الثورة – هفاف ميهوب:
يشير الشاعر والمسرحي الأمريكي ـ الانكليزي “ت. س. إليوت” إلى أن الهدف الذي سعى إليه عندما وضع “ملاحظات نحو تعريف الثقافة”، لم يكن تقديم فلسفة اجتماعية أو سياسية، وإنما المساعدة في تعريف هذه الكلمة التي وجد من الضروري العناية بها، في حال أسيء استخدامها الذي يتوقف، على ثقافة الفئة أو الطبقة اللتين تتوقف ثقافتهما أيضاً، على ثقافة المجتمع بأسره..
إذاً، ثقافة المجتمع هي الأساس، و “عندما تستعمل كلمة الثقاقة للدلالة على كائنات حيّة دنيا، كما هي الحال في عمل البترويولوجي أو الزراعي، فالمعنى يكون واضحاً جداً، لأننا نجد اتفاقاً في الرأي بالنسبة إلى الغايات التي يتمّ أو لايتم الوصول إليها.. أما حين تستعمل لترقية العقل البشري والروح، فإن الاتفاق على ماهية الثقافة يكون أقل، وكلمة ثقافة تكون أقرب إلى الفهم، حين نتكلم عن تثقيف الفرد الذي نرى ثقافته، عبر ثقافة الفئة والمجتمع”.
من هنا، وإن فكرنا بتهذيب سلوك وذوق وأدب فئة ما، نفكر بالفرد الذي يحمل المُثل والوعي لهذه الفئة، وإن فكرنا بالعلم والمعرفة والحكمة والفلسفة، نفكّر بالعالِم والفيلسوف والمثقف…
باختصار: مهما انحدرت الثقافة وتدهورت، تبقى وعلى رأي “إيليوت”: “مايجعل الحياة تستحق أن تحيا”، فهي التي “تجعل الشعوب والأجيال على حق، حين تقول وهي تتأمل آثار مدينة بائدة: “إن هذه المدينة كانت تستحقّ أن توجد”..
لاشك أن ملاحظات “اليوت” لم تكن جديدة فيما قدّمته من تعاريف للثقافة لطالما، جميعنا ندرك بأنها أوّل ما استخدمت في تراثنا العربي، فالعرب هم أوّل من عرف وعرّف الثقافة، وأوّل من استخدم معانيها ودلالات الـتهذيب والتقويم فيها.. مع ذلك وللأسف، لاأعتقد بأن شعوبهم وأجيالهم سوف تقول، وبعد كلّ ماآل إليه ويؤول حال الثقافة من تدهور.. لاأعتقد بأنها ستقول، حتى وإن كانت تقف على أطلال مدينتها لامدينة أخرى: “هذه المدينة كانت تستحق أن توجد”…