الثورة- تحليل ريم صالح
مشهد الأحداث الراهن في أوكرانيا، والعداء الغربي المتصاعد ضد روسيا، يشير إلى أن القارة العجوز تتجه نحو مزيد من التوترات والقلاقل والحروب المفتعلة والمدبرة أمريكياً، ويشير أيضا إلى أن الاضطرابات الأمنية والاقتصادية ستبقى ترخي بظلالها على المشهد الأوروبي المتأزم حالياً بفعل التحريض الأوروبي المستمر للنظام الأوكراني، المرتهن بدوره لراعي الخراب الأمريكي.
“الناتو” بقيادة أميركا يحشد كل إمكانياته العسكرية والاقتصادية ضد روسيا لإنهاكها وإضعافها من البوابة الأوكرانية، ويتجاهل كل مطالبها الأمنية المشروعة، عبر التمادي بإجراءاته الاستفزازية للتمدد والتوسع نحو الشرق، وطلب فنلندا والسويد الانضمام لهذا الحلف، وتعهد الأخير بالقيام بكل ما يلزم لتسريع عملية انضمام تلك الدولتين، يصب في خانة النزعة الاستعمارية التوسعية للدول الأوروبية المنضوية تحت راية هذا الحلف، والتي بات قسم كبير منها تحن إلى عهودها الاستعمارية السابقة.
ولعل السؤال الأهم: ما الذي يمكن أن نفهمه من إعلان الاتحاد الأوروبي زيادة إنفاقه العسكري بـ 200 مليار دولار، وهل سيجدي ذلك نفعاً حقاً، أم أنه على الباغي ستدور الدوائر، إذ لا قدرة لدول الاتحاد الأوروبي مجتمعة مواجهة روسيا، بدليل تشبث تلك الدول بمظلة الحماية الأميركية على حساب سيادة قرارها، وأمن ومصلحة شعوبها. وهذا يقودنا إلى أن الهدف الأوروبي في المدى البعيد هو محاولة إيجاد ثقل على الساحة الدولية، لاسيما وأن التكتل الأوروبي فقد تأثيره السياسي والعسكري منذ لحظة ارتهانه للسياسة الأميركية، ولم يعد له أي وزن يعتد به، ويعتقد بأن زيادة إنفاقه العسكري ربما يؤدي في نهاية المطاف إلى إيجاد نوع من الاستقلالية، بعيدا عن الإملاءات الأميركية، وقد وجد الساحة الأوكرانية فرصة لتجريب حظه باعتماد نهج مستقل، ولكنه ما زال يتجاهل حقيقة أن روسيا دولة كبرى، يستحيل عليه تحقيق أحلامه عبر معاداة هذه الدولة، التي تعد بمثابة شريان غازي تمده بكل لوازم الطاقة التي يحتاجها.
كذلك فإن خطوة الاتحاد الأوروبي بزيادة إنفاقه العسكري إلى 200 مليار دولار قد تقرأ في مسارين آخرين، فإما أن هذا الإجراء هو خطوة تصعيدية الهدف منها المضي قدماً في مسار الحرب المفتعلة التي تشهدها القارة العجوز، وبالتالي كان لا بد من رفع المخصصات المالية المعدة لهذا الغرض، وإما أن أوروبا قد بدأت مؤخراً تتحسس هزيمتها، وتتلمس ضعفها، وبأنها من المحال أن تنال غايتها العدوانية، هي وسيدها الأمريكي من الخصم الروسي، فكان بالتالي لابد من الاهتمام بهذه الجزئية، ونعني بها الجانب التسليحي لدول الاتحاد الأوروبي، والإنفاق العسكري اللازم، وذلك للنهوض بدول الاتحاد من القاع إلى السطح المأمول له أمريكياً على الصعيد التخريبي الفوضوي الهدام.
أمريكا تفعل كل ما في وسعها لتأجيج أتون النيران المشتعلة أصلاً على الخشبة الأوروبية، تحاول مد حبال وشراك خبثها على طول الحدود الروسية وعرضها، وتسعى أيضاً لحصار موسكو، والإطباق عليها عبر تفخيخ الدول المجاورة بقواعد عسكرية، دون أن ننسى أيضاً محاولاتها المستمرة للاستثمار في أنظمة هذه الدول الأوروبية، وتحويل متزعميهم السياسيين إلى مجرد كاراكوزات ينفذون مشيئة الأمريكي، وأجنداته العدوانية حيال موسكو لا أكثر ولا أقل.
المؤكد لنا جميعاً أن الولايات المتحدة بأحاديتها، وهيمنتها، ومعها طبعاً أنظمة أوروبية منقادة هي السبب الرئيسي لكل ما تعانيه، وتكابده شعوب العالم والمنطقة، فمن منا لم يسمع أو لم ير جرائم أمريكا، وحروب إبادتها الوحشية التي شنتها على أكثر من مكان من أراضي المعمورة؟، ومن منا لم يسمع بجرائم الاحتلال الفرنسي، والبريطاني، بل ولم يقرأ الكثير من المجلدات التي تناولت النازية بالكثير من التحليل والتمحيص.
من هذا المنطلق لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن موسكو قد أصابت بيت القصيد عندما قالت: إن أعمال الدول الغربية قوضت الاستقرار الاستراتيجي في أوروبا والشرق الأوسط، وفي العالم عموماً.
الكلام هنا كان على لسان سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، الذي لخص ما تشهده المنطقة والعالم من إحداثيات وتوترات مفتعلة بالقول: إنه وبالمحصلة، تم تقويض الاستقرار الاستراتيجي في أوروبا والشرق الأوسط، وتقويض البنية الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وبنتيجة حرب العقوبات التي شنت ضد روسيا، فقد تزعزع بشكل حاد الوضع الاجتماعي والاقتصادي في جميع أنحاء العالم، ودفعت العديد من الدول إلى حافة المجاعة.