الثورة – تحليل لميس عودة
لم يعد بمقدور “المارد الأميركي” الخارج من قمم السطوة والتفرد بالقرارات العالمية والمتسلل كلص متمرس من ثقوب شلل المجتمع الدولي وتلاشي فعالية قرارات منظماته, قادراً على رتق تصدع جدران “الإمبراطورية” ورتق ثقوب تآكل هيبة مسفوحة لدولة من المفروض أنها “عظمى” لكن يأبى حكامها إلا وسمها بالشر المطلق وبسلوكيات قطاع الطرق الدوليين المارقين على القوانين والمنفلتين من عقال الضوابط الإنسانية والأخلاقية.
من أفغانستان التي تركتها واشنطن بعد احتلالها لعقدين زمنيين في مهب الإرهاب وتركت الحبل فيها لإرهابيي طالبان على غارب إجرامهم, إلى العراق التي غزتها تحت ذرائع كاذبة وارتكبت فيها مجازر يندى لها جبين الإنسانية, إلى سورية التي تحتل أجزاء من أراضيها وتمارس فيها طقوس اللصوصية ونهب ثرواتها, إلى أوكرانيا التي تزج بها حتى اللحظة الراهنة في أتون حرب عبثية خدمة لأجندات تمدد هيمنتها وتوسيع نفوذها الاستعماري وتهديد أمن روسيا الاستراتيجي, إلى الصين التي ترفع في وجهها ووجه موسكو سلاح العقوبات المسيسة, تتجلى معاني “ديمقراطية” أميركا المسمومة وتتضح صورة تربعها على عرش الإرهاب العالمي أكثر وأكثر.
كذبة الديمقراطية الأميركية لم تعد تنطلي على أحد، وما جاء في مجلة فورين بوليسي بأن ديمقراطية أميركا معيبة وعرجاء ومثار تهكم وتندر عالمي يندرج في نفس السياق وهو توصيف دقيق, بل أبعد من ذلك يذهب المقال إلى إيضاح كيف أن دولاً كثيرة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا غير مقتنعة بما تسوقه واشنطن من ترهات بأن روسيا يجب فصلها من النظام العالمي, وبرأي كثيرين في العالم حسب المجلة الأميركية فإن الديمقراطية الأميركية هي ديمقراطية مريضة بشكل خطير وتحتاج إلى شفاء نفسها أولاً.
كثيرة هي الدول التي باتت تنفض عنها لوثة الديمقراطية الأميركية وترى أن واشنطن بيت الداء العالمي تقيس الأمور وتفتعل أزمات عالمية على مقاس أهوائها وانعدام تبصرها بتغيير المزاج العالمي وصحوة الكثيرين وإدراكهم لمآلات الفوضى التخريبية التي تريد أميركا توشيح العالم بها والعبث باستقرار الدول.
على اتساع الرقعة الدولية وعلى امتداد مساحة الرفض لتجبرها وتمدد هيمنتها تبتلع أميركا اليوم أشواك هزائمها، وتغص بحقيقة أفول تحكمها وتسلطها بالقرارات العالمية, وترى بأم أعين أركان حروبها كيف تتسارع خطوات إقصائها عن الأحادية القطبية ببروز أقطاب جديدة متزنة ولها ثقلها العالمي تعدل اعوجاج الميزان الدولي.