرض الذي أغرى القوميات المتطرفة في أوكرانيا بوعود الانضمام للاتحاد الأوروبي والحصول على المساعدات والحماية العسكرية، مقابل رفع مستوى العداء والتهديد ضد روسيا الاتحادية.
* الطاقة والثروات محرك لغرائز الغرب..
وتابع الدكتور المقداد قائلاً: من يقرأ التاريخ والجغرافية المشتركة بين روسيا وأوكرانيا بحيادٍ ونزاهة، سيصل إلى قناعةٍ مطلقة بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يتخليا في يومٍ من الأيام عن السياسة العدوانية والتوسعية تجاه روسيا والصين، وكل الدول التي لا تخضع للهيمنة الغربية، بل كانا يعملان منذ تفكك الاتحاد السوفياتي وإلى اليوم على استهداف عوامل الأمن والاستقرار في أوراسيا، وعلى طمس اعتبارات الجغرافية السياسية، وتجاهل الخلفيات القومية في تلك المنطقة الهامة من العالم والغنية بثرواتها الطبيعية ومصادر الطاقة والفحم، والتي كانت وستبقى المحرك الأساسي لغرائز الغرب ووحشيته في كل مكان، هذا إلى جانب الهدف الرئيسي المتمثل في حصار وإضعاف كل دولة مستقلة وقوية لا تخضع للهيمنة الأمريكية على العالم، لكن روسيا ستكون الأقوى والتعددية القطبية هي مستقبل العالم.
* الإعلام الغربي يصب الزيت على النار..
وشدَّد الدكتور المقداد على أن الغرب يسعى ولأهداف واضحة إلى استغلال الآلة الإعلامية المُوجَّهة، من أجل الترويج لروايةٍ وتبسيطٍ ساذجين حول عوامل الأزمة الحالية، وذلك من خلال تقزيم الصورة الحقيقية والأوسع لأسباب الأزمة الحالية في أوكرانيا وقبلها في سورية، وهذه الآلة الإعلامية الغربية باتت بكل أسف مجرد بوقٍ تحريضي يصب الزيت على النار، وهي تزعم كاذبةً اليوم بأن لروسيا أطماعاً متجذرة في الأرض الأوكرانية، وأن موسكو تريد احتكار “حقٍ مزعوم” لكييف في الالتحاق بالديمقراطية الغربية والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، بل وتتهم روسيا بكل وقاحة بأنها هي من تتمدد في المنطقة لتصل إلى حدود الاتحاد الأوروبي.
وأكد الدكتور المقداد على أن هناك في واشنطن وبروكسل من يريد من موسكو اليوم، ومن بكين غداً، أن تتخلى عن رؤيتها نحو عالمٍ متعدد الأقطاب، وأن تستسلم لحقيقة وجود قطبٍ واحد في واشنطن يحرك العالم كما يشاء، ويستخدم الاتحاد الأوروبي كأداةٍ في ترسيخ هذه القطبية الأحادية.
* أوكرانيا هي الخاسر الأكبر من سياسات واشنطن..
وقال الدكتور المقداد بأن الولايات المتحدة تحديداً لم تملك في يومٍ من الأيام إرادةً حقيقية ولا نيات حسنة ولا حرصاً عملياً على إنجاح التواصل الدبلوماسي مع موسكو، وعلى تغليب الحلول السلمية، وأوكرانيا هي الخاسر الأكبر، لأن النظام السياسي فيها اختار أن يحوِّل البلاد إلى ساحة صراع ورأس حربة ضد روسيا، مقابل سراب المستقبل الأوروبي والدعم الأطلسي، الذي لم يفعل شيئاً لأوكرانيا اليوم سوى تزويدها بالمزيد من الأسلحة من أجل إطالة أمد الحرب والدمار، وتعميق الخلاف بين الطرفين.
وحول الموقف الروسي، أوضح الدكتور المقداد أن الأصدقاء في موسكو مارسوا منذ اللحظات الأولى سياسةً منفتحة وبنَّاءة، بل وضبطوا النفس طويلاً في مواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية التي ارتفعت وتيرتها كثيراً خلال العام الماضي، ولكن، وفي نفس الوقت، كان الأصدقاء والحلفاء في موسكو حازمين وواضحين في رسائلهم إلى الغرب، حيث أكدت القيادة الروسية أن ما يفعله الناتو في شرقي أوروبا يخرق الاتفاقات والتفاهمات السابقة، ويضرب مبدأ حسن الجوار في الصميم، ويرقى إلى مستوى العدوان، ويهدد أمن روسيا وحلفائها، خاصة أن الإدارة الأمريكية السابقة انسحبت من العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وتتجاهل العودة إلى التزاماتها السابقة في مجالات الحد من التسلح النووي، ومن الصواريخ البالستية بعيدة المدى، وفي المقابل، تريد واشنطن نصب صواريخ الناتو في بولونيا وأوكرانيا وعلى حدود روسيا، ثم تتهم موسكو بكل وقاحة باستهداف السلم والأمن والاستقرار!.
وحول تداعيات الأزمة الأوكرانية على سورية قال الدكتور المقداد: إن سورية، وكما قال السيد الرئيس بشار الأسد، تقف مع روسيا الاتحادية انطلاقاً من قناعتها بصوابية موقفها، ولأنّ مواجهة توسع الناتو هو حقٌ لروسيا، باعتباره أصبح خطراً شاملاً على العالم، وتحوَّل إلى أداةٍ لتحقيق السياسات غير المسؤولة للدول الغربية لضرب الاستقرار في العالم.
وشدد المقداد على أنه وبعد أكثر من عشر سنواتٍ من الحرب الإرهابية التي شُنَّت على سورية، لم يعد بمقدور أي طرف أن يعتبر الحياد أو الوقوف في الوسط خياراً، فنحن اخترنا طلب الدعم والمساعدة من الأصدقاء الروس في التصدي للإرهاب وداعميه، واخترنا تعزيز العلاقات والتحالف السياسي والاقتصادي والعسكري مع الأصدقاء في موسكو، لأننا نتشاطر في النهاية المبادئ الإنسانية والسياسية العليا ذاتها، ونملك رؤيةً مشتركة نحو عالمٍ متعدد الأقطاب، ونحو علاقاتٍ دولية قائمة على احترام مبادئ السيادة والاستقلال وحق جميع شعوب العالم في الرفاه والأمن.
وتابع وزير الخارجية والمغتربين بالقول: لاتزال سورية تشهد تدخلاً عسكرياً عدوانياً مما يسمى التحالف الدولي غير الشرعي الذي تقوده قوات الاحتلال الأمريكي، ولاتزال سورية تشهد عدواناً واحتلالاً تركياً لجزءٍ من أرضنا ورعايةً للإرهاب في إدلب ومحيطها وفي شمالي البلاد، ولا تزال سورية تتعرض لحملةٍ عدوانية شرسة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تتمثل في أقسى حصار اقتصادي يمكن أن يتعرض له شعبٌ من شعوب العالم، وفي تهديد وابتزاز كل طرفٍ خارجي يفكر أو يخطط لمساعدتنا على إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات الأساسية ومحطات الكهرباء والطرق، هذا إلى جانب سرقة مواردنا الطبيعية وقمحنا وقطننا ومياهنا، وعرقلة تحقيق الاستقرار والتسوية النهائية، ومنع السوريين من العودة إلى بيوتهم وحياتهم الطبيعية، وحماية وتمويل وتسليح الإرهاب في الشمال الغربي والجماعات الانفصالية المسلحة غير الشرعية في الشمال الشرقي، التي تسرق النفط والغاز والقمح، وتفتح مراكز اعتقالٍ لإرهابيي داعش وأطفالهم تحت رعاية الاحتلال الأمريكي، من أجل استخدام هذا السلاح البشري الخطير في يومٍ من الأيام وفي أي مكانٍ في العالم لتهديد السلم والأمن، وتحقيق أجندات توسعية وهمجية خطيرة تسعى لترسيخ القطبية الأحادية بكل وحشية.
وأكد الدكتور المقداد على أن هذا الجيل من السوريين والأجيال السابقة واللاحقة لن تنسى من وقف معها ومن وقف ضدها. والقيادة السورية كانت على الدوام تعكس نبض الشارع السوري العربي، وهي لم تتخلَّ في يومٍ من الأيام عن مواقفها ومبادئها، ولم تمارس الحياد السلبي في يوم من الأيام، وستبقى تبني علاقاتها الاستراتيجية على أسس احترام السيادة الوطنية، وحق جميع شعوب العالم في الاستقلال وتقرير المصير والأمن والرفاه دون تمييز ولا انتقائية.
وفي سؤال لصحيفة الثورة حول تأثير الأزمة الأوكرانية على سير العملية السياسية حول سورية قال المقداد: نأمل أن لا يكون هناك تأثير، أو أن لا يكون هذا التأثير كبيراً إلا في إطار إيجابي ينطلق من تسريع الحلول الدولية، وإنهاء الغزو الأميركي والغزو التركي لسورية ومكافحة الإرهاب، ونحن في سورية متفائلون بحجم صمودنا ووقوف الحلفاء في موسكو والمقاومة وإيران إلى جانبنا، ونسعى لتخفيف الآثار والتداعيات العالمية للازمة الأوكرانية على حياة المواطن السوري.
حضر اللقاء رئيس جامعة دمشق ورئيسة وأعضاء مكتب الاتحاد الوطني لطلبة سورية وقيادة فرع دمشق لاتحاد الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية وأساتذة الجامعة في دمشق ولفيف من الطلبة والإعلاميين والباحثين في المجال السياسي والعلمي.
حضر اللقاء وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور بسام إبراهيم، ورئيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية دارين سليمان، ورئيس جامعة دمشق الدكتور محمد أسامة الجبان، ونوابه، وأمين فرع جامعة دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي الدكتور خالد الحلبوني، وأعضاء قيادة الفرع وأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة سورية، وعمداء الكليات، وأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة، وحشد كبير من الطلبة.