قد يكون من السهل وضع خطة نظرية ببنود عديدة بهدف الوصول إلى التوظيف الأمثل لفائض السيولة المتراكم في عدد من المصارف العامة والذي لا يجد له طريقاً مناسباً للاستثمار وتحقيق عوائد وريعية تساهم في تنمية تلك الأموال وتحقيق نسب تنمية حقيقية..
ولعل أول الأسباب الكامنة وراء ذلك هو ارتفاع عامل الخطورة في عمليات إقراض تلك الأموال سواء للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر أم لغيرها من المشروعات التي تحتاج إلى تمويل.
والعامل الآخر الذي يحول دون تحقيق الأهداف المرجوة من توظيف السيولة المصرفية يكمن في عدم توافر الضمانات الكافية لكفالة تلك القروض رغم التسهيلات المعلن عنها في إقراض المشاريع الصغيرة وحتى غيرها من المشاريع الصناعية..
وبالنظر إلى ما سبق نجد أن الحالة التي يشهدها الاقتصاد الوطني حالياً هي التي تعمق حضور هذين العاملين المنفرين اللذين يحولان دون الاندفاع نحو فتح الباب واسعاً لتمويل مشاريع إنتاجية من مختلف الأحجام والمستويات..
يضاف إلى ذلك بعض التعليمات والقوانين التي تحكم العلاقة بين المصرف والعميل المقترض، لجهة الثبوتيات والأوراق وحتى دراسات الجدوى الاقتصادية، إلى جانب بعض الاشتراطات المتعلقة بالتراخيص والموافقات لجهات إدارية وبلدية..
وبالتالي فإن الحديث عن وجود فائض كبير من السيولة في عدد من المصارف العامة لا يستدعي بالضرورة الذهاب مباشرة باتجاه فتح باب التمويل وتسييل تلك الموجودات على شكل قروض تنموية دون التهيئة الكاملة للبيئة المرتبطة بعملية الإقراض من جهة ومن جهة ثانية بيئة الاستثمار بمختلف مستوياته الصغير ومتناهي الصغر والأكبر، بحيث لا يكون هناك ما يؤثر في بيئة الاستثمار ويتسبب بحدوث خلل في مسيرة عمل الاستثمارات تؤدي بالنهاية إلى التعثر والتوقف عن سداد القروض..
إذاً هي حزمة متكاملة ترتبط ببعضها ولا يكفي أن نقول إن هناك تسهيلات قدمت لتمويل المشاريع التنموية من دون أن يرتبط ذلك مباشرة بإعادة النظر ببعض ما يعيق المشروعات من إجراءات إدارية وموافقات واشتراطات بعضها لم يعد يتناسب مع الحاجة الماسة اليوم للتوسع بالعملية الإنتاجية في البلاد لأبعد مدى ممكن..
وفي ضوء ذلك قد يكون من الأفضل أن يبقى فائض السيولة في المصارف من دون تحريك على أن يتم تبديده على شكل قروض لمشاريع قد لا يكتب لها النجاح والاستمرارية.. وبالتالي عدم ضمان استعادة المصارف للأموال التي أقرضتها.
إن فعل التنمية يحتاج إلى مقدمات صحيحة ترتبط بمنظومة عمل متكاملة قانونية وتمويلية وتنظيمية وإدارية ولا يمكن الحديث عن جانب وحده بوصفه حاملاً للتنمية، من دون أن تسهم باقي الأطراف بتقديم دورها في هذه العملية..