إيهاب زكي – كاتب فلسطيني:
منذ “غزوة” منتدى دافوس الشهيرة عام 2009، حين غادر أردوغان المنصة مُغاضباً، بوجود شيمون بيريس، بدأ بالتغلغل في الوعي العربي، باعتباره بطلاً تتوق الجماهير للتمثُل به، ثم كانت سفينة مرمرة، التي زادت الأردوغان التركي ألقاً، وتوالت انتفاخاته أمام الشاشات وغزواته المايكروفونية بالحقوق الفلسطينية والعربية، وكان هذا يتم في إطار استراتيجية إعلامية منظمة، تقدم تلك السلوكيات في قالبٍ من الإبهار.
تم ذلك بالتزامن مع قوةٍ ناعمة على رأسها الدراما التركية، التي غزت كل البيوت العربية، ولا ننسى العلاقات العميقة مع سورية، كما لا ننسى الكلمة الشهيرة للسيد حسن نصر الله حين وصفه بالطيب طيب أردوغان، أيّ أنّ أردوغان استطاع في مكانٍ ما، تجيير الانتصار العربي الكبير في عدوان تموز 2006، إلى صالحه للإفادة من زخمه في الوعي العربي.
لم يكن كل ذلك عبثاً أو بمحض الصدفة، بل كان بناءً سيتم استثماره في أكبر مؤامرةٍ يتعرض لها الوطن العربي منذ سايكس بيكو، حيث كانت تُحضّر له نكبة أكبر من نكبة فلسطين وأشد مضاضة، حيث كانت الغاية تقسيم الوطن العربي وتحويله إلى فتات جغرافيا وبقايا شعوب، شعوبٌ تحترب وثروات تُستنزف وتُنهب، وكل ذلك برعايةٍ تركية، لصالح التسيُد”الإسرائيلي” والديمومةِ المفقودة.
لم تكن تلك الغزوات الأردوغانية ذات تأثيرٍ على العلاقات التركية-“الإسرائيلية”، بل على العكس من ذلك، كلما علا صراخ أردوغان في انتقاد”إسرائيل” زاد حجم التبادل التجاري بينهما، كما قال “نتن ياهو” ذات تصريح: “أردوغان يشتمنا أكثر والميزان التجاري بيننا يرتفع أكثر، لذا نطلب منه زيادة الشتيمة”، ولكن كان ذلك الارتفاع يتم في الظل، بينما الشتائم تجري على كل الشاشات.
وعليه فإنّ العدوان التركي على سورية، كان في صلب تلك العلاقة المشؤومة بين النظام التركي والكيان المؤقت في فلسطين المحتلة، وكانت سورية هي الغاية القصوى لتلك المخططات، فسقوط سورية وتقسيمها، كان يعني بالقطع ضمان الديمومة المئوية لـ”إسرائيل”.
ولكن هزيمة المشروع التقسيمي في سورية، أدّى إلى اختلاف الأدوار وتبديل المواقع، حيث لم يكن يتسق العدوان على سورية حارسة النهج المقاوم، على يدّ شخصٍ تطبيعيٍ ونظام مطبع كتركيا وأردوغان، لذا كانت غزوات أردوغان منذ دافوس، هي الدثار الذي تدثر به أردوغان، لتمرير عدوانيته تجاه سورية في العقل الجمعي للأمة، ولكن حين هُزم المشروع في سورية بانتصارها، عاد أردوغان سيرته الأولى، وذلك لمحاولة النجاة من المقصلة الأمريكية، التي قد تحمّله مسؤولية الهزيمة في سورية، فهذه القاعدة الأمريكية الذهبية، لها المغنم في حال النصر، ولأتباعها وأدواتها المغرم في حال الهزيمة.
عاد أردوغان سيرته الأولى، عسى أن يجد في”تل أبيب” ملاذاً آمناً من العقوبة الأمريكية، فتفاجأ البعض بشكلٍ مفتعل، وتساءلوا كيف لهذا العملاق أن يرضخ للتطبيع، فيما قام آخرون بابتذال التبريرات، وكلاهما يفتعلون الصدمة، حيث أنّ كلاهما يعرف أنّ الأصل هو التطبيع وعضوية الناتو وأولوية قاعدة”إنجرليك”، بينما الاستثناء هو تكبير الفمّ تجاه”إسرائيل”.
وسيظل هذا هو المسار التركي بل سيتصاعد في قابل الأيام، حيث يعتبر أردوغان أنّ الكيان المؤقت هو القشة الأخيرة لاستمرار الرعاية الأمريكية له ولحزبه، ومن لم يدرك ذلك حتى اللحظة، ما عليه سوى انتظار البديهيات.

السابق