الثورة – دمشق:
ضمن إصدارات اتحاد الكتاب العرب الجديد صدر العدد الجديد من مجلة التراث العربي (١٦٣_١٦٤)
حمل جملة من المحاور الغنية في مجالات الأدب والثقافة واللغة والنحو نقف عند بعض العناوين لنضيئ على فحواها:
جاءت الافتتاحية بقلم د. محمد الحوراني بعنوان (التراث ..قيمة متجددة للتاريخيّ الأصيل) أكد من خلالها أن مجلة التراث العربي بأساتذتها المختصين، وقيمتها، ومرجعيتها، هي الومضة الحيّة؛ والنافذة في صميم “تاريخنا التراثيّ الأصيل” بتلك الرؤى المعاصرة؛ والنابضة بمحتواها الفكريّ/ المعرفي المتسع لثقافات الكون؛ وعالم المعرفة المعاصر؛ حيث تلقي الأضواء المكثفة الواعية والحية على تراث أسلافنا الأفذاذ؛ وتعيد سحب الماضي العريق لراهننا المعاصر؛ بروح الجد والاجتهاد ..ولم تقف مجلة “التراث العربي” عند هذا الحد بل تجاوزته إلى صيغ أخرى؛ منها: استنهاض التاريخيّ الموروث؛ بعين الرّاهن المتقدمة من أجيالنا؛ وإلقاء الضوء بدراسات متجددة وموثقة على ذوات تراثية مبدعة…..
محور الأدب والثقافة
وكتب أ.د. فاروق اسليم بحثاً بعنوان ” عجائب أنطاكية في كتب التراث العربي” أكد من خلاله أن أنطاكية درة بلاد الشام ثقافة وحضارة، وعاصمة العواصم، وأم الثغور في صراعنا مع الآخر تاريخياً، وهي شقيقة دمشق، وتوأمها التاريخي والحضاري .نسبت إليها عجائب عمرانية ، دلت عليها شواهدها العمرانية والأخبار التاريخية الموثقة كسور أنطاكية وكنائسها وقصورها وصناعتها المتقنة أبرزها الثياب .
نسب إلى أنطاكية أشخاص ارتبط اسمهم بها، وعرفوا بوسوم اشتهروا بها، من طهرة وبركة، وبطولة فائقة، وحماية مضحكة، وغفلة ومجون.
أما عن عجائب الطبيعة فعرفت أنطاكية في كتب التراث العربي ببيئتها النّزهة فهي حسنة الموضع كريمة البقعة ليس بعد دمشق أنزه منها داخلاً وخارجاً ولكن من جهة أخرى تحدث الكاتب عن رداءة البيئة وعزا ذلك إلى أن التجمعات السكنية قديماً كانت من الأسباب الرئيسية لتلوث البيئة وفساد حواضرها ،وربما كان لقرب أنطاكية من البحر أثر في ذلك لكثرة الرطوبة.
محور اللغة والنحو
وكتب أ.د أحمد محمد قدور بحثاً بعنوان ” المنهج الاجتماعي في درس اللغة عند العرب” أكد من خلاله أن الباحثين والمحدثين العرب ذهبوا في منهج العرب مذاهب شتى، نحا أغلبها إلى ادعاء أنه منهج معياري قائم على المستوى الصوابي الذي ربما أخذوه من الفقهاء والمناطقة، وطبقوه على الكلام العربي بعد اصطفاء مصادر منه بأعيانها، وإهمال ما سواها. كما ذهب غيرهم إلى تلخيص هذا المنهج من معطياته الوصفية، مع أنها بارزة بروزاً لافتاً. على أن القليل منهم ذهب إلى أن في هذا المنهج أنظاراً اجتماعية وردت في تضاعيف أعمالهم العلمية المختلفة. وظهر من خلال البحث أن هناك أزمة في المنهج اللساني تجلت في اقتباس الوصفية وإعلائها وادعاء صوابها، وإلزام علمائنا القدامى بها من غير التفاف إلى الفروق الموضوعية والتاريخية بين علومنا واللسانيات.
كذلك ظهر من خلال مواقف الدارسين المحدثين تصور خاطئ للتراث ولعلوم اللغة نفسها. فالتراث حقيقة يحتل مكانة الصدارة في الدرس العربي، وهو ليس فكر الماضي المنقطع، بل فكر الحاضر المتجدد. فهنالك ضرورة منهجية ومنطقية تفرض الرجوع إليه، وفحص مفاهيمه، وتوظيف مسائله وشرحها وتجديدها.
وكتبت د. فاطمة حسن بلة بحثاً بعنوان ” قضايا لسانية في التراث العربي ..اللسانيات النصية نموذجاً”
قام البحث على استقصاء مفاهيم اللسانيات النصية في نماذج متفرقة لبعض علماء العرب القدامى للتعرف إلى جهودهم ودراساتهم، فتجاوزت اللسانيات النصية حدود الجملة إلى بنية النص انتظاماً واتساقاً وانسجاماً وغيرها، وبحثت عن الظواهر اللغوية والدلالية التي تسهم في تماسك النص بعضه ببعض. تعد مفاهيم اللسانيات النصية الضاربة جذورها في أعماق التراث العربي امتداداً لنظرية لسانية نصية، فقد تجاوز العلماء العرب الجملة إلى البنية الكبرى (النص) وهذا ما عرف في الدرس اللغوي الغربي عند هارتس عام ١٩٥٢ م .
احتوى التراث العربي على مفاهيم لسانية نصية عند علماء البلاغة والنحو والتفسير والأصول، وظهرت مصطلحات نصية كالقصدية والاتساق والانسجام وغيرها من المفاهيم التي استخدمت في اللسانيات النصية المعاصرة، وكل هذا يدل على عمق الفهم والنظرية العلمية الدقيقة.
يعد الاهتمام بالقرآن الكريم وإثبات إعجازه أساساً لاهتمام العلماء العرب بالتماسك النصي الذي ظهر لاحقاً في اللسانيات النصية الغربية.
الفعل الكامن في النص والتراثية يبقى مفتوحاً لدراسته واكتشاف أسراره المدفونة بين صفحات كتب علمائه، على ألا نحمله ما لايستطيع ولا يطيق.