ثورة أون لاين:
10 أيار , 2007
دمشق / سانا
القى السيد الرئيس/بشار الاسد/كلمة توجيهية فى الجلسة التى عقدها مجلس الشعب اليوم فى دوره التشريعى التاسع هذا نصها…
السيد رئيس مجلس الشعب
السيدات والسادة أعضاء مجلس الشعب
أيها الاخوات والاخوة
أحييكم أطيب تحية فى افتتاح أعمال الدور التشريعى التاسع لمجلسكم الكريم… وأبارك لكم الثقة الغالية التى منحتكم اياها جماهير الشعب… وأقدر لكم الجهود التى بذلتموها فى التعريف بأفكاركم ومشاريعكم وعهودكم التى قطعتموها على أنفسكم… فى أن تكونوا الصوت الصادق للناس على امتداد بلدنا… الامين على مصالحهم من خلال موقعكم فى مجلس الشعب… هذه المؤسسة التشريعية العريقة التى كانت على مدى التاريخ الحديث لوطننا… مدرسة رائدة فى النضال الوطنى… وحصنا منيعا فى الدفاع عن قضايا الشعب… خاضت من خلاله قياداتنا الوطنية أشرف ملاحم النضال ضد الاحتلال الاجنبى ومشاريع الهيمنة بمختلف أشكالها… ورفضت بكل اصرار محاولات التدخل فى شؤونه الداخلية… وأفشلت سياسات الاحلاف التى رعتها القوى الاستعمارية. وعمل أعضاؤه وقواه السياسية الحية بكل عزيمة على صيانة الاستقلال الوطنى… وتدعيم التلاحم الداخلى فى أقسى المراحل التى شهدتها سورية الحديثة.
أيها السيدات والسادة..
منذ أربع سنوات… وفى افتتاح الدور التشريعى الثامن… تحدثت عن الدور الذى نأمله من مجلس الشعب… وعن المهام الكبيرة التى ننتظرها منه…وأكدت بأننا نتوقع من مجلس الشعب أن يؤدى… بالاضافة الى مهامه التقليدية الاساسية التى تتلخص بسن القوانين… ومراقبة أعمال الاجهزة التنفيذية… وتقويم الاخطاء والمحاسبة عند التقصير… مهام الارتقاء
بمستوى المشاركة فى بناء الوطن وتطويره… وذلك من خلال طرح الافكار الخلاقة والمبدعة… وتقديم الرؤى والمقترحات التى تعبر عن الاتجاهات الاساسية للرأى العام فى مجتمعنا… كأساس لتقييم مدى نجاح المجلس فى أداء دوره على الوجه الاكمل… نظرا لوجود كفاءات وخبرات متميزة بين اعضائه… تمثل مختلف القطاعات الاجتماعية… بالاضافة الى الفعاليات
الاقتصادية والمهنية… والاختصاصات العلمية.
وفى هذا الاطار من الرؤية… نستطيع أن نقول بكل ثقة… وبتقويم موضوعى لما تم انجازه خلال الفترة الماضية… بأن مجلس الشعب نهض بمسؤوليات واسعة ارتبطت بطبيعة المرحلة الماضية… والتحديات الموضوعية والذاتية التى تضمنتها… وبذل اعضاؤه جهودا كبيرة فى دراسة واعداد واقرار عدد واسع من التشريعات الملحة التى تتطلبها عملية التنمية التى نقوم
بها… وتستجيب لايقاع التطور السريع الذى يعيشه بلدنا… كما مارسوا دورهم فى اغناء الخطط التنموية المعروضة أمامهم… وكانت الحوارات البرلمانية مصدر اثراء لتوجهاتنا الاقتصادية والاجتماعية. كما كانت مواقف أعضائه المشرفة… فى تحصين وحدتنا الوطنية… وصيانة قرارنا الوطنى المستقل وحفز ارادة الصمود التى واجهنا بها مختلف التحديات التى
شهدتها منطقتنا فى السنوات الماضية موضع تقدير رفيع.
وعلى الرغم من كل ذلك… فاننا نتطلع الى تحقيق المزيد من الانجازات فى هذا المجال… لكى نقترب أكثر فأكثر من طموحاتنا… لاسيما أن طريق التطوير الطويلة تزداد طولا كلما تسارع ايقاع التقدم فى العالم… ومعها يصبح الطموح أكبر فى كل يوم… وهو ما يحتاج الى المزيد من العمل الجاد والعطاء المتواصل. ونأمل أن يؤدى مجلس الشعب دورا أكثر اتساعا فى
المرحلة القادمة سواء فى مجال تقديم الافكار… أم فى مجال ممارسة الدور الرقابى على المؤسسات التنفيذية… وتعزيز العمل المؤسسى فى أدائنا وثقافتنا الاجتماعية… وكذلك وضع الاليات المناسبة لتجاوز الحالات السلبية فى أداء أجهزة الدولة… ومكافحة مظاهر الخلل والفساد التى يمكن أن تظهر… وردع المتجاوزين على مصالح الشعب… ومحاسبة المقصرين فى تلبية احتياجات المواطنين.
كما يتعين علينا فى المرحلة المقبلة اعطاء الاولوية فى توجهاتنا ومحاور عملنا… للشرائح الاوسع من جماهيرنا التى تشكل العماد الاساسى لمجتمعنا… والسند الرئيسى فى صمودنا… كالعمال والفلاحين وصغار الكسبة… الذين يعتبر تحسين أوضاعهم… والحفاظ على مصالحهم… وتعزيز مكتسباتهم… الاساس الحقيقى للاستقرار الاجتماعى والاقتصادى والسياسى فى بلدنا. ويجب ايلاء شبابنا المفعم بالاندفاع والامل كل الاهتمام… وتوفير البيئة الملائمة لتطوره وانطلاقه. ولابد من متابعة خطانا الثابتة فى مجال تطوير واقع المرأة ورعاية الطفولة فى سبيل نماء مجتمعنا… وضمان توازنه وسلامة مستقبله. وكل ذلك لن يتحقق بالصورة المنشودة… الا من خلال الحرص على توفير التفاعل الايجابى بين مختلف مكونات المجتمع وفى طليعتهم اعضاء مجلس الشعب أنفسهم… وبين القوى السياسية والمنظمات والهيئات المشاركة فى هذا المجلس… وبينهم وبين الحكومة… فى اطار رؤية واضحة لمهامنا الراهنة والمستقبلية.
ولقد حققنا خلال السنوات الماضية مستويات جيدة من النمو الاقتصادى اذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف السياسية الصعبة التى عملنا فى ظلها… مما دفع بالمستوى المعاشى للاخوة المواطنين خطوة الى الامام… أنا أقول خطوة لكى لا يقال بأننا لا نحقق كثيرا… الحقيقة تحقق لكن أقل من الطموحات… حيث توسعت الخدمات الاجتماعية كما ونوعا… لاسيما فى مجال الصحة والتعليم والاسكان… كما واصلنا اهتمامنا الواسع بالقطاع الزراعى… وتوفير المستلزمات الضرورية للانتاج… وتنفيذ مشروعات الرى المحورية… وحققنا أرقاما مرضية فى مجال انتاج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية. كما قمنا بانجاز عدد من الخطوات الخاصة بالاصلاح المالى والنقدى… وتجاوز المعوقات الادارية أمام الاستثمار… وننتظر استكمال أسبابها فى المرحلة القادمة… الامر الذى سيمكننا من تجاوز بعض جوانب القصور فى اقتصادنا الوطنى… وتعزيز درجة الثقة باستقراره… وتحفيز الاستثمار الخاص فى مختلف المجالات.
كما شرعنا فى انجاز خطة طموحة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية واسعة ومتوازنة خلال السنوات القادمة. يتوقف تحقيقها على جملة من العوامل الموضوعية والذاتية. واذا كانت العوامل الموضوعية ترتبط بصورة أساسية بالظروف الدولية والاقليمية القادمة… فان العوامل الذاتية ترتبط بنا وبمدى قدرتنا على تعبئة الموارد المادية والبشرية بالصورة الامثل…
وتجاوز المعوقات المتنوعة التى تعترض طريق الاصلاح الاقتصادى والادارى… لتحقيق مستوى أعلى من النمو من شأنه أن ينعكس بصورة متوازنة وعادلة على الحياة المعاشية للاخوة المواطنين… ويمكننا من تعزيز عوامل قوتنا الذاتية.
ايها السيدات والسادة…
خلال السنوات الاربع الماضية… التى فصلت بين الدورين الثامن والتاسع لمجلس الشعب… تعرضت منطقتنا لاحداث جسيمة… شكلت بمجملها زلزالا سياسيا وفكريا ونفسيا عنيفا… لم يكن من السهل على أحد… على مشارف هذه الاحداث تحديد أبعاده مهما توفر له من نفاذ الرؤية.
وانطلاقا من معرفتنا لسياق الاحداث عبر تاريخ هذه المنطقة… ومن خلال دور سورية الفاعل وأثرها فى هذه الاحداث… كنا قد رسمنا من على هذا المنبر فى الدور الماضى ملامح الوقائع السائدة انذاك وتداعياتها اللاحقة بالقدر الذى سمحت به المعطيات المتوفرة… وبالمدى الذى كانت تفصح عنه بعض السياسات والتصريحات التى تظهر فيها بوضوح معالم غرائز القوة والسيطرة ونزعات الهيمنة التى أخذت ترتسم فى مشاريع ومخططات أصحابها انذاك… وبالقدر الذى كانت توحى به مواقف البعض ممن استكانوا لارادة الاخرين… وافتقدوا معها ارادة الفعل والمواجهة… فى أمتنا العربية والاسلامية بشكل عام. وحذرنا انذاك من الانهيار الذى ينتظر الامة العربية… ومن حجم المخاطر التى تتربص بها فى حال افتقادنا لروح
المسؤولية القومية فى التصدى لنذر هذه المخاطر قبل وقوعها.
كما كنا فى رؤيتنا وتحذيراتنا ننطلق من ادراكنا الموضوعى لاهداف الاخرين ومراميهم البعيدة… ومن استيعابنا لحجم التهديدات المحيقة بنا… بحاضرنا وبمستقبلنا… ومن ملامستنا المباشرة لحالة شعبنا العربى الذى تحولت مخاوفه واحباطاته الى طاقة كبيرة… ترفض المزيد من الذل… وتسعى لافشال أى مشروع للسيطرة… مهما كلفها ذلك من تضحيات.
من هنا… جاء رفضنا لكل الاسس والمبررات التى قدمت بهدف اشاعة الفوضى العمياء فى مجتمعنا العربى وأقطارنا العربية … وصولا الى التفتيت والضياع الكلى.
ومن هنا… كان رفضنا لغزو العراق وما نجم عنه من ماس والام نرى فداحتها كل يوم. ومن هذا المنطلق عملنا بكل امكاناتنا لمواجهة المحاولات الرامية لتصفية معاقل المقاومة… والتصدى لمشاريع التسوية المهينة لشعبنا والمناقضة لمصالحه… وغيرها من المشاريع التى أتت تحت عنوان الشرق الاوسط الجديد أو الكبير وما تتضمنه من اعادة تشكيل منطقتنا بما يلبى
المتطلبات الاسرائيلية.
وكما توقعنا… وكما حدث فى الواقع… كانت سورية… لاجل ذلك… هدفا للضغوطات التى لم تنقطع خلال الفترة الماضية… وذلك فى محاولة لثنيها عن مواقفها… ودفعها للتراجع عن خياراتها الاستراتيجية… وفى حال فشل ذلك… لحصارها وضرب استقرارها من خلال اتخاذ ساحات الصراع المفتوحة حولها… ذريعة من جهة… وأداة من جهة أخرى… للنيل من مكانتها ودورها فى محيطها العربى والاقليمى.
وكانت سياسات الاغراء والوعيد أسلوبا مطروحا باستمرار… عبر رسائل متنوعة… مباشرة أو غير مباشرة.
وبطبيعة الحال لم يكن الاغراء يلبى متطلباتنا الوطنية والقومية… وما كان للوعيد أن يرهبنا للتخلى عن ثوابتنا… على الرغم من كل ما رافق ذلك من حملات اعلامية مزيفة… وتصريحات مسعورة… لتشويه صورتنا… وتزييف مواقفنا.
فى مواجهة ذلك… كان موقفنا ثابتا وسياستنا واضحة… والنتائج كما توقعناها عندما كنا نتحدث بالتفاصيل عما سيؤول اليه الوضع. ففى الشأن العراقى وقفنا ضد الحرب… ورفضنا الاحتلال… وأعلنا ضرورة وضع جدول زمنى لانسحاب قوات الاحتلال… وأكدنا على حق الشعب العراقى فى المقاومة. كل ذلك مع دعم العملية السياسية فى العراق على قاعدة عدم
استبعاد أى مكون من المكونات الوطنية للشعب العراقى. كما عبرنا عن استعدادنا لاداء دورنا فى اقامة الحوار الوطنى العراقى… ليس ارضاء لاحد… بل لايماننا بتحقيق الاستقرار لابناء الشعب العراقى الشقيق أولا… ولتحقيق الاستقرار فى المنطقة ثانيا.
هنا علينا أن نكون واضحين لكى نفهم ما هو جوهر التعاون السورى.
بالمختصر… نحن نعمل من أجل مساعدة الشعب العراقى لتجاوز محنته… وليس من أجل مساعدة قوات الاحتلال للخروج من ورطتها. وكل الاستعراضات السياسية التى نراها الان… بالحقيقة هى تعمل بشكل أساسى لخدمة المحتلين لاسبابهم الداخلية أو لاسبابهم الدولية… ولكن ما نراه حتى الان… ربما القليل أو ربما لا شىء يحصل بشكل جدى من أجل مساعدة الشعب
العراقى… والحقيقة قلنا فى السابق بأن العملية هى عملية سياسية وليست عملية عسكرية. الان كل العالم أيضا يكرر نفس هذا المنطق ولو متأخرين… بعد ذلك يتم ارسال/20/ الف عسكرى الى العراق… أى /20/ الفا أو مئتى الف أو تخفيف القوات… كل هذه الامور من دون عملية سياسية حقيقية من أجل مساعدة الشعب العراقى… لن تؤدى الى نتيجة. وجوهر العملية السياسية كما نراه هو عملية سياسية وطنية عراقية قد تكون من خلال حوار عراقى… قد تكون من خلال مؤتمر عراقى… بدعم اقليمى وبدعم دولى… وليس العكس مؤتمر دولى لخدمة أهداف بعض الدول بدعم اقليمى وبدعم عراقى من أجل تسويق أفكارهم. فموقفنا يجب أن يكون واضحا… ما هى الاسس التى نعمل عليها من أجل العمل لمساعدة الاخوة العراقيين… فاذا لقاء من هنا ولقاء من هناك مع أية جهة دولية لا يمكن أن يكون الا فى هذا الاطار ولا يجوز أن يفسر فى أى اطار اخر.
أما بالنسبة للوضع السياسى فى لبنان… فاننا ندعم أى خيار يحقق التوافق اللبنانى ويمكن لبنان.. الشعب والدولة… من تجاوز الازمة الراهنة. ان الاستقرار فى لبنان هو استقرار لسورية… والسلام فى لبنان هو سلام لسورية… وخاصة بعد الحرب على العراق… والتداعيات الاخيرة فى العراق أصبح السلام فى لبنان هو سلام للمنطقة ولم يعد محصورا فى الاطار
الجغرافى الضيق… وسورية ستظل أمينة فى العمل من أجل مصلحة لبنان بجميع فئاته… ولن تتخلى عن واجبها القومى فى تقديم كل المساعدة للشعب اللبنانى الشقيق… فوشائج القربى وروابط التاريخ المشترك وحقائق الجغرافيا… أكبر من أن تؤثر فيها بعض الاصوات الموتورة… أو بعض السياسات المأجورة… ونؤكد لكل من لم يتعلم من دروس الماضى… وخاب أمله من سير الاحداث فى الحاضر… أن هذه العلاقة بين البلدين… أرسخ وأبقى من أن يتم النيل منها.
وأجد من الضرورى الاشارة هنا الى موضوع المحكمة الدولية المزمع انشاؤها… والتى تعتبر احدى القضايا التى ثار حولها الكثير من الخلافات والاجتهادات والتكهنات فى الاوساط اللبنانية والعربية والدولية… كما برزت بعض التساؤلات فى الاونة الاخيرة حول الموقف السورى… وما يعنينا من كل هذه الضجة… هو ما طرح من تساؤلات أو تكهنات أو تفسيرات تجاه موقف سورية من هذا الموضوع سواء داخل سورية أو خارج سورية.
اننا نعتبر موضوع المحكمة ذات الطابع الدولى موضوعا خاصا بين لبنان والامم المتحدة… ولا نرى أننا معنيون بها بصورة مباشرة. كما نرى أن أى تعاون مطلوب من سورية… ليس تجاه المحكمة… أى تعاون تجاه أى صيغة أو أى بنية أو أية فكرة أخرى بشأن هذه القضايا… أى تعاون مطلوب من سورية فى حال تطلب تنازلا عن السيادة الوطنية… هو أمر مرفوض بالنسبة لنا جملة وتفصيلا. لقد تعاونا مع مختلف قرارات الشرعية الدولية… ونحن جاهزون للتعاون معها… الان… وفى المستقبل. كما تعاونا مع لجنة التحقيق الدولية… ونحن نبدى استعدادنا الدائم للتعاون معها… فى اطار سيادتنا وقوانيننا… ولكننا سنرفض حتما… وسيرفض شعبنا فى سورية كل ما من شأنه المساس باستقلالنا وسيادتنا… فالتنازل عنهما هو تنازل عن الكرامة والشرف… وما كان ذلك يوما من شيم الشعب العربى السورى الابى.
من الامور التى طرحت… التساؤلات التى طرحت… هو كيف تتعاون سورية… بمعنى تناقض فى الموقف السورى… كيف تتعاون سورية مع اللجنة ولا تتعاون مع المحكمة… هم لا يفرقون أو أن البعض لا يفرق بين كلمة التعاون وكلمة التنازل عن السيادة… نحن نتعاون كما قلت مع أية بنية… التعاون ضمن القوانين… نقدم معلومات… ربما يكون هناك أشخاص يقدمون معلومة تفيد فى اطار التحقيقات ومعرفة الحقائق التى تبحث عنها اللجان أو البنى المختلفة… لكن التنازل عن السيادة… يعنى أن أى شخص لا يعود محميا بالقانون السورى… وانما أى شخص… أى مواطن سورى بمعزل عن موقعه داخل الدولة أو خارج الدولة يصبح خاضعا لقانون اخر… وهذا كالانتداب ربما فى قطاع من حياتنا… لكنه انتداب بطريقة أخرى وتحت عناوين أخرى. يقولون سورية تناقض نفسها… لانها مرة تقول لا علاقة لها بالمحكمة كما قلت أنا الان… ومرة تقول بأنها تدعم المحكمة. الحقيقة نحن لا نناقض أنفسنا… نحن موقفنا كما عبرت الان عنه… وكما عبرنا فى رسالتنا الى الامم المتحدة… ولكن كنا نقول نحن ندعم المحكمة فقط لاننا نتهم بأننا نعرقل المحكمة. فالرد هو رد على الادعاءات… ليس موقفا. لولا هذه الاتهامات لسورية… لسنا مضطرين لكى نتدخل فى هذا الموضوع… أن نعبر عنه لا سلبا ولا ايجابا. فاذا نحن لا نناقض أنفسنا والامور يجب أن تكون واضحة.
أما بالنسبة للمحكمة الدولية وأى قرار يصدر عن مجلس الامن… فكما قلت سابقا… بأن أى قرار وطنى هو أعلى من القرار الدولى… لكن بنفس الوقت نوضحها بشكل أكبر… لان هناك من يقول بأن سورية وقعت على ميثاق الامم المتحدة… وهنا هى النقطة بأننا وقعنا على ميثاق الامم المتحدة ولم نوقع على مصالح الولايات المتحدة وبعض حلفائها.
طرح أيضا موضوع ملاحظات سورية. أنا مضطر للرد على هذه التفاصيل فى هذه المناسبة… ولو أنها مناسبة لالقاء كلمة توجيهية تأخذ الطابع البروتوكولى نوعا ما… ولكن يجب أن نرد على كل هذه التفاصيل… عن ملاحظات سورية… قيل انها قدمت لبعض الدول العربية أو غيرها… بهدف اظهار أن سورية معنية بالمحكمة وهى تعرقل. أى أنهم يريدون أن يظهروا بأن سورية تعرقل موضوع المحكمة… الحقيقة لا يوجد ملاحظات سورية… ولم ندرس كل هذه المحكمة منذ بدأ الحديث عنها. وأتى الينا بعض المسؤولين العرب وسالونا ما هى الملاحظات السورية… طبعا من خلال ما سمعوه فى الاعلام أو من خلال ما سمعوه من بعض اللبنانيين. قلنا لا توجد ملاحظات ولكن هناك دراسات قام بها بعض الحقوقيين العرب فى دول مختلفة قاموا بها بشكل طوعى… نحن لا نعرف معظم هؤلاء… قاموا بارسالها الى سورية ولبنان. قمنا بتجميع هذه الدراسات وأرسلناها لكل من سالنا عنها… مع التأكيد لكل من أرسلت له هذه الدراسات بأنها لا تعبر عن موقف سورية ولا
تعنى أنها ملاحظات سورية… هى دراسات ان كنتم تريدون أن تطلعوا على ما هو موجود… فهذا ما هو موجود على الساحة الان… ونؤكد مرة أخرى بأننا غير معنيين بأية ملاحظات وبأى رأى تجاه هذه المحكمة.
أما فى الشأن الفلسطينى… فبذلنا كل الجهود الممكنة لوأد الفتنة الداخلية… وعملنا مع اخوتنا الفلسطينيين من أجل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية… التى نعتبر أن دعمها… وازالة العقبات أمام ممارستها لمهامها… يجب أن يكون فى مقدمة مسؤولياتنا كدول عربية سواء من خلال تقديم العون المباشر لها أم من خلال العمل على رفع الحصار الدولى المفروض عليها وعلى الشعب الفلسطينى والذى يهدف الى دفعه للاستجابة للشروط الاسرائيلية… وفى مقدمتها التخلى عن حق الشعب العربى الفلسطينى فى مقاومة الاحتلال من أجل نيل حقوقه المشروعة فى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة… وعاصمتها القدس… وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى أرضهم. وهذا يثبت من جديد عدم مصداقية اسرائيل فى توجهها نحو السلام… ويؤكد نواياها لتجاوز حقوق الشعب الفلسطينى وحقوق الشعب العربى بصورة عامة.
فى الموضوع الفلسطينى… أمر على نقطة واحدة هى موضوع اللاجئين… لاننا منذ سنوات فى نقاشات مختلفة فى الاعلام وفى لقاءات خاصة بين المسؤولين نسال أنفسنا سؤالا.. هل من الممكن تطبيق هذا القرار…. البعض يطرح امكانية التنازل عنه… وكان هناك قبل القمة العربية حديث موسع عن موضوع سحب هذا البند من المبادرة العربية… طبعا القمة العربية كان قرارها حاسما فى هذا الاتجاه بابقاء هذا البند. لكن النقاش فيه بحد ذاته خطأ لسبب بسيط… لان هذا الحق لم يعط لنا كحكومات… أى لا يحق لنا أن نناقشه لا فى قمة عربية ولا فى اجتماع وزراء خارجية عرب. هو حق لللاجىء.
وأنا سمعت من عدد من الاخوة الفلسطينيين كلاما موضوعيا ومنطقيا وقانونيا بأنها ليست حق حتى الفلسطينى غير اللاجىء. هو حق للاجئين. وحتى الان نعرف بأن اللاجئين لم يتنازلوا عن هذا الحق… وطالما أنهم لم يتنازلوا… لن تكون هناك قوة فى العالم قادرة على الغاء هذا الحق… وعلينا أن ندافع عنه بقوة طالما أن اللاجىء يريد أن يتمسك بهذا الحق.
وبالنسبة لنا فى سورية… فان أسلوب اسرائيل هذا فى التعامل مع قضية السلام غير مستغرب… كما أثبتت ذلك تجربتنا مع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة.
وقد أثير فى السنوات الماضية كلام كثير حول عملية السلام المتوقفة… سمعتم منه الكثير… ولاسيما فى السنة الاخيرة بعد العدوان الاسرائيلى على لبنان… والصمود البطولى للمقاومة… والذى أحدث تداعيات دولية واسعة… دفعت بمعظمها نحو العمل من أجل تفعيل عملية السلام.
فهنالك من تحدث عن ضرورة اغتنام هذه الاجواء المؤاتية… أى بعد الحرب… أو عن اتصالات تجرى فى هذا الصدد… فى السر أو فى العلن… وتحدث اخرون عن سعى سورية الحثيث لاستئناف مباحثات السلام من أجل كسر حالة العزلة من حولها … وغير ذلك من أقاويل وادعاءات يفتقر معظمها الى الدقة.
وواقع الامر أيها الاخوة… أنه ليس هناك أى تقدم فى عملية السلام… كما لا توجد أى اتصالات مع اسرائيل بهذا الشأن… لا سرية ولا علنية ولا غيرها… لان اسرائيل غير مهيأة… سواء على المستوى الرسمى أم الشعبى للسلام العادل والشامل الذى يحتاج تحقيقه الى قيادات قوية تستطيع اتخاذ القرارات الحاسمة… بالاضافة الى رأى عام ناضج فى اسرائيل… يدفع
الحكومات بهذا الاتجاه… ويدعمها فيه. وكلا الامرين غير متوفر الان فى اسرائيل… وخاصة مع وجود حكومة ضعيفة غير قادرة على اتخاذ مثل هذا القرار الاستراتيجى.
وما يهمنا فى هذا الموضوع من خلال وجود حكومة ضعيفة… ليس فقط بأنها غير قادرة على تحقيق السلام… وانما الحكومات الضعيفة فى تاريخ اسرائيل قادرة على شن الحروب… فاذا علينا أن نكون حذرين من هذا الطرح… لا نأخذه بطريقة الاحلام الوردية… وانما هذا بحد ذاته شىء قد يكون غير ايجابى للمنطقة ان كانوا يفكرون بأية أعمال عدوانية تجاه أية دولة فى المنطقة.
ولقد بادر العديد من الاطراف لاداء دور فى دفع عملية السلام… وأبدينا كل ايجابية نحوهم… وشجعنا الجميع على أداء ذلك … ولكن معظم هؤلاء ذهب ولم يعد… نتيجة الرفض الاسرائيلى الالتزام بأسس عملية السلام والضغوط التى تعرضت لها من جانب الادارة الامريكية.
ان موقفنا من عملية السلام… كان ومايزال واضحا وحاسما وثابتا. فتحقيق السلام يجب أن يرتكز الى مجموعة من الاسس … فى مقدمتها وجود معايير لعملية السلام… واستعداد جميع الاطراف للالتزام بمرجعية هذه العملية منذ انطلاقتها فى مدريد عام/1991/وهى مبدأ /الارض مقابل السلام/والقرارات الدولية /242/ و/338/ الصادرة عن مجلس الامن. طبعا أنا أكرر
كلاما… وكلنا بصمناه… ولكن التكرار ضرورى للعالم. وتعبير اسرائيل الواضح وغير الملتبس عن استعدادها لاعادة الارض المحتلة حتى حدود عام /1967/… حيث ان عودة الجولان العربى السورى أمر غير قابل للتفاوض بالنسبة لنا.
كما ان انجاز ذلك يتطلب وجود راع نزيه ومهتم بانهاء بؤر التوتر فى المنطقة… ويمتلك رؤية واضحة وموضوعية لقضاياها… وتتوفر لديه الارادة الفعلية لمعالجتها كأساس لتحقيق الامن والاستقرار فيها. أيضا هذا الراعى الان غير موجود بهذه المواصفات. أما أن تعتبر عملية السلام رهينة لدى الادارة الامريكية تستخدمها كجائزة ترضية أو كمنحة… مقابل مواقف تخدم مصالحها واستراتيجيتها… فانه سيفاقم الازمة… ولن يتمخض عنه سوى سلام وهمى… ينقل منطقتنا الى مرحلة جديدة من الفوضى واللااستقرار… تكون أشد تعقيدا وبؤسا من حال اليوم.
هنا أمر على بعض التفاصيل على ما طرح مؤخرا بالنسبة للاتصالات السرية. طبعا هذا الموضوع… اسرائيل تحاول أن تسوقه من وقت لاخر… منذ سنوات… ولكن طرح بشكل مكثف مؤخرا… وبدأوا يبحثون عن أدلة لكى يحرجوا سورية… بأن سورية كانت فعلا تقوم بمفاوضات سرية. طبعا نحن نفينا فى كل مرة لاننا نرفض هذا المبدأ من الاساس. ولكن لو وضعنا النفى والتأكيد جانبا… وفكرنا أين تكمن مصلحة سورية أو لا تكمن فى هذه المفاوضات السرية. من الناحية السورية… على من نخبىء السر…. العلاقة فى هذا الموضوع هى بين الدولة والحكومة وبين الشعب. فالشعب السورى يدعم حكومته فى عملية السلام وفى المفاوضات… فى الماضى وفى الحاضر… وأتوقع فى المستقبل… فاذا لا يوجد داع لكى نخبىء السر على هذا الشعب.
ولنفترض بأننا قمنا بهذا الشىء… ولاحقا أعلنا عن نتائج معينة… فهذا الشعب سيفقد الثقة بدولته التى كانت تفاوض بمعزل عن معرفته… وهذا يعنى اضعاف عملية السلام… ويعنى بالتالى تحقيق ما تريده اسرائيل بالنسبة لهذا الموضوع. هذا على الجانب السورى…
…أما من الناحية الاسرائيلية… فاسرائيل تريد هذه المفاوضات وتحاول اشاعتها من وقت لاخر مع محاولة اثبات هذا الشىء لانها تريد أن تقول للعرب أولا وللاخرين بأن سورية بلد المبادىء… هذه المبادىء بالنسبة لها مجرد شكل. فى الواقع هى من خلف الستار مستعدة لكى تقوم بأى شىء عكس مبادئها وعكس تصريحاتها وسياستها المعلنة. وبنفس الوقت هذا يعنى أن سورية مستميتة على أن يكون هناك أى اتصال بينها وبين اسرائيل لانها الان ضعيفة وتريد أن تخفف عنها الضغوط… وتريد أن ترضى الادارة الامريكية…والى اخره من هذا الكلام. هذه هى النقطة الاولى. النقطة الثانية… عندما تكون هناك مفاوضات سرية وهذا أسلوب اسرائيلى قديم اتبع قبل التوقيع على أوسلو يعنى أن تكون خارج اطار الرقابة الدولية… وكل من تعامل مع اسرائيل فى موضوع السلام عرف بأنها غير صادقة والبعض من هؤلاء المسؤولين الاوروبيين يقول لنا هذا الكلام علنا فى جلسات غير معلنة… فاسرائيل تهرب أيضا هنا من الرقابة الدولية ومن الفضائح تجاه عدم رغبتها بتحقيق السلام. النقطة الثالثة… تستطيع اسرائيل أن تتنصل من أى شىء تلتزم به… وأيضا هذا معروف عن اسرائيل… فهذه النقاط تدل تماما بأنها لمصلحة اسرائيل وضد مصلحة سورية… وبالتالى بأى منطق نسير فيها…. من غير الممكن أن نسير ضد مصالحنا.
وما طرح عن موضوع الوسطاء أو الوسيط الاخير فأنا أطمئنكم بأنه لدينا العشرات مثل هؤلاء الوسطاء… يأتون الى سورية … البعض منهم جاد… البعض منهم يريد أن يلعب دورا لاسباب مختلفة. طبعا أغلبهم يريد أن يذهب الى اسرائيل أو أن يكون قادما من اسرائيل… ويريد أن يلعب دورا… فنشجعه… ونشرح له بأن متطلبات عملية السلام هى راع نزيه… معايير
معينة… طبعا الارض رقم واحد… الارض لا يفاوض عليها… وأن يقولوا /67/ أو أقل من ال/67/ أى ننطلق من الارض… ان كان الاسرائيليون جادين فى التحرك باتجاه عملية السلام فأول شىء سيقدم لكم هو أنهم مستعدون للانسحاب الى حدود ال/67/ وربما يقدمون خريطة… والى اخره. هم حتى الكلام لم يستطيعوا أن يأخذوه من اسرائيل. فهذه هى قضية الوسطاء بكل بساطة… وسيأتينا الكثير وسنشجعهم وستسمعون نفس الاشاعات… ولكن لم نكلف أى أحد بأن يفاوض نيابة عنا… وانما نشجع أية جهة للقيام بهذا الشىء… ولبعض من نثق بهم من الدول المحترمة التى تريد أن تلعب دورا جديا وفعلا لها مصداقية. طرحوا معنا هذا الموضوع أو هذا النوع من المفاوضات فقلنا لهم ابدأوا بجهودكم… وعندما تصبح الامور ناضجة ضمن المعايير التى وضعناها… فنحن سنعلن… لن تكون مفاوضات سرية… ولكن عليكم أن تأتوا بكل المتطلبات المطلوبة لعملية السلام وأنا سأشرحها الان… وسأنطلق مما طرح عن أن سورية مستعدة للمفاوضات أو للعودة للمفاوضات من دون شروط… فبدأت الكتابات والتصريحات… سورية تنازلت عن كل شىء… وسورية مستعدة لنصف الارض ومستعدة حتى من دون أرض… بأى ثمن ستقبل بالسلام…. هذا موقف سورى جديد ومفاجىء ولم يفهم أحد لماذا… ما هو السر فيه. الحقيقة هذا الموقف السورى هو موقف من قبل عملية السلام… لم تكن سورية فى الماضى تطرح شروطا للسلام… من أين أتت هذه الكلمة…. اسرائيل تقول.. نحن نريد أن نفاوض لكن من دون شروط… فيفهم الاخرون بأن المشكلة ليست لدى اسرائيل وانما لدى سورية… لان سورية تضع شروطا لعملية السلام… فنحن نعرقل العملية… فيأتون الينا ويقولون لنا.. ما هى شروطكم لتحقيق السلام أو للعودة للمفاوضات…. نقول لهم.. لا توجد شروط. فيفاجؤون… كيف لا توجد شروط…. أى أنتم مستعدون للعودة من لا شىء وبأى ثمن…. نقول لهم.. لا. القرار/242/ و/338/ هى ليست شروطا سورية… هى قرارات دولية لم نضعها نحن… فهى شروط دولية وضعت بال/67/ كنا ضدها والان وافقنا عليها من أجل دعم عملية السلام. أما الارض فهى أساس وهى ليست شرطا… والعملية بحاجة لاساس… ومن دون هذا الاساس… لا توجد عملية سلام بالاساس.
أما نقطة المفاوضات… أن تبدأ من النهاية… فنحن نفهم أن مفاوضات السلام هدفها هو اتجاه واحد هو أن نتفق على كل النقاط التى لم نتفق عليها. أما أن نقول بأن عملية السلام هى أن نلغى كل ما اتفقنا عليه ونسير باتجاه الخلف… هذا الكلام غير منطقى. فاذا هذا من البديهيات… فاذا لا توجد شروط… مع ذلك الارض هى أساس لن نتنازل عنها… ستعود كاملة… المفاوضات ستبدأ من حيث انتهت… والنقاط الاخرى بالاضافة لموضوع الراعى النزيه طبعا قرارات مجلس الامن هى مدموجة مع الارض… الراعى النزيه… ووجود معايير… كلها نسميها متطلبات. فاذا نحن نتحدث عن متطلبات لعملية السلام… وليس شروطا… وهناك فرق كبير بين متطلبات وبين شروط. بدون هذه المتطلبات تفشل عملية السلام… ونحن لا نريد أن نفشل عملية السلام… فنحن نتحدث عن متطلبات… أما شروط… فلم تطرح سورية فى يوم من الايام شروطا منذ بدأنا بالحديث عن عملية السلام فى عام /1974/ فأتمنى ان تكون هذه الفكرة واضحة… المتطلبات شىء والشروط شىء
اخر… لا توجد شروط سورية ولكن توجد متطلبات هى أسس وثوابت ولن تتنازل عنها سورية أيضا تحت أى عنوان.
وفى هذا الاطار… جرى حديث كثير حول عزل سورية… وحول الحاحها على السلام من أجل كسر عزلتها… أو اتخاذها لهذا الموقف أو ذاك تجاه القضايا المطروحة لفك طوق العزلة عنها… وهو كلام مناقض للواقع… لان السلام لدى سورية هو خيار استراتيجى… وليس تكتيكا… كما أن دعوة السلام عندها دعوة مبدئية تعبر عن ارادتها ويقينها وعملها على استعادة
أرضها المحتلة وتحقيق الامن والاستقرار لشعبها وشعوب المنطقة. وقد جرى اختبار عزلنا ولم يصادف سوى الفشل… والوقائع أثبتت أن من يريد أن يعزل سورية فهو يعزل نفسه عن قضايا المنطقة… لان سورية لها دورها ومكانتها. وهذا لم يأت منة من أحد… بل فرضه موقعها وتاريخها ونضالات شعبها.
ان العزل يتحقق فعليا ويؤتى ثماره لدى من رهن نفسه وقرار بلاده للاجنبى. أما من ربط مصيره بشعبه وبتاريخ بلاده… فلا يمكن لاحد أن يعزله… سوى الشعب نفسه.
وبدلا عن تقييم حالة العزل… وأنا هنا أقصد سورية… من خلال استمرار زيارات بعض المسؤولين الى سورية وانقطاعها… حيث ان عدم مجيئهم لا يعزلنا… وزياراتهم لا تفك العزلة ان كانت موجودة… وهذا كله يخضع لاعتبارات لا تمت بصلة لمكانة البلاد ودورها… علينا أن نعرف… أن ما يعزلنا… أيها الاخوة… هو فقدان التعبير عن ارادة شعبنا… فقدان الصلة العضوية بمصالحه الحيوية ووجدانه الوطنى. والاهم من ذلك فان ما يعزلنا هو فقدان ارادتنا للتمسك بمكانتنا ودورنا المرتبطين بحقوقنا وكرامتنا.
أما تصريحات البعض عن الرسائل الخاصة… التى نتلقاها عبر زيارة هذا المسؤول أو ذاك الى سورية… وهذا سمعناه مؤخرا… بأن زيارة بعض المسؤولين الى سورية تعطى الرسائل الخاطئة… كلما زارنا مسؤول نأخذ رسائل خاطئة… فعلى الجميع أن يعلم أننا فى سورية لا نبنى سياساتنا على الرسائل… بل على الوقائع وعلى الحقائق… كما ان عليهم أن يعرفوا أن رسائلهم فى أى اتجاه ذهبت… غير قادرة على تغيير توجهاتنا ما لم يتغير الواقع الذى نعيشه… وبالمنحى الذى تريده شعوبنا.
نحن مع الانفتاح على الجميع… ونسعى لعلاقات جيدة ومتوازنة مع الجميع.
نحن مع الحوار الذى يحترم عقولنا وارادتنا… والعلاقات التى تحترم سيادتنا. نحن مع الحوار دون شروط مسبقة… دون التنازل عن الحقوق والكرامة… انه الحوار الذى لا يحتمل الخضوع للاملاءات… أو مسايرة الاخرين على حساب مصالحنا.
أيها الاخوات والاخوة..
لقد أثبتت السنوات الماضية… بما حفلت به من أزمات… أن منطق القوة فى العلاقات الدولية… ونهج الحروب الاستباقية… لا يوفر الامن والسلام لاحد… بل هو يفاقم من عوامل التوتر والصراع… وأن نظرة الاستعلاء والتزمت التى تؤسسها… والاملاءات التى تعتمدها… غير قادرة على تغيير الواقع بالشكل الذى تأمله شعوب المنطقة. كما برهنت أن معالجة موضوعية للمشكلات القائمة… تستوجب البحث فى الاسباب الحقيقية للصراعات… دون القفز فوقها جهلا أو تجاهلا… لان من شأن ذلك أن يعمق الازمات القائمة عوضا عن أن يعمل على حلها.
كما أثبتت هذه السنوات… من جهة أخرى… أن ارادة الصمود… قادرة على فرض ذاتها… مهما بلغت التحديات… ومهما توفر للخصوم من امكانات مادية وتقنية… وأثبتت… فى مواجهة جميع المشككين… أن تماسك الشعب ووحدته خلف عناوين وطنية كبيرة… واستعداده للبذل والعطاء… قادر على فرض وقائع جديدة على الارض… أكثر رسوخا ودلالة من أن يتجاهلها هؤلاء… أو يتمكنوا من القفز فوقها… وأنا هنا لا أتحدث عن تجارب الدول الاخرى المحيطة بنا… الشقيقة أو المجاورة… أنا أتحدث عن تجربتنا مع الشعب السورى خلال السنوات الماضية… وهذا واقع وليس مجرد كلام نظرى.
لقد تمكنت قوى أمتنا الحية من كسر شوكة المؤامرات… غير أن المؤامرات لم تنته… بل هى تتجدد فصولا يوما بعد يوم… لذلك لابد من اليقظة والحذر… ورص الصفوف ونبذ أسباب الفرقة والانقسام داخل صفوفنا… لابد من التصدى لكل الاصوات الخارجة على اجماع شعبنا على امتداد الساحة العربية… والتى تزين الخنوع والاستكانة والارتباط بمشاريع الاخرين… وكأنه الذهاب بمنطقتنا الى الجنة. وفى هذا الاطار صدر التقرير الاخير فى اسرائيل الذى يتحدث عن الهزيمة الاسرائيلية واخفاق الجيش الاسرائيلى… فى الوقت الذى كانت بعض الاصوات العربية تتحدث عن هزيمة لبنان… وأنا أعتقد بأن هذا التقرير أدان هؤلاء قبل أن يدين أى مسؤول اسرائيلى أو يحمله المسؤولية عن الحرب.
علينا أن نعزز علاقاتنا مع أشقائنا العرب الذين يقاسموننا الامنا ومصيرنا… والذين يرون معنا… أن لا مستقبل لهذه الامة الا بالوحدة والتضامن والتنسيق. وما يبعث الامل فينا… أن الوضع العربى… بالرغم من كل ما نسمعه من انتقادات من المواطنين الذين تمثلونهم أو فى دول عربية أخرى لهذا الوضع… فانه فى الاونة الاخيرة… أفضل حالا من ذى قبل نسبيا… لكى نكون واقعيين… بفضل الجهود التى يبذلها الجميع لتغليب ما هو أساسى على الثانوى… وما هو مصيرى على ما هو طارىء… ونحن على ثقة بأن مثل هذه الروح الايجابية فى العمل العربى ان استمرت… كفيلة بايجاد الحلول الملائمة للكثير من المشكلات التى تواجهنا.
أيها الاخوات والاخوة أعضاء مجلس الشعب..
أيها الاخوات والاخوة أعضاء مجلس الشعب..
ان لكم دوركم… من موقع مسؤولياتكم الوطنية… وتعبيركم الصادق عن ضمير الشعب… فى صيانة الاستقلال الوطنى والدفاع عن سيادة الشعب… ومواجهة محاولات التدخل الخارجى مهما تكن المبررات والذرائع. ان لكم دوركم فى تكريس ثقافة المقاومة لمواجهة ما تتعرض له الامة من تحديات تهدد وجودها وهويتها. ان لكم دوركم فى التمسك بحقوقنا وثوابتنا… وفى النضال حتى استعادة جولاننا جزءا غاليا من الوطن الام سورية الابية.
فى الختام أيها الاخوة… أتمنى لكم كل التوفيق فى العمل لخدمة الشعب وتلبية تطلعاته… وأن تكونوا عند حسن ظنه بكم بما عقده عليكم. وان نجاحكم فى العمل لصالح الوطن والمواطنين… هو ما سينتظره الشعب منكم… وعبره ستحوزون تهنئته الحقيقية ومباركته الصادقة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكان السيد الرئيس وصل الى مجلس الشعب وكان فى استقباله عند مدخل المجلس الدكتور محمود الابرش رئيس مجلس الشعب ثم عزف النشيد الوطنى واستعرض سيادته حرس الشرف.
بعد ذلك صافح الرئيس/الاسد/كبار مستقبليه السادة عبد الله الاحمر الامين العام المساعد لحزب البعث العربى الاشتراكى وفاروق الشرع والدكتورة نجاح العطار نائبى رئيس الجمهورية ومحمد سعيد بخيتان الامين القطرى المساعد للحزب والدكتور سليمان قداح نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية والمهندس محمد ناجى عطرى رئيس مجلس الوزراء.
كما صافح الرئيس/الاسد/نائب رئيس مجلس الشعب ومكتب المجلس.
وحضر الجلسة السادة أعضاء القيادتين القومية والقطرية للحزب والامناء العامون لاحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والوزراء والمفتى العام للجمهورية وأمناء فروع الحزب والمحافظون ورؤساء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والفعاليات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأعضاء السلك الدبلوماسى العربى والاجنبى المعتمدون بدمشق وحشد من مراسلى وكالات الانباء وشبكات التلفزة والاذاعة المحلية والعربية والاجنبية.
بعد ذلك صافح السيد الرئيس أعضاء مجلس الشعب كما صافح الامناء العامين لاحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وغادر مبنى مجلس الشعب بالحفاوة.
القى السيد الرئيس/بشار الاسد/كلمة توجيهية فى الجلسة التى عقدها مجلس الشعب اليوم فى دوره التشريعى التاسع هذا نصها…
السيد رئيس مجلس الشعب
السيدات والسادة أعضاء مجلس الشعب
أيها الاخوات والاخوة
أحييكم أطيب تحية فى افتتاح أعمال الدور التشريعى التاسع لمجلسكم الكريم… وأبارك لكم الثقة الغالية التى منحتكم اياها جماهير الشعب… وأقدر لكم الجهود التى بذلتموها فى التعريف بأفكاركم ومشاريعكم وعهودكم التى قطعتموها على أنفسكم… فى أن تكونوا الصوت الصادق للناس على امتداد بلدنا… الامين على مصالحهم من خلال موقعكم فى مجلس الشعب… هذه المؤسسة التشريعية العريقة التى كانت على مدى التاريخ الحديث لوطننا… مدرسة رائدة فى النضال الوطنى… وحصنا منيعا فى الدفاع عن قضايا الشعب… خاضت من خلاله قياداتنا الوطنية أشرف ملاحم النضال ضد الاحتلال الاجنبى ومشاريع الهيمنة بمختلف أشكالها… ورفضت بكل اصرار محاولات التدخل فى شؤونه الداخلية… وأفشلت سياسات الاحلاف التى رعتها القوى الاستعمارية. وعمل أعضاؤه وقواه السياسية الحية بكل عزيمة على صيانة الاستقلال الوطنى… وتدعيم التلاحم الداخلى فى أقسى المراحل التى شهدتها سورية الحديثة.
أيها السيدات والسادة..
منذ أربع سنوات… وفى افتتاح الدور التشريعى الثامن… تحدثت عن الدور الذى نأمله من مجلس الشعب… وعن المهام الكبيرة التى ننتظرها منه…وأكدت بأننا نتوقع من مجلس الشعب أن يؤدى… بالاضافة الى مهامه التقليدية الاساسية التى تتلخص بسن القوانين… ومراقبة أعمال الاجهزة التنفيذية… وتقويم الاخطاء والمحاسبة عند التقصير… مهام الارتقاء
بمستوى المشاركة فى بناء الوطن وتطويره… وذلك من خلال طرح الافكار الخلاقة والمبدعة… وتقديم الرؤى والمقترحات التى تعبر عن الاتجاهات الاساسية للرأى العام فى مجتمعنا… كأساس لتقييم مدى نجاح المجلس فى أداء دوره على الوجه الاكمل… نظرا لوجود كفاءات وخبرات متميزة بين اعضائه… تمثل مختلف القطاعات الاجتماعية… بالاضافة الى الفعاليات
الاقتصادية والمهنية… والاختصاصات العلمية.
وفى هذا الاطار من الرؤية… نستطيع أن نقول بكل ثقة… وبتقويم موضوعى لما تم انجازه خلال الفترة الماضية… بأن مجلس الشعب نهض بمسؤوليات واسعة ارتبطت بطبيعة المرحلة الماضية… والتحديات الموضوعية والذاتية التى تضمنتها… وبذل اعضاؤه جهودا كبيرة فى دراسة واعداد واقرار عدد واسع من التشريعات الملحة التى تتطلبها عملية التنمية التى نقوم
بها… وتستجيب لايقاع التطور السريع الذى يعيشه بلدنا… كما مارسوا دورهم فى اغناء الخطط التنموية المعروضة أمامهم… وكانت الحوارات البرلمانية مصدر اثراء لتوجهاتنا الاقتصادية والاجتماعية. كما كانت مواقف أعضائه المشرفة… فى تحصين وحدتنا الوطنية… وصيانة قرارنا الوطنى المستقل وحفز ارادة الصمود التى واجهنا بها مختلف التحديات التى
شهدتها منطقتنا فى السنوات الماضية موضع تقدير رفيع.
وعلى الرغم من كل ذلك… فاننا نتطلع الى تحقيق المزيد من الانجازات فى هذا المجال… لكى نقترب أكثر فأكثر من طموحاتنا… لاسيما أن طريق التطوير الطويلة تزداد طولا كلما تسارع ايقاع التقدم فى العالم… ومعها يصبح الطموح أكبر فى كل يوم… وهو ما يحتاج الى المزيد من العمل الجاد والعطاء المتواصل. ونأمل أن يؤدى مجلس الشعب دورا أكثر اتساعا فى
المرحلة القادمة سواء فى مجال تقديم الافكار… أم فى مجال ممارسة الدور الرقابى على المؤسسات التنفيذية… وتعزيز العمل المؤسسى فى أدائنا وثقافتنا الاجتماعية… وكذلك وضع الاليات المناسبة لتجاوز الحالات السلبية فى أداء أجهزة الدولة… ومكافحة مظاهر الخلل والفساد التى يمكن أن تظهر… وردع المتجاوزين على مصالح الشعب… ومحاسبة المقصرين فى تلبية احتياجات المواطنين.
كما يتعين علينا فى المرحلة المقبلة اعطاء الاولوية فى توجهاتنا ومحاور عملنا… للشرائح الاوسع من جماهيرنا التى تشكل العماد الاساسى لمجتمعنا… والسند الرئيسى فى صمودنا… كالعمال والفلاحين وصغار الكسبة… الذين يعتبر تحسين أوضاعهم… والحفاظ على مصالحهم… وتعزيز مكتسباتهم… الاساس الحقيقى للاستقرار الاجتماعى والاقتصادى والسياسى فى بلدنا. ويجب ايلاء شبابنا المفعم بالاندفاع والامل كل الاهتمام… وتوفير البيئة الملائمة لتطوره وانطلاقه. ولابد من متابعة خطانا الثابتة فى مجال تطوير واقع المرأة ورعاية الطفولة فى سبيل نماء مجتمعنا… وضمان توازنه وسلامة مستقبله. وكل ذلك لن يتحقق بالصورة المنشودة… الا من خلال الحرص على توفير التفاعل الايجابى بين مختلف مكونات المجتمع وفى طليعتهم اعضاء مجلس الشعب أنفسهم… وبين القوى السياسية والمنظمات والهيئات المشاركة فى هذا المجلس… وبينهم وبين الحكومة… فى اطار رؤية واضحة لمهامنا الراهنة والمستقبلية.
ولقد حققنا خلال السنوات الماضية مستويات جيدة من النمو الاقتصادى اذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف السياسية الصعبة التى عملنا فى ظلها… مما دفع بالمستوى المعاشى للاخوة المواطنين خطوة الى الامام… أنا أقول خطوة لكى لا يقال بأننا لا نحقق كثيرا… الحقيقة تحقق لكن أقل من الطموحات… حيث توسعت الخدمات الاجتماعية كما ونوعا… لاسيما فى مجال الصحة والتعليم والاسكان… كما واصلنا اهتمامنا الواسع بالقطاع الزراعى… وتوفير المستلزمات الضرورية للانتاج… وتنفيذ مشروعات الرى المحورية… وحققنا أرقاما مرضية فى مجال انتاج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية. كما قمنا بانجاز عدد من الخطوات الخاصة بالاصلاح المالى والنقدى… وتجاوز المعوقات الادارية أمام الاستثمار… وننتظر استكمال أسبابها فى المرحلة القادمة… الامر الذى سيمكننا من تجاوز بعض جوانب القصور فى اقتصادنا الوطنى… وتعزيز درجة الثقة باستقراره… وتحفيز الاستثمار الخاص فى مختلف المجالات.
كما شرعنا فى انجاز خطة طموحة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية واسعة ومتوازنة خلال السنوات القادمة. يتوقف تحقيقها على جملة من العوامل الموضوعية والذاتية. واذا كانت العوامل الموضوعية ترتبط بصورة أساسية بالظروف الدولية والاقليمية القادمة… فان العوامل الذاتية ترتبط بنا وبمدى قدرتنا على تعبئة الموارد المادية والبشرية بالصورة الامثل…
وتجاوز المعوقات المتنوعة التى تعترض طريق الاصلاح الاقتصادى والادارى… لتحقيق مستوى أعلى من النمو من شأنه أن ينعكس بصورة متوازنة وعادلة على الحياة المعاشية للاخوة المواطنين… ويمكننا من تعزيز عوامل قوتنا الذاتية.
ايها السيدات والسادة…
خلال السنوات الاربع الماضية… التى فصلت بين الدورين الثامن والتاسع لمجلس الشعب… تعرضت منطقتنا لاحداث جسيمة… شكلت بمجملها زلزالا سياسيا وفكريا ونفسيا عنيفا… لم يكن من السهل على أحد… على مشارف هذه الاحداث تحديد أبعاده مهما توفر له من نفاذ الرؤية.
وانطلاقا من معرفتنا لسياق الاحداث عبر تاريخ هذه المنطقة… ومن خلال دور سورية الفاعل وأثرها فى هذه الاحداث… كنا قد رسمنا من على هذا المنبر فى الدور الماضى ملامح الوقائع السائدة انذاك وتداعياتها اللاحقة بالقدر الذى سمحت به المعطيات المتوفرة… وبالمدى الذى كانت تفصح عنه بعض السياسات والتصريحات التى تظهر فيها بوضوح معالم غرائز القوة والسيطرة ونزعات الهيمنة التى أخذت ترتسم فى مشاريع ومخططات أصحابها انذاك… وبالقدر الذى كانت توحى به مواقف البعض ممن استكانوا لارادة الاخرين… وافتقدوا معها ارادة الفعل والمواجهة… فى أمتنا العربية والاسلامية بشكل عام. وحذرنا انذاك من الانهيار الذى ينتظر الامة العربية… ومن حجم المخاطر التى تتربص بها فى حال افتقادنا لروح
المسؤولية القومية فى التصدى لنذر هذه المخاطر قبل وقوعها.
كما كنا فى رؤيتنا وتحذيراتنا ننطلق من ادراكنا الموضوعى لاهداف الاخرين ومراميهم البعيدة… ومن استيعابنا لحجم التهديدات المحيقة بنا… بحاضرنا وبمستقبلنا… ومن ملامستنا المباشرة لحالة شعبنا العربى الذى تحولت مخاوفه واحباطاته الى طاقة كبيرة… ترفض المزيد من الذل… وتسعى لافشال أى مشروع للسيطرة… مهما كلفها ذلك من تضحيات.
من هنا… جاء رفضنا لكل الاسس والمبررات التى قدمت بهدف اشاعة الفوضى العمياء فى مجتمعنا العربى وأقطارنا العربية … وصولا الى التفتيت والضياع الكلى.
ومن هنا… كان رفضنا لغزو العراق وما نجم عنه من ماس والام نرى فداحتها كل يوم. ومن هذا المنطلق عملنا بكل امكاناتنا لمواجهة المحاولات الرامية لتصفية معاقل المقاومة… والتصدى لمشاريع التسوية المهينة لشعبنا والمناقضة لمصالحه… وغيرها من المشاريع التى أتت تحت عنوان الشرق الاوسط الجديد أو الكبير وما تتضمنه من اعادة تشكيل منطقتنا بما يلبى
المتطلبات الاسرائيلية.
وكما توقعنا… وكما حدث فى الواقع… كانت سورية… لاجل ذلك… هدفا للضغوطات التى لم تنقطع خلال الفترة الماضية… وذلك فى محاولة لثنيها عن مواقفها… ودفعها للتراجع عن خياراتها الاستراتيجية… وفى حال فشل ذلك… لحصارها وضرب استقرارها من خلال اتخاذ ساحات الصراع المفتوحة حولها… ذريعة من جهة… وأداة من جهة أخرى… للنيل من مكانتها ودورها فى محيطها العربى والاقليمى.
وكانت سياسات الاغراء والوعيد أسلوبا مطروحا باستمرار… عبر رسائل متنوعة… مباشرة أو غير مباشرة.
وبطبيعة الحال لم يكن الاغراء يلبى متطلباتنا الوطنية والقومية… وما كان للوعيد أن يرهبنا للتخلى عن ثوابتنا… على الرغم من كل ما رافق ذلك من حملات اعلامية مزيفة… وتصريحات مسعورة… لتشويه صورتنا… وتزييف مواقفنا.
فى مواجهة ذلك… كان موقفنا ثابتا وسياستنا واضحة… والنتائج كما توقعناها عندما كنا نتحدث بالتفاصيل عما سيؤول اليه الوضع. ففى الشأن العراقى وقفنا ضد الحرب… ورفضنا الاحتلال… وأعلنا ضرورة وضع جدول زمنى لانسحاب قوات الاحتلال… وأكدنا على حق الشعب العراقى فى المقاومة. كل ذلك مع دعم العملية السياسية فى العراق على قاعدة عدم
استبعاد أى مكون من المكونات الوطنية للشعب العراقى. كما عبرنا عن استعدادنا لاداء دورنا فى اقامة الحوار الوطنى العراقى… ليس ارضاء لاحد… بل لايماننا بتحقيق الاستقرار لابناء الشعب العراقى الشقيق أولا… ولتحقيق الاستقرار فى المنطقة ثانيا.
هنا علينا أن نكون واضحين لكى نفهم ما هو جوهر التعاون السورى.
بالمختصر… نحن نعمل من أجل مساعدة الشعب العراقى لتجاوز محنته… وليس من أجل مساعدة قوات الاحتلال للخروج من ورطتها. وكل الاستعراضات السياسية التى نراها الان… بالحقيقة هى تعمل بشكل أساسى لخدمة المحتلين لاسبابهم الداخلية أو لاسبابهم الدولية… ولكن ما نراه حتى الان… ربما القليل أو ربما لا شىء يحصل بشكل جدى من أجل مساعدة الشعب
العراقى… والحقيقة قلنا فى السابق بأن العملية هى عملية سياسية وليست عملية عسكرية. الان كل العالم أيضا يكرر نفس هذا المنطق ولو متأخرين… بعد ذلك يتم ارسال/20/ الف عسكرى الى العراق… أى /20/ الفا أو مئتى الف أو تخفيف القوات… كل هذه الامور من دون عملية سياسية حقيقية من أجل مساعدة الشعب العراقى… لن تؤدى الى نتيجة. وجوهر العملية السياسية كما نراه هو عملية سياسية وطنية عراقية قد تكون من خلال حوار عراقى… قد تكون من خلال مؤتمر عراقى… بدعم اقليمى وبدعم دولى… وليس العكس مؤتمر دولى لخدمة أهداف بعض الدول بدعم اقليمى وبدعم عراقى من أجل تسويق أفكارهم. فموقفنا يجب أن يكون واضحا… ما هى الاسس التى نعمل عليها من أجل العمل لمساعدة الاخوة العراقيين… فاذا لقاء من هنا ولقاء من هناك مع أية جهة دولية لا يمكن أن يكون الا فى هذا الاطار ولا يجوز أن يفسر فى أى اطار اخر.
أما بالنسبة للوضع السياسى فى لبنان… فاننا ندعم أى خيار يحقق التوافق اللبنانى ويمكن لبنان.. الشعب والدولة… من تجاوز الازمة الراهنة. ان الاستقرار فى لبنان هو استقرار لسورية… والسلام فى لبنان هو سلام لسورية… وخاصة بعد الحرب على العراق… والتداعيات الاخيرة فى العراق أصبح السلام فى لبنان هو سلام للمنطقة ولم يعد محصورا فى الاطار
الجغرافى الضيق… وسورية ستظل أمينة فى العمل من أجل مصلحة لبنان بجميع فئاته… ولن تتخلى عن واجبها القومى فى تقديم كل المساعدة للشعب اللبنانى الشقيق… فوشائج القربى وروابط التاريخ المشترك وحقائق الجغرافيا… أكبر من أن تؤثر فيها بعض الاصوات الموتورة… أو بعض السياسات المأجورة… ونؤكد لكل من لم يتعلم من دروس الماضى… وخاب أمله من سير الاحداث فى الحاضر… أن هذه العلاقة بين البلدين… أرسخ وأبقى من أن يتم النيل منها.
وأجد من الضرورى الاشارة هنا الى موضوع المحكمة الدولية المزمع انشاؤها… والتى تعتبر احدى القضايا التى ثار حولها الكثير من الخلافات والاجتهادات والتكهنات فى الاوساط اللبنانية والعربية والدولية… كما برزت بعض التساؤلات فى الاونة الاخيرة حول الموقف السورى… وما يعنينا من كل هذه الضجة… هو ما طرح من تساؤلات أو تكهنات أو تفسيرات تجاه موقف سورية من هذا الموضوع سواء داخل سورية أو خارج سورية.
اننا نعتبر موضوع المحكمة ذات الطابع الدولى موضوعا خاصا بين لبنان والامم المتحدة… ولا نرى أننا معنيون بها بصورة مباشرة. كما نرى أن أى تعاون مطلوب من سورية… ليس تجاه المحكمة… أى تعاون تجاه أى صيغة أو أى بنية أو أية فكرة أخرى بشأن هذه القضايا… أى تعاون مطلوب من سورية فى حال تطلب تنازلا عن السيادة الوطنية… هو أمر مرفوض بالنسبة لنا جملة وتفصيلا. لقد تعاونا مع مختلف قرارات الشرعية الدولية… ونحن جاهزون للتعاون معها… الان… وفى المستقبل. كما تعاونا مع لجنة التحقيق الدولية… ونحن نبدى استعدادنا الدائم للتعاون معها… فى اطار سيادتنا وقوانيننا… ولكننا سنرفض حتما… وسيرفض شعبنا فى سورية كل ما من شأنه المساس باستقلالنا وسيادتنا… فالتنازل عنهما هو تنازل عن الكرامة والشرف… وما كان ذلك يوما من شيم الشعب العربى السورى الابى.
من الامور التى طرحت… التساؤلات التى طرحت… هو كيف تتعاون سورية… بمعنى تناقض فى الموقف السورى… كيف تتعاون سورية مع اللجنة ولا تتعاون مع المحكمة… هم لا يفرقون أو أن البعض لا يفرق بين كلمة التعاون وكلمة التنازل عن السيادة… نحن نتعاون كما قلت مع أية بنية… التعاون ضمن القوانين… نقدم معلومات… ربما يكون هناك أشخاص يقدمون معلومة تفيد فى اطار التحقيقات ومعرفة الحقائق التى تبحث عنها اللجان أو البنى المختلفة… لكن التنازل عن السيادة… يعنى أن أى شخص لا يعود محميا بالقانون السورى… وانما أى شخص… أى مواطن سورى بمعزل عن موقعه داخل الدولة أو خارج الدولة يصبح خاضعا لقانون اخر… وهذا كالانتداب ربما فى قطاع من حياتنا… لكنه انتداب بطريقة أخرى وتحت عناوين أخرى. يقولون سورية تناقض نفسها… لانها مرة تقول لا علاقة لها بالمحكمة كما قلت أنا الان… ومرة تقول بأنها تدعم المحكمة. الحقيقة نحن لا نناقض أنفسنا… نحن موقفنا كما عبرت الان عنه… وكما عبرنا فى رسالتنا الى الامم المتحدة… ولكن كنا نقول نحن ندعم المحكمة فقط لاننا نتهم بأننا نعرقل المحكمة. فالرد هو رد على الادعاءات… ليس موقفا. لولا هذه الاتهامات لسورية… لسنا مضطرين لكى نتدخل فى هذا الموضوع… أن نعبر عنه لا سلبا ولا ايجابا. فاذا نحن لا نناقض أنفسنا والامور يجب أن تكون واضحة.
أما بالنسبة للمحكمة الدولية وأى قرار يصدر عن مجلس الامن… فكما قلت سابقا… بأن أى قرار وطنى هو أعلى من القرار الدولى… لكن بنفس الوقت نوضحها بشكل أكبر… لان هناك من يقول بأن سورية وقعت على ميثاق الامم المتحدة… وهنا هى النقطة بأننا وقعنا على ميثاق الامم المتحدة ولم نوقع على مصالح الولايات المتحدة وبعض حلفائها.
طرح أيضا موضوع ملاحظات سورية. أنا مضطر للرد على هذه التفاصيل فى هذه المناسبة… ولو أنها مناسبة لالقاء كلمة توجيهية تأخذ الطابع البروتوكولى نوعا ما… ولكن يجب أن نرد على كل هذه التفاصيل… عن ملاحظات سورية… قيل انها قدمت لبعض الدول العربية أو غيرها… بهدف اظهار أن سورية معنية بالمحكمة وهى تعرقل. أى أنهم يريدون أن يظهروا بأن سورية تعرقل موضوع المحكمة… الحقيقة لا يوجد ملاحظات سورية… ولم ندرس كل هذه المحكمة منذ بدأ الحديث عنها. وأتى الينا بعض المسؤولين العرب وسالونا ما هى الملاحظات السورية… طبعا من خلال ما سمعوه فى الاعلام أو من خلال ما سمعوه من بعض اللبنانيين. قلنا لا توجد ملاحظات ولكن هناك دراسات قام بها بعض الحقوقيين العرب فى دول مختلفة قاموا بها بشكل طوعى… نحن لا نعرف معظم هؤلاء… قاموا بارسالها الى سورية ولبنان. قمنا بتجميع هذه الدراسات وأرسلناها لكل من سالنا عنها… مع التأكيد لكل من أرسلت له هذه الدراسات بأنها لا تعبر عن موقف سورية ولا
تعنى أنها ملاحظات سورية… هى دراسات ان كنتم تريدون أن تطلعوا على ما هو موجود… فهذا ما هو موجود على الساحة الان… ونؤكد مرة أخرى بأننا غير معنيين بأية ملاحظات وبأى رأى تجاه هذه المحكمة.
أما فى الشأن الفلسطينى… فبذلنا كل الجهود الممكنة لوأد الفتنة الداخلية… وعملنا مع اخوتنا الفلسطينيين من أجل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية… التى نعتبر أن دعمها… وازالة العقبات أمام ممارستها لمهامها… يجب أن يكون فى مقدمة مسؤولياتنا كدول عربية سواء من خلال تقديم العون المباشر لها أم من خلال العمل على رفع الحصار الدولى المفروض عليها وعلى الشعب الفلسطينى والذى يهدف الى دفعه للاستجابة للشروط الاسرائيلية… وفى مقدمتها التخلى عن حق الشعب العربى الفلسطينى فى مقاومة الاحتلال من أجل نيل حقوقه المشروعة فى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة… وعاصمتها القدس… وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى أرضهم. وهذا يثبت من جديد عدم مصداقية اسرائيل فى توجهها نحو السلام… ويؤكد نواياها لتجاوز حقوق الشعب الفلسطينى وحقوق الشعب العربى بصورة عامة.
فى الموضوع الفلسطينى… أمر على نقطة واحدة هى موضوع اللاجئين… لاننا منذ سنوات فى نقاشات مختلفة فى الاعلام وفى لقاءات خاصة بين المسؤولين نسال أنفسنا سؤالا.. هل من الممكن تطبيق هذا القرار…. البعض يطرح امكانية التنازل عنه… وكان هناك قبل القمة العربية حديث موسع عن موضوع سحب هذا البند من المبادرة العربية… طبعا القمة العربية كان قرارها حاسما فى هذا الاتجاه بابقاء هذا البند. لكن النقاش فيه بحد ذاته خطأ لسبب بسيط… لان هذا الحق لم يعط لنا كحكومات… أى لا يحق لنا أن نناقشه لا فى قمة عربية ولا فى اجتماع وزراء خارجية عرب. هو حق لللاجىء.
وأنا سمعت من عدد من الاخوة الفلسطينيين كلاما موضوعيا ومنطقيا وقانونيا بأنها ليست حق حتى الفلسطينى غير اللاجىء. هو حق للاجئين. وحتى الان نعرف بأن اللاجئين لم يتنازلوا عن هذا الحق… وطالما أنهم لم يتنازلوا… لن تكون هناك قوة فى العالم قادرة على الغاء هذا الحق… وعلينا أن ندافع عنه بقوة طالما أن اللاجىء يريد أن يتمسك بهذا الحق.
وبالنسبة لنا فى سورية… فان أسلوب اسرائيل هذا فى التعامل مع قضية السلام غير مستغرب… كما أثبتت ذلك تجربتنا مع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة.
وقد أثير فى السنوات الماضية كلام كثير حول عملية السلام المتوقفة… سمعتم منه الكثير… ولاسيما فى السنة الاخيرة بعد العدوان الاسرائيلى على لبنان… والصمود البطولى للمقاومة… والذى أحدث تداعيات دولية واسعة… دفعت بمعظمها نحو العمل من أجل تفعيل عملية السلام.
فهنالك من تحدث عن ضرورة اغتنام هذه الاجواء المؤاتية… أى بعد الحرب… أو عن اتصالات تجرى فى هذا الصدد… فى السر أو فى العلن… وتحدث اخرون عن سعى سورية الحثيث لاستئناف مباحثات السلام من أجل كسر حالة العزلة من حولها … وغير ذلك من أقاويل وادعاءات يفتقر معظمها الى الدقة.
وواقع الامر أيها الاخوة… أنه ليس هناك أى تقدم فى عملية السلام… كما لا توجد أى اتصالات مع اسرائيل بهذا الشأن… لا سرية ولا علنية ولا غيرها… لان اسرائيل غير مهيأة… سواء على المستوى الرسمى أم الشعبى للسلام العادل والشامل الذى يحتاج تحقيقه الى قيادات قوية تستطيع اتخاذ القرارات الحاسمة… بالاضافة الى رأى عام ناضج فى اسرائيل… يدفع
الحكومات بهذا الاتجاه… ويدعمها فيه. وكلا الامرين غير متوفر الان فى اسرائيل… وخاصة مع وجود حكومة ضعيفة غير قادرة على اتخاذ مثل هذا القرار الاستراتيجى.
وما يهمنا فى هذا الموضوع من خلال وجود حكومة ضعيفة… ليس فقط بأنها غير قادرة على تحقيق السلام… وانما الحكومات الضعيفة فى تاريخ اسرائيل قادرة على شن الحروب… فاذا علينا أن نكون حذرين من هذا الطرح… لا نأخذه بطريقة الاحلام الوردية… وانما هذا بحد ذاته شىء قد يكون غير ايجابى للمنطقة ان كانوا يفكرون بأية أعمال عدوانية تجاه أية دولة فى المنطقة.
ولقد بادر العديد من الاطراف لاداء دور فى دفع عملية السلام… وأبدينا كل ايجابية نحوهم… وشجعنا الجميع على أداء ذلك … ولكن معظم هؤلاء ذهب ولم يعد… نتيجة الرفض الاسرائيلى الالتزام بأسس عملية السلام والضغوط التى تعرضت لها من جانب الادارة الامريكية.
ان موقفنا من عملية السلام… كان ومايزال واضحا وحاسما وثابتا. فتحقيق السلام يجب أن يرتكز الى مجموعة من الاسس … فى مقدمتها وجود معايير لعملية السلام… واستعداد جميع الاطراف للالتزام بمرجعية هذه العملية منذ انطلاقتها فى مدريد عام/1991/وهى مبدأ /الارض مقابل السلام/والقرارات الدولية /242/ و/338/ الصادرة عن مجلس الامن. طبعا أنا أكرر
كلاما… وكلنا بصمناه… ولكن التكرار ضرورى للعالم. وتعبير اسرائيل الواضح وغير الملتبس عن استعدادها لاعادة الارض المحتلة حتى حدود عام /1967/… حيث ان عودة الجولان العربى السورى أمر غير قابل للتفاوض بالنسبة لنا.
كما ان انجاز ذلك يتطلب وجود راع نزيه ومهتم بانهاء بؤر التوتر فى المنطقة… ويمتلك رؤية واضحة وموضوعية لقضاياها… وتتوفر لديه الارادة الفعلية لمعالجتها كأساس لتحقيق الامن والاستقرار فيها. أيضا هذا الراعى الان غير موجود بهذه المواصفات. أما أن تعتبر عملية السلام رهينة لدى الادارة الامريكية تستخدمها كجائزة ترضية أو كمنحة… مقابل مواقف تخدم مصالحها واستراتيجيتها… فانه سيفاقم الازمة… ولن يتمخض عنه سوى سلام وهمى… ينقل منطقتنا الى مرحلة جديدة من الفوضى واللااستقرار… تكون أشد تعقيدا وبؤسا من حال اليوم.
هنا أمر على بعض التفاصيل على ما طرح مؤخرا بالنسبة للاتصالات السرية. طبعا هذا الموضوع… اسرائيل تحاول أن تسوقه من وقت لاخر… منذ سنوات… ولكن طرح بشكل مكثف مؤخرا… وبدأوا يبحثون عن أدلة لكى يحرجوا سورية… بأن سورية كانت فعلا تقوم بمفاوضات سرية. طبعا نحن نفينا فى كل مرة لاننا نرفض هذا المبدأ من الاساس. ولكن لو وضعنا النفى والتأكيد جانبا… وفكرنا أين تكمن مصلحة سورية أو لا تكمن فى هذه المفاوضات السرية. من الناحية السورية… على من نخبىء السر…. العلاقة فى هذا الموضوع هى بين الدولة والحكومة وبين الشعب. فالشعب السورى يدعم حكومته فى عملية السلام وفى المفاوضات… فى الماضى وفى الحاضر… وأتوقع فى المستقبل… فاذا لا يوجد داع لكى نخبىء السر على هذا الشعب.
ولنفترض بأننا قمنا بهذا الشىء… ولاحقا أعلنا عن نتائج معينة… فهذا الشعب سيفقد الثقة بدولته التى كانت تفاوض بمعزل عن معرفته… وهذا يعنى اضعاف عملية السلام… ويعنى بالتالى تحقيق ما تريده اسرائيل بالنسبة لهذا الموضوع. هذا على الجانب السورى…
…أما من الناحية الاسرائيلية… فاسرائيل تريد هذه المفاوضات وتحاول اشاعتها من وقت لاخر مع محاولة اثبات هذا الشىء لانها تريد أن تقول للعرب أولا وللاخرين بأن سورية بلد المبادىء… هذه المبادىء بالنسبة لها مجرد شكل. فى الواقع هى من خلف الستار مستعدة لكى تقوم بأى شىء عكس مبادئها وعكس تصريحاتها وسياستها المعلنة. وبنفس الوقت هذا يعنى أن سورية مستميتة على أن يكون هناك أى اتصال بينها وبين اسرائيل لانها الان ضعيفة وتريد أن تخفف عنها الضغوط… وتريد أن ترضى الادارة الامريكية…والى اخره من هذا الكلام. هذه هى النقطة الاولى. النقطة الثانية… عندما تكون هناك مفاوضات سرية وهذا أسلوب اسرائيلى قديم اتبع قبل التوقيع على أوسلو يعنى أن تكون خارج اطار الرقابة الدولية… وكل من تعامل مع اسرائيل فى موضوع السلام عرف بأنها غير صادقة والبعض من هؤلاء المسؤولين الاوروبيين يقول لنا هذا الكلام علنا فى جلسات غير معلنة… فاسرائيل تهرب أيضا هنا من الرقابة الدولية ومن الفضائح تجاه عدم رغبتها بتحقيق السلام. النقطة الثالثة… تستطيع اسرائيل أن تتنصل من أى شىء تلتزم به… وأيضا هذا معروف عن اسرائيل… فهذه النقاط تدل تماما بأنها لمصلحة اسرائيل وضد مصلحة سورية… وبالتالى بأى منطق نسير فيها…. من غير الممكن أن نسير ضد مصالحنا.
وما طرح عن موضوع الوسطاء أو الوسيط الاخير فأنا أطمئنكم بأنه لدينا العشرات مثل هؤلاء الوسطاء… يأتون الى سورية … البعض منهم جاد… البعض منهم يريد أن يلعب دورا لاسباب مختلفة. طبعا أغلبهم يريد أن يذهب الى اسرائيل أو أن يكون قادما من اسرائيل… ويريد أن يلعب دورا… فنشجعه… ونشرح له بأن متطلبات عملية السلام هى راع نزيه… معايير
معينة… طبعا الارض رقم واحد… الارض لا يفاوض عليها… وأن يقولوا /67/ أو أقل من ال/67/ أى ننطلق من الارض… ان كان الاسرائيليون جادين فى التحرك باتجاه عملية السلام فأول شىء سيقدم لكم هو أنهم مستعدون للانسحاب الى حدود ال/67/ وربما يقدمون خريطة… والى اخره. هم حتى الكلام لم يستطيعوا أن يأخذوه من اسرائيل. فهذه هى قضية الوسطاء بكل بساطة… وسيأتينا الكثير وسنشجعهم وستسمعون نفس الاشاعات… ولكن لم نكلف أى أحد بأن يفاوض نيابة عنا… وانما نشجع أية جهة للقيام بهذا الشىء… ولبعض من نثق بهم من الدول المحترمة التى تريد أن تلعب دورا جديا وفعلا لها مصداقية. طرحوا معنا هذا الموضوع أو هذا النوع من المفاوضات فقلنا لهم ابدأوا بجهودكم… وعندما تصبح الامور ناضجة ضمن المعايير التى وضعناها… فنحن سنعلن… لن تكون مفاوضات سرية… ولكن عليكم أن تأتوا بكل المتطلبات المطلوبة لعملية السلام وأنا سأشرحها الان… وسأنطلق مما طرح عن أن سورية مستعدة للمفاوضات أو للعودة للمفاوضات من دون شروط… فبدأت الكتابات والتصريحات… سورية تنازلت عن كل شىء… وسورية مستعدة لنصف الارض ومستعدة حتى من دون أرض… بأى ثمن ستقبل بالسلام…. هذا موقف سورى جديد ومفاجىء ولم يفهم أحد لماذا… ما هو السر فيه. الحقيقة هذا الموقف السورى هو موقف من قبل عملية السلام… لم تكن سورية فى الماضى تطرح شروطا للسلام… من أين أتت هذه الكلمة…. اسرائيل تقول.. نحن نريد أن نفاوض لكن من دون شروط… فيفهم الاخرون بأن المشكلة ليست لدى اسرائيل وانما لدى سورية… لان سورية تضع شروطا لعملية السلام… فنحن نعرقل العملية… فيأتون الينا ويقولون لنا.. ما هى شروطكم لتحقيق السلام أو للعودة للمفاوضات…. نقول لهم.. لا توجد شروط. فيفاجؤون… كيف لا توجد شروط…. أى أنتم مستعدون للعودة من لا شىء وبأى ثمن…. نقول لهم.. لا. القرار/242/ و/338/ هى ليست شروطا سورية… هى قرارات دولية لم نضعها نحن… فهى شروط دولية وضعت بال/67/ كنا ضدها والان وافقنا عليها من أجل دعم عملية السلام. أما الارض فهى أساس وهى ليست شرطا… والعملية بحاجة لاساس… ومن دون هذا الاساس… لا توجد عملية سلام بالاساس.
أما نقطة المفاوضات… أن تبدأ من النهاية… فنحن نفهم أن مفاوضات السلام هدفها هو اتجاه واحد هو أن نتفق على كل النقاط التى لم نتفق عليها. أما أن نقول بأن عملية السلام هى أن نلغى كل ما اتفقنا عليه ونسير باتجاه الخلف… هذا الكلام غير منطقى. فاذا هذا من البديهيات… فاذا لا توجد شروط… مع ذلك الارض هى أساس لن نتنازل عنها… ستعود كاملة… المفاوضات ستبدأ من حيث انتهت… والنقاط الاخرى بالاضافة لموضوع الراعى النزيه طبعا قرارات مجلس الامن هى مدموجة مع الارض… الراعى النزيه… ووجود معايير… كلها نسميها متطلبات. فاذا نحن نتحدث عن متطلبات لعملية السلام… وليس شروطا… وهناك فرق كبير بين متطلبات وبين شروط. بدون هذه المتطلبات تفشل عملية السلام… ونحن لا نريد أن نفشل عملية السلام… فنحن نتحدث عن متطلبات… أما شروط… فلم تطرح سورية فى يوم من الايام شروطا منذ بدأنا بالحديث عن عملية السلام فى عام /1974/ فأتمنى ان تكون هذه الفكرة واضحة… المتطلبات شىء والشروط شىء
اخر… لا توجد شروط سورية ولكن توجد متطلبات هى أسس وثوابت ولن تتنازل عنها سورية أيضا تحت أى عنوان.
وفى هذا الاطار… جرى حديث كثير حول عزل سورية… وحول الحاحها على السلام من أجل كسر عزلتها… أو اتخاذها لهذا الموقف أو ذاك تجاه القضايا المطروحة لفك طوق العزلة عنها… وهو كلام مناقض للواقع… لان السلام لدى سورية هو خيار استراتيجى… وليس تكتيكا… كما أن دعوة السلام عندها دعوة مبدئية تعبر عن ارادتها ويقينها وعملها على استعادة
أرضها المحتلة وتحقيق الامن والاستقرار لشعبها وشعوب المنطقة. وقد جرى اختبار عزلنا ولم يصادف سوى الفشل… والوقائع أثبتت أن من يريد أن يعزل سورية فهو يعزل نفسه عن قضايا المنطقة… لان سورية لها دورها ومكانتها. وهذا لم يأت منة من أحد… بل فرضه موقعها وتاريخها ونضالات شعبها.
ان العزل يتحقق فعليا ويؤتى ثماره لدى من رهن نفسه وقرار بلاده للاجنبى. أما من ربط مصيره بشعبه وبتاريخ بلاده… فلا يمكن لاحد أن يعزله… سوى الشعب نفسه.
وبدلا عن تقييم حالة العزل… وأنا هنا أقصد سورية… من خلال استمرار زيارات بعض المسؤولين الى سورية وانقطاعها… حيث ان عدم مجيئهم لا يعزلنا… وزياراتهم لا تفك العزلة ان كانت موجودة… وهذا كله يخضع لاعتبارات لا تمت بصلة لمكانة البلاد ودورها… علينا أن نعرف… أن ما يعزلنا… أيها الاخوة… هو فقدان التعبير عن ارادة شعبنا… فقدان الصلة العضوية بمصالحه الحيوية ووجدانه الوطنى. والاهم من ذلك فان ما يعزلنا هو فقدان ارادتنا للتمسك بمكانتنا ودورنا المرتبطين بحقوقنا وكرامتنا.
أما تصريحات البعض عن الرسائل الخاصة… التى نتلقاها عبر زيارة هذا المسؤول أو ذاك الى سورية… وهذا سمعناه مؤخرا… بأن زيارة بعض المسؤولين الى سورية تعطى الرسائل الخاطئة… كلما زارنا مسؤول نأخذ رسائل خاطئة… فعلى الجميع أن يعلم أننا فى سورية لا نبنى سياساتنا على الرسائل… بل على الوقائع وعلى الحقائق… كما ان عليهم أن يعرفوا أن رسائلهم فى أى اتجاه ذهبت… غير قادرة على تغيير توجهاتنا ما لم يتغير الواقع الذى نعيشه… وبالمنحى الذى تريده شعوبنا.
نحن مع الانفتاح على الجميع… ونسعى لعلاقات جيدة ومتوازنة مع الجميع.
نحن مع الحوار الذى يحترم عقولنا وارادتنا… والعلاقات التى تحترم سيادتنا. نحن مع الحوار دون شروط مسبقة… دون التنازل عن الحقوق والكرامة… انه الحوار الذى لا يحتمل الخضوع للاملاءات… أو مسايرة الاخرين على حساب مصالحنا.
أيها الاخوات والاخوة..
لقد أثبتت السنوات الماضية… بما حفلت به من أزمات… أن منطق القوة فى العلاقات الدولية… ونهج الحروب الاستباقية… لا يوفر الامن والسلام لاحد… بل هو يفاقم من عوامل التوتر والصراع… وأن نظرة الاستعلاء والتزمت التى تؤسسها… والاملاءات التى تعتمدها… غير قادرة على تغيير الواقع بالشكل الذى تأمله شعوب المنطقة. كما برهنت أن معالجة موضوعية للمشكلات القائمة… تستوجب البحث فى الاسباب الحقيقية للصراعات… دون القفز فوقها جهلا أو تجاهلا… لان من شأن ذلك أن يعمق الازمات القائمة عوضا عن أن يعمل على حلها.
كما أثبتت هذه السنوات… من جهة أخرى… أن ارادة الصمود… قادرة على فرض ذاتها… مهما بلغت التحديات… ومهما توفر للخصوم من امكانات مادية وتقنية… وأثبتت… فى مواجهة جميع المشككين… أن تماسك الشعب ووحدته خلف عناوين وطنية كبيرة… واستعداده للبذل والعطاء… قادر على فرض وقائع جديدة على الارض… أكثر رسوخا ودلالة من أن يتجاهلها هؤلاء… أو يتمكنوا من القفز فوقها… وأنا هنا لا أتحدث عن تجارب الدول الاخرى المحيطة بنا… الشقيقة أو المجاورة… أنا أتحدث عن تجربتنا مع الشعب السورى خلال السنوات الماضية… وهذا واقع وليس مجرد كلام نظرى.
لقد تمكنت قوى أمتنا الحية من كسر شوكة المؤامرات… غير أن المؤامرات لم تنته… بل هى تتجدد فصولا يوما بعد يوم… لذلك لابد من اليقظة والحذر… ورص الصفوف ونبذ أسباب الفرقة والانقسام داخل صفوفنا… لابد من التصدى لكل الاصوات الخارجة على اجماع شعبنا على امتداد الساحة العربية… والتى تزين الخنوع والاستكانة والارتباط بمشاريع الاخرين… وكأنه الذهاب بمنطقتنا الى الجنة. وفى هذا الاطار صدر التقرير الاخير فى اسرائيل الذى يتحدث عن الهزيمة الاسرائيلية واخفاق الجيش الاسرائيلى… فى الوقت الذى كانت بعض الاصوات العربية تتحدث عن هزيمة لبنان… وأنا أعتقد بأن هذا التقرير أدان هؤلاء قبل أن يدين أى مسؤول اسرائيلى أو يحمله المسؤولية عن الحرب.
علينا أن نعزز علاقاتنا مع أشقائنا العرب الذين يقاسموننا الامنا ومصيرنا… والذين يرون معنا… أن لا مستقبل لهذه الامة الا بالوحدة والتضامن والتنسيق. وما يبعث الامل فينا… أن الوضع العربى… بالرغم من كل ما نسمعه من انتقادات من المواطنين الذين تمثلونهم أو فى دول عربية أخرى لهذا الوضع… فانه فى الاونة الاخيرة… أفضل حالا من ذى قبل نسبيا… لكى نكون واقعيين… بفضل الجهود التى يبذلها الجميع لتغليب ما هو أساسى على الثانوى… وما هو مصيرى على ما هو طارىء… ونحن على ثقة بأن مثل هذه الروح الايجابية فى العمل العربى ان استمرت… كفيلة بايجاد الحلول الملائمة للكثير من المشكلات التى تواجهنا.
أيها الاخوات والاخوة أعضاء مجلس الشعب..
أيها الاخوات والاخوة أعضاء مجلس الشعب..
ان لكم دوركم… من موقع مسؤولياتكم الوطنية… وتعبيركم الصادق عن ضمير الشعب… فى صيانة الاستقلال الوطنى والدفاع عن سيادة الشعب… ومواجهة محاولات التدخل الخارجى مهما تكن المبررات والذرائع. ان لكم دوركم فى تكريس ثقافة المقاومة لمواجهة ما تتعرض له الامة من تحديات تهدد وجودها وهويتها. ان لكم دوركم فى التمسك بحقوقنا وثوابتنا… وفى النضال حتى استعادة جولاننا جزءا غاليا من الوطن الام سورية الابية.
فى الختام أيها الاخوة… أتمنى لكم كل التوفيق فى العمل لخدمة الشعب وتلبية تطلعاته… وأن تكونوا عند حسن ظنه بكم بما عقده عليكم. وان نجاحكم فى العمل لصالح الوطن والمواطنين… هو ما سينتظره الشعب منكم… وعبره ستحوزون تهنئته الحقيقية ومباركته الصادقة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكان السيد الرئيس وصل الى مجلس الشعب وكان فى استقباله عند مدخل المجلس الدكتور محمود الابرش رئيس مجلس الشعب ثم عزف النشيد الوطنى واستعرض سيادته حرس الشرف.
بعد ذلك صافح الرئيس/الاسد/كبار مستقبليه السادة عبد الله الاحمر الامين العام المساعد لحزب البعث العربى الاشتراكى وفاروق الشرع والدكتورة نجاح العطار نائبى رئيس الجمهورية ومحمد سعيد بخيتان الامين القطرى المساعد للحزب والدكتور سليمان قداح نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية والمهندس محمد ناجى عطرى رئيس مجلس الوزراء.
كما صافح الرئيس/الاسد/نائب رئيس مجلس الشعب ومكتب المجلس.
وحضر الجلسة السادة أعضاء القيادتين القومية والقطرية للحزب والامناء العامون لاحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والوزراء والمفتى العام للجمهورية وأمناء فروع الحزب والمحافظون ورؤساء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والفعاليات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأعضاء السلك الدبلوماسى العربى والاجنبى المعتمدون بدمشق وحشد من مراسلى وكالات الانباء وشبكات التلفزة والاذاعة المحلية والعربية والاجنبية.
بعد ذلك صافح السيد الرئيس أعضاء مجلس الشعب كما صافح الامناء العامين لاحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وغادر مبنى مجلس الشعب بالحفاوة.