يوماً بعد آخر، تزداد تكاليف إنتاج اللوحة والمنحوتة والمحفورة، حتى وصلت إلى أرقام كبيرة، جعلت العديد من الفنانين غير قادرين على مواصلة الإنتاج والعرض، لاسيما وأن أسعار العمل الفني تضاعفت أيضاً عشرات ومئات المرات، وهذا أثر بشكل سلبي على تسويقه في الصالات الخاصة والعامة، وفي هذا السياق نشير إلى أن معظم الصالات أو المحال التي كنا نعتبرها تجارية، قد تحولت إلى أعمال أخرى، بعد توقف تسويق الأعمال الفنية، هي التي كانت تساهم في تسويق أعمال لبعض فنانينا المعروفين، من خلال المحافظة على أساليبهم الحديثة والخاصة (والتي تقع بين الانطباعية وأقصى حالات التجريد اللوني) ودون أن يقدموا أي تنازلات فنية.
والمؤسسات الثقافية الرسمية المعنية، لايمكن أن تساهم في هذه الظروف الصعبة إلا بدور محدود في تحريك الحياة الفنية، من خلال الدعوة للمشاركة في المعارض الجماعية، وذلك لأن مساعداتها المالية الناتجة عن اقتناء العمل الفني موسمية ورمزية، ولا يمكن للفنان المتفرغ لعمله الفني الاعتماد عليها، ودفع تجربتة الفنية في خطوات تطويرية، على الصعيدين التكويني والتقني.
والجهات المعنية قد توقف عمليات الاقتناء من معارضها الرسمية، بسبب تفاقم الأزمة ايضاً، مع الإشارة إلى أن معظم الفنانين المتفرغين للعمل الفني، لايشاركون في المعارض الدورية الرسمية، وبالتالي وبخلاف مايتصوره البعض لايستجدون مكافأة مالية رمزية ثمنا لعملهم، رغم أن هؤلاء يعيشون اليوم أسوأ أيامهم، بعد شلل صالات العرض الخاصة، وإغلاق بعضها، وتراجع حالات تسويق اللوحة والمنحوتة والمحفورة.
هكذا يأخذ الفنان قراره المتسرع في أزمنة الازدهار الثقافي ويترك عمله الوظيفي، في التصميم والإخراج والإعلان ورسم الموتيف الصحفي، وسوى ذلك، ليتفرغ لعمله الفني، وليدفع ثمناً باهظاً هو وعائلته من وسائل حياته ومعيشته. ورغم كل الصعوبات والعقبات وارتفاع أجور نقل الأعمال الفنية، وخاصة بين المحافظات، فالمعارض مستمرة في المراكز الثقافية، وفي بعض الصالات العامة والخاصة، بعد إغلاق المراكز الثقافية الأجنبية، التي لا يمكن أن نتجاهل دورها قبل الحرب، في تحريك النشاط الفني، وفي تسويقة والتعريف به والترويج له بمطبوعات وبوسترات مميزة ولافتة.