بقلم الدكتور مازن سليم خضور:
نظرية الثواب والعقاب في علم التربية هي من أكثر النظريات تعقيداً في علم النفس التربوي وتعتمد على تربية الطفل من خلال مبدأ بسيط وهو أن نعلّم الطفل السلوك والأنظمة والقواعد والقوانين وبأنه سيتلقى الثواب أي المكافأة عند إنجازه بالطرق الصحيحة وقد يكون الثواب ماديا أو معنويا وفي حال خالف هذه القوانين والأنظمة فإنه معرض إلى العقاب الذي يكون أيضاً إما ماديا أو معنويا وطبعاً في التربية هذا العقاب تقويمي وليس ترهيبي أي بدافع تقويم التصرفات الخاطئة مع العلم أن المبالغة بالعقاب سيكون له نتائج سيئة للطفل وقد ترافقه في مراحل عمرية متقدمة وحتى الثواب من المفروض ألا يتم المبالغة فيه لأن له نتائج عكسية أيضا.
يعرف العقاب على أنه “تقديم مثير مؤلم بسبب ظهور سلوك غير مرغوب فيه مما يؤدي إلى تقليل احتمال حدوث السلوك في المستقبل في المواقف المماثلة”.
لكن هذا التعريف العلمي لا يتقاطع بشكل مباشر مع المفاهيم المشابهة لمبدأ العقوبات في التعاطي الدولي خاصة أن “السياسة” لا تعرف الثابت في معظم مستوياتها وتقوم في طبيعة الحال على المتغير في بنيتها الأساسية.
وبالتالي العقاب يقلل من فرصة حدوث هذا السلوك مرة ثانية في المستقبل، بينما تستخدم التعزيزات الإيجابية والسلبية لزيادة السلوكيات، فإن العقوبة تركز على التقليل أو القضاء على السلوكيات غير المرغوب فيها هذا ينطبق على الأفراد والمؤسسات.
هذا يقودنا إلى ما نود الإشارة إليه في هذا المقال ان العقاب يكون مدروسا سواء من حيث الإيجابيات والسلبيات المحتملة وخاصة عندما يطبق على مؤسسات ودول (أي العقوبات الدولية).
“العقوبات الدولية هي أداة تستخدمها البلدان أو المنظمات الدولية لإقناع حكومة معينة أو مجموعة من الحكومات بتغيير سياستها عن طريق تقييد التجارة أو الاستثمار أو أي نشاط تجاري آخر”
بدأت هذه العقوبات منذ العام 1920 أي منذ إنشاء عصبة الأمم وفرضت العقوبات ضد اليابان لاحتلالها منشوريا في عام 1931 ، و العقوبات الدولية لا تقتصر على مجلس الأمن الدولي فقط بل تفرضها منظمات دولية أخرى كالاتحاد الأوروبي أو جامعة الدول العربية بالإضافة لعقوبات الدول بين بعضها البعض.
توجد عدة أسباب للعقوبات الدولية منها إجبار الدولة المُستهدفة على الخضوع للقانون الدولي واحتواء أي تهديد للأمن والسلام الدوليين، ومنع إجراءات اتخذتها الدولة المُستهدفة.
وللعقوبات الدولية عدة أشكال منها العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والرياضية وغيرها.
منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن من المفترض أن تقييم ذلك عندما يطبق على الدول والتأثيرات لهذه العقوبات وألا تستخدم هذه المؤسسات كأدوات ضغط وترهيب من قبل الدول المتحكمة في سبيل فرض سياساتها وقراراتها وهذا ما نشاهده من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية المتحكمة بهذه المؤسسات هذه الدول التي فرضت العديد من العقوبات بحق الشعوب وكان لها تأثير كبير على حياة هذه الشعوب وما ليبيا وكوبا والعراق وسورية وإيران أكبر دليل على ذلك حيث كان لها الآثار الضارة على أفراد تلك الدول وساهمت في التأثير على لقمة عيش المواطنين في تلك الدول .
هذه العقوبات لازالت تطبق وليس آخراً بحق روسيا الاتحادية التي طبقت عليها مجموعة من العقوبات التي لا يمكن وصفها غير بالعقوبات الغريبة وهنا لا نتحدث عن العقوبات الاقتصادية والمالية والعسكرية أو المنع السفر ومنع الطيران وغيرها بل تخطت إلى غير ذلك ومنها:
• الجمعية الدولية لمحبي القطط تفرض عقوبات على سلالات القطط الروسية.
• جامعة بيكوكا في ميلانو تقرر إلغاء أدب دوستويفسكي من مناهجها الدراسية.
• إزالة تمثال لبوتين من متحف فرنسي وسحب الحزام الأسود.
• مطعم كندي يلغي من قائمة طعامه وجبة شهيرة يطلق عليها اسم بوتين (Poutine)، وهو الاسم القريب من اسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
• ثلاث استوديوهات رئيسية، هي سوني وديزني ووارنر براذرز، توقف عرض الأفلام الجديدة في روسيا.
• عملاء نتفلكس في روسيا لم يتمكنوا من دفع اشتراكاتهم ببطاقات الائتمان الصادرة عن بعض البنوك المحلية.
حتى في المجال الرياضي التي من أهم قواعده فصل السياسة عن الرياضة لم يتم ذلك فمن العقوبات المطبقة على روسيا الاتحادية:
• نقل نهائي دوري أبطال أوروبا الجاري من سان بطرسبرغ إلى باريس.
• الاتحاد الدولي للعبة الجودو يسحب الرئاسة الشرفية التي منحها الرئيسَ الروسي في وقت سابق.
• الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) منع مشاركة المنتخب الروسي ضمن تصفيات الملحق الأوروبي للتأهل لمونديال قطر 2022.
كما قرر الاتحاد الأوربي منع قناتي “آر تي” و”سبوتنيك” الروسيتين الحكوميتين من البث على أراضيه، مهما كانت وسيلة البث وهذا سيتم التطرق إليه في مقال آخر عن حرية الاعلام الغربي المزعوم!
وحتى ضمن وسائل التواصل الاجتماعي لم تسلم تلك القنوات من تلك العقوبات حيث قررت شبكة فيسبوك التابعة لميتا وشبكة يوتيوب التابعة لغوغل حرمان القناتين من نشر محتويات في أوربا، وفي ذات السياق أعلنت غوغل أن وسائل الإعلام الممولة من الدولة الروسية لن تكون قادرة على استثمار أموال على منصاتها؟
العقوبات الدولية بمختلف أشكالها المتنوعة وجدت لحفظ حقوق الأطراف الأضعف وتحقيق العدالة لكن المشكلة الحقيقة تكمن في التطبيق الفعلي لهذه العقوبات الدولية التي أثبتت التجارب أنها طبقت بشكل مشوه ومسيس وبالتالي المطلوب إعادة النظر بطريقة تطبيقها وإذا استثنينا بعض الأمثلة البسيطة التي استطاعت من خلالها هذه العقوبات أن تعطي نتائج ملموسة فإن خيار العقوبات أثبت انحيازه وبأنه أداة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، والأخطر استعماله خارج مظلة الأمم المتحدة.