رغم أن أميركا منذ أشهر وقبل بدء العملية العسكرية الدفاعية الروسية في أوكرانيا، مارست القرع على طبول التجييش والتحريض ضد موسكو، وأثارت زوابع التضليل، وأعدت سيناريوهات جر القارة العجوز إلى المصيدة الأميركية ورميها في أتون أزمة اقتصادية خانقة وشح موارد طاقة، وتلهث لإيقاع روسيا في حرب استنزاف عبر تكثيف ضخ الأسلحة لكييف لإبقاء جبهة تهديد الأمن الروسي مشتعلة، إلا أنها لم تدرك أنها ترسم بأقلام الأخطاء القاتلة الخطوط البيانية لمنحدرات إقصائها عن التحكم بمصائر الدول والإيذان ببدء إزاحتها عن التفرد القطبي.
ليست عملية دفاعية عن الأمن الاستراتيجي الروسي وتمزيق لخرائط الهيمنة الأميركية وتعديل لاعوجاج الميزان العالمي المائل فحسب ما يجري الآن في البحر الأسود وتمتد تداعياته إلى اوروبا والعالم أجمع، بل إن جغرافيا سياسية استراتيجية وجغرافيا اقتصادية جديدة باتت حدودها تتضح وتحالفات قوية تُرسم بأقلام المرحلة ستعيد صياغة المفاهيم وترسيخ قوة الحقوق بمعزل عن رغبة واشنطن الشرسة بالبقاء صخرة تكتم أنفاس الدول وتستبيح الشرعية الدولية وتكبل إرادات التحرر من الهيمنة المستبدة.
ما قبل العملية العسكرية في اوكرانيا ليس كما بعدها فالأفخاخ التي ظنت واشنطن أن موسكو انزلقت إليها، وقعت هي وبيادقها الغربيون فيها وسيدفعون تكاليف تبعاتها وارتداداتها سياسياً واقتصادياً، فثمة مخاض جديد لعالم متعدد الأقطاب تلوح بوضوح إشراقاته في الأفق السياسي والاقتصادي والعسكري العالمي تفرضه قوة تحالفات ومتانة روابط وتلازم مسارات ستكسر قيود الغطرسة.
وما نلاحظه اليوم يؤكد انفلات خيوط لعبة الهيمنة من بين أيدي صناع الحروب والفتن ومستثمري الأزمات، وكرة النار التي تتلذذ الإدارة الأميركية بدحرجتها فوق منطقتنا والعالم لتنتشي بتبعاتها وتستثمر بتداعياتها، باتت تحرق تلال قش تماديها و تسلطها وعربدتها.
حدث وتعليق – لميس عودة