ما أذكره عن تلك الانتخابات شئياً ما أقرب للخيال .. أتذكر في بيتنا قطع ورق بيضاء لامعة طبع عليها عدة أسماء أقدر أنهم كانوا ثلاثة .. أحفظ منهم اسم المرشح الذي كان سينتخبه أبي “فاضل الكنج ” وأحفظ أنه كان مرشح الحزب السوري القومي أو مرشح القوميين كما كنت أسمع .. ولم ينجح .. ضيع جهود أبي – رحمهما الله – .
أقدر اليوم، بعد نحو 68 عاماً على تلك الانتخابات .. أنها كانت في عام 1954 بعد التمرد الذي أنهى رئاسة المرحوم أديب الشيشكلي .. أجريت الانتخابات على أساس أكثري وفقاً لقانون الخمسين .. ورغم أن سورية كانت تزخر بحياة سياسية نشطة .. وجرت الانتخابات على أساس الأحزاب .. وأسمعت وقع الخطى لحزب البعث العربي الاشتراكي .. كحركة سياسية طليعية يمثل تطلعات القومية العربية في حينه .. إلا أن الانتماءات العشائرية والطائفية لم تغب عن المنتمين لمختلف الأحزاب والمقترعين ..إنما .. كانت تجربة حقيقية تمثل طيفاً للديمقراطية السياسية..
أعي تماماً.. شباباً ورجالاً من قريتنا، يلتفون حول الراديو الضخم الذي كان يجلس على بطارية أيضاً ضخمة وهو ينقل جلسة ذاك البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية السورية ونجح المرحوم شكري القوتلي على حساب المرحوم خالد العظم الذي كان أبي لسبب أو لآخر يتعاطف معه..
جمهورية شكري بك القوتلي هذه كانت تجربة ممتازة ومميزة.. وشهدت سنواتها الأربع “1954 – 1958” فترة نهوض وتألق حقيقيين ..سياسياً واقتصادياً.
لكن لا هذا التألق ولا ذاك النهوض استطاع أي منهما أن يحمي استمراريته.. ففي مطلع 1958 بايع شكري بك الرئيس جمال عبد الناصر بسورية.. وأقاما نواة الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الشمالي “سورية” والجنوبي “مصر”.
الحقيقة أن دوافع الوحدة العربية لم تكن وحدها التي دفعت لذاك الحدث التاريخي الكبير .. بل أيضاً الهروب من تطورات الواقع السياسي في سورية.. والحقيقة الثانية.. ورغم أني أعي وأتذكر حتى اليوم ذاك الذي جرى .. فأنا الأن أكتب تاريخاً مسجلاً يخرج عن طبيعة ومهمة هذه المقالة..
أعود بكم إلى المشاهدات التي أتذكرها..
ذاك العام 1961 .. فتخت المدارس أبوابها في 4 تشرين الثاني .. هروباً من غضبة الشارع السوري على الانفصال وكنت في الصف التاسع وتقدمت إلى امتحان الشهادة الإعدادية .. أو البروفيل أو الكفاءة .. كان لها عدة أسماء وكوني اجتزنها فأنا جدير بأن أروي .. كيف رجعنا إلى الديمقراطية مرة أخرى .. واستجرنا بها بدلاً من عبد الناصر .. وانتخب أبي – بكل أسف- مرشح عشيرته وليس حزبه السياسي..
كان ذلك تراجعاً كبيراً تراجعت بعده تلك التجربة الديمقراطية، فيما أقول ثمة انفعال من قول شقيق لبناني اليوم: إن لبنان صاحب أقدم ديمقراطية في المنطقة .. وأقول: بل نحن .. !!!
As.abboud@gmail.com