الثورة – فاتن أحمد دعبول:
كثيراً ما نبحث عن كلمة تعبر عن معنى يراودنا، فلا نجد الكلمة التي تطابق ما تنطوي عليه نفسنا من الدلالة، وهذا يقودنا إلى البحث عن كلمة أخرى قريبة نلبسها المعنى الذي نريد، أو نترك الجملة التي تحتاج إلى هذه الكلمة، ونستبدلها بجملة أخرى تفي بالغرض.
يقول د. مازن مبارك في المحاضرة التي استضافها مجمع اللغة العربية والتي حملت عنوان “وقفة مع التراث في المنهج والألفاظ” محاولاً رسم خطة منهجية للكتابة والبحث من خلال الاستعانة بالتراث وما جاء به من قواعد اللغة، ويقدم لنا خلاصة تجربته في الكتابة التي امتدت لأكثر من ستين عاماً، يقول:
علمتني ممارسة الكتابة أن الكاتب كالصياد، تحوم الكلمات مترددة في ذهنه ليختار ما يناسبه للتعبير عن مراده، وتتجلى مهارته في حسن اختياره للكلمات الملائمة للمعنى، وربما لا تطرق الكلمة المطلوبة بابك حين تريدها، لكنها تحوم مع غيرها كأسراب الطيور، وعليك أن تستعرضها لتصطاد منها ما يلائم ويروق لك.
ومن خبرته بين أن إلباس المعاني ما يناسبها من الألفاظ هي مهارة تكتسب وتصقل من معاشرة الفطرة السليمة والتزود بثروة لغوية واسعة لاكتساب القدرة على الاختيار من الألفاظ ما يناسبها من المعاني، بلغة حلوة معبرة عما نريد تقديمه.
ويضيف: لا شك هذا يتطلب المزيد من البحث ومراجعة المعاجم، والعودة إلى التراث، ونتاجات علماء اللغة من مثل” ابن قتيبة، الجاحظ، وابن جني وغيرهم..”، فقد أوردوا في غير مكان من كتبهم، الكثير من قواعد اللغة والألفاظ التي تعد مرجعاً للدارسين والباحثين والكتّاب، ومن يقرأ لابد سيقف عند الكثير من الألفاظ التي يظنها البعض أنها عامية، بينما هي عربية فصيحة، وهذه الكلمات يجب إحياؤها وبيان أنها صحيحة فصيحة.
ويأخذ مبارك على بعض الدارسين عدم تعمقهم في البحث، وأن معظمهم لا يقرأ من الكتاب إلا الموضع الذي يعنيه، دون الاطلاع على الكتاب جميعه، فإذا لم تستوف قراءته وتستوعب صفحاته، ضاعت ثروة كبيرة نحن اليوم في حاجة إليها، وزاد الأمر صعوبة لجوء الباحثين والعلماء إلى الحواسيب والشابكات للحصول على المعلومات، وهذا لا يفي بالغرض ولا يوثق بإتقان وضبط صحيح.
ويصل إلى نتيجة مفادها أن معرفتنا بأساليب القدماء في مؤلفاتهم يساعدنا في تصحيح الكثير مما نقل عنهم خطأ، لتوزع الموضوع الواحد على أبواب مختلفة، وأيضاً يزودنا بمفردات وألفاظ وردت في غير أبوابها المعجمية، وبمفردات لم ترد في المعاجم.
ويعرض بدوره بعضاً مما وقف عليه من تلك المفردات التي وردت في كتب التراث وأهملتها المعاجم، أو وردت في المعاجم إما في غير معناها أو مما أهملناه ولم نستعمله، ومن هذه الكلمات” الأفندي” وتعني السيد الكبير، انتشر استعمال الكلمة زمن العثمانيين، كلمة ” أوادم” من معانيها المحبة والاتفاق، أما كلمة” بح” فتعني نفاد الشيء وفنائه، وكلمة” البرادة” وتعني الإرسال بالبريد.. وغيرها كثير من الكلمات التي أهملت وهي فصيحة.
ونصل من خلال هذا البحث إلى أهمية دور الكاتب والمثقف في إحياء كنوز لغتنا ومسح عاديات الزمن التي حاولت إهمالها، وذلك بالعودة إلى استخدامها لتكون إضافة غنية للغتنا التي لا ينضب معينها، بل تتجدد كل يوم بفضل أبناء جلدتها الغيورين على حضورها في نتاجاتنا الأدبية وفي المنابر الثقافية المحلية والدولية.
ونلفت إلى أنه تم الإعلان في بداية المحاضرة على منح الثقة للدكتور محمود السيد في انتخابه رئيساً لمجمع اللغة العربية، خلفاً للدكتور مروان محاسني رحمه الله.