الثورة – أديب مخزوم:
تبرز الفنانة التشكيلية هند زلفة في أعمالها خصوصية أسلوبية وقدرة في الحفر والطباعة والرسم والتشكيل النسيجي، من غير أن تقع في أفكار مستهلكة، فهي تقدم في الغالب أجواء شكلية تعبيرية لا تعتمد على التنويع في الألوان إلا فيما ندر، لأنها في الغالب تعتمد على لون واحد، هو مزيج بين الأحمر والبني المحروق، واللوحات التي اتخذت منحى مختلفاً، هي تلك التي ترسمها بألوان مائية، ذاهبة إلى البحث عن تركيب المساحة الشفافة والشاعرية، بحيث تدخل في محاولة التخلص من الفراغ أو البياض، الذي هو جزء في لوحاتها المطبوعة والمرسومة بأقلام التلوين.
وتبدو الوجوه والأشكال الإنسانية التي تجسدها، وكأنها جزء من الواقع الشرقي بفلكلوره وروحانيته، وعلى هذا فهي تعتمد التشكيلات، التي تمتد إلى أصول تراثية شكلية، وتعتمد حركات خطية متوازية وأفقية وأسلوباً تلميحياً وتبسيطياً للوجوه والأشكال.
ولا تبتعد لوحاتها المرسومة بأقلام التلوين عن أجواء رسومات محفوراتها، فهي في كلتا التجربتين تذهب إلى تخطيطات انفعالية وتشكيلات لونية محددة في فضاء أبيض. ففي حين كانت تعتمد في السابق أكثر على حركة الأسود وتدرجاته، والألوان الداكنة في محفوراتها، تبدي الآن رغبة بتقديم أجواء لونية أكثر تنويعاً في استخدام الألوان المائية التي تشكل أساس تجربتها السابقة، فلا يقتصر اعتمادها هنا على تناثر البقع والإيقاعات الرمادية في المساحة وتداخلها مع الأبيض، بل تعتمد على المساحات اللونية الشفافة التي تبدو مستقلة عن الفراغ الأبيض.
وهند زلفه ( التي أقامت عدة معارض فردية ومشتركة قي سورية والخارج) تذهب في لوحاتها المائية إلى اكتشاف نظام لوني فيه حركة الأشكال، بل وتذهب قبل أي شيء آخر إلى سبر أغوار الفراغ الذي سيطر على تجاربها السابقة. ولعل هذا الإيقاع أو تلك الرغبة البادية في ابتداع تكوينات جديدة متملصة من رمادية تجاربها الأخرى تضفي حركة راقصة تذهب إلى بلورتها بالتكوينات الفولكلورية، التي تتهافت بعفوية كاملة تعبر بتلقائية عن انفعالات شاعرية، نرى فيها امرأة أو مشهداً معمارياً شرقياً يذهب في تعبيريته إلى تأليفات لونية وتكوينية متمكنة من الخلق والابتكار.
ولقد اعتمدت في لوحاتها النسيجية أسلوب التجريد النسيجي على الأرجح، أو أسلوب العمل الفني المتجاوب مع الفن الحركي، لأنها تركت في اللوحة مجموعة من الخيوط الصوفية المتهدلة أو الحرة، والتي يمكن أن تتحرك مع الهواء، وبذلك يتبدل وضع بعض العناصر البصرية، وتتبدل الألوان وفق حركة تموجات الخيوط والأضواء في الفراغ المحيط باللوحة، وتلك التبدلات اللونية والضوئية تتناغم وتتحاور مع الطبيعة اللونية العامة المتجهة نحو الألوان الزرقاوية السماوية، ولعل هذه الفكرة التي انطلقت منها، تجعلنا نتذكر نوافذ الفن النسيجي الذي أطلقه في منتصف الأربعينات الفنان الفرنسي (جان لورسا) الذي يعتبر واحداً من رواد ظهور النهضة التجريدية في الفن النسيجي الحديث.
هند زلفه من مواليد دير عطية، عملت في التدريس الفني، في كلية الفنون الجميلة، منذ سنوات طويلة، ولقد شاركت في العديد من المعارض الجماعية الرسمية والخاصة، وتميزت تجربتها بالتنوع في استخدام التقنيات، إلى درجة الخروج عن إطار المألوف والمطروح، وخاصة في أعمالها النسيجية.