الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
يمر العالم بتغييرات هائلة، لفهم هذه التغييرات، يجب أن نفهم الأسباب الكامنة وراءها، حيث تظهر هذه التغييرات الرئيسية أيضاً في الاقتصاد العالمي، خاصة بين القوى الكبرى في العالم. في عام 1900، في بداية القرن العشرين، عندما غزا “تحالف الدول الثماني” بكين، كانوا يمثلون حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي (50.4٪)، يتكون التحالف من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا واليابان والنمسا والمجر. في عام 2000، تألفت مجموعة الثماني أيضاً من ثماني دول، وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا واليابان وكندا، والتي شكلت مجتمعة 47 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. يمكننا أن نرى أنه في القرن العشرين كان المشهد الاقتصادي العالمي مستقراً للغاية، ولكن الأمور تغيرت كثيراً بعد أن دخلنا القرن الحادي والعشرين. في حزيران 2018، قال شي جين بينغ، الرئيس الصيني، في خطاب ألقاه في المؤتمر المركزي للعمل المتعلق بالشؤون الخارجية: “في الوقت الحاضر، نحن في أفضل فترة تطور منذ العصر الحديث، والعالم يمر بتغيرات عميقة لم نشهدها منذ قرن”. في عام 2018 انخفضت مساهمة البلدان الثمانية المذكورة أعلاه في الاقتصاد العالمي من 47٪ إلى 34.7٪. وبسبب تراجع إنتاجها الاقتصادي، فقدت مجموعة الثماني القدرة على إدارة الصراعات في العالم، وهذا هو أحد أسباب توسيعها إلى مجموعة العشرين. لماذا حدث مثل هذا التغيير الكبير في المشهد العالمي؟ ليس فقط بسبب انخفاض معدلات النمو في هذه الدول الكبرى، فمن ناحية، ظل نموها الاقتصادي السنوي عند حوالي 3٪ ، ومن ناحية أخرى، كانت اقتصادات الأسواق الناشئة، وخاصة الصين، تنمو بسرعة. في عام 2000، كانت حصة الصين في الناتج المحلي الإجمالي العالمي 6.9٪ ، وفي عام 2018 بلغت 16.8٪. ما هو سبب النمو الاقتصادي السريع للصين؟ وكيف يمكن للدول الناشئة أن تحقق ذلك في القرن الجديد؟. أعتقد أن هذا يرجع إلى أن الأسواق الاقتصادية الناشئة تتمتع بمزايا حديثة ويمكنها تعزيز التقدم التكنولوجي والارتقاء الصناعي بتكاليف منخفضة. تحتاج الدول الكبرى إلى ابتكار وخلق تقنيات جديدة لتطوير صناعاتها بينما يستفيد المتأخرون من العولمة. تسمح العولمة للأسواق الناشئة بأن يكون لديها أسواق وفرص كافية لممارسة مزاياها التنافسية. في مثل هذا التغيير في المشهد العالمي، تكون الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من منظور نفسي لأنها كانت أكبر اقتصاد في العالم طوال القرن العشرين بأكمله. بحلول عام 2014، تجاوزت الصين الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم (من حيث تعادل القوة الشرائية)، ولهذا السبب، أرادت الولايات المتحدة اتخاذ بعض الإجراءات للحفاظ على إنتاجها الاقتصادي وكبح تنمية الصين. من الناحية الاقتصادية، تعد الصين الأكبر ولكن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل بكثير من الولايات المتحدة، ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن الولايات المتحدة لديها ميزة رائدة في التكنولوجيا، وقوة مالية أكبر وأقوى قوة عسكرية، وهي تريد تشكيل تحالف من الشركات لفك الارتباط بالصين في محاولة لكبح التنمية الاقتصادية فيها. قال البروفيسور داليو في خطابه أنه في التاريخ الماضي، كلما تراجعت قوة عظمى وظهرت أخرى، ستزداد الصراعات والتناقضات العالمية بينما لا يمكن حل هذه الصراعات إلا من خلال الحرب. في وضع اليوم، ما هي أفضل استراتيجية للصين؟ بادئ ذي بدء، أنا أتفق بشدة مع وجهة نظر البروفيسور داليو، أعتقد أنه في هذه المرحلة من الزمن، ستبذل الصين كل ما في وسعها لتجنب الحرب. يجب على الصين تجنب الحرب تحت أي ظرف من الظروف. منذ عام 2008، استحوذت الصين على ربع إلى ثلث النمو العالمي السنوي. إذا تمكنت الصين من الحفاظ على هذا النمو السريع، فسوف تستمر في المساهمة في ربع النمو الاقتصادي العالمي على الأقل، أو حتى أكثر. أما من حيث تعادل القوة الشرائية، فإن الصين ليست فقط أكبر اقتصاد في العالم، ولكنها أيضاً أكبر دولة تجارية في العالم، وتعد الصين الآن أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة، وثاني أكبر شريك تجاري لأكثر من 70 دولة أخرى. إذا تمكنت الصين من الحفاظ على نمو اقتصادي ديناميكي عالي السرعة وموقف منفتح للإصلاح، فإن نمو الصين سيكون فرصة للعديد من البلدان، باستثناء الولايات المتحدة. قد تجد العديد من البلدان أن نموها التجاري، إلى جانب الوظائف الجديدة والنمو الاقتصادي، مدفوع بالفعل بالنمو المحلي في الصين. لذلك، من المهم جدًا بالنسبة لهم الحفاظ على علاقات تجارية جيدة مع الصين، حتى يتمكنوا من الحفاظ على نموهم الاقتصادي والحفاظ على الوظائف وتعزيز تنمية الأعمال.
يبلغ عدد سكان الصين أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، ومع مثل هذا الاقتصاد الضخم، سيكون الناتج المحلي الإجمالي للصين ضعف مثيله في الولايات المتحدة يوماً ما. عندما يأتي ذلك اليوم، سيكون على الولايات المتحدة أن تحقق التوازن والاختيار، ويجب أن تحافظ على علاقات جيدة مع الصين. فقط من خلال الاقتران مع الصين، ستكون الولايات المتحدة قادرة على الحفاظ على معدل التوظيف وحماية مزاياها، وسيكون هذا النظام الجديد قادراً على ضمان استقرار العالم وسلامه.
المصدر: Asia Times