الثورة – إيمان زرزور
يعاني ريف إدلب الجنوبي من أوضاع إنسانية مأساوية، مع تزايد أعداد العائلات العائدة إلى قراها المدمرة في ظل انعدام شبه تام للخدمات الأساسية، ما يهدد استقرارهم ويفاقم من معاناتهم اليومية، وتشهد هذه المناطق حالياً موجة عودة تدريجية للنازحين من شمال سوريا ومن بلدان اللجوء، بعد سنوات من التهجير القسري نتيجة حملات القصف والدمار التي خلفتها آلة الحرب.
قالت مصادر محلية إن آلاف العائلات بدأت بالعودة إلى بلداتها الأصلية في ريف إدلب الجنوبي، مدفوعة بالأمل في استعادة الحياة، رغم الظروف القاسية، إلا أن العائدين اصطدموا بواقع مرير، يتمثل في غياب كل مقومات البقاء الأساسية، من خدمات تعليم وصحة ومياه وكهرباء، إلى جانب غياب شبكات الصرف الصحي، والطرقات التي لم تعد صالحة للحركة.
وتحولت القرى والبلدات إلى بيئة منهكة، تفتقر لأبسط البنى التحتية، حيث لا توجد مستشفيات أو نقاط طبية قادرة على تقديم الإسعافات الأولية، ولا تتوفر مراكز تعليمية للأطفال، في حين تغيب الأفران عن معظم التجمعات، ويضطر السكان لقطع مسافات طويلة للحصول على رغيف الخبز أو ليتر من الماء الصالح للشرب.
أوضح سكان محليون لـ “الثورة” أن ريف إدلب الجنوبي تعرض لحملات قصف عنيفة، خاصة في أواخر عام 2019، عندما شنّ نظام الأسد البائد وحلفاؤه عمليات عسكرية متكررة أدت إلى تدمير واسع في المنازل والمرافق العامة، وانتهت بسيطرة النظام على مساحات واسعة بعد تهجير سكانها.
وأكد شهود عيان أن قوات النظام عمدت بعد دخولها إلى نهب المنازل وتجريفها، من خلال استخراج الحديد من أعمدة الأبنية المهدمة، ما حوّل المناطق إلى ركام متداخل من الدمار المقصود، وجعل أي محاولة لإعادة الإعمار أكثر صعوبة وتعقيداً.
تواجه مدن وبلدات مثل خان شيخون وكفرنبل ومعرة النعمان وسراقب وريفها، أوضاعاً توصف بـ”المنكوبة”، وسط مناشدات متكررة أطلقها سكان المنطقة والهيئات المدنية، مطالبين الحكومة المحلية والمنظمات الإنسانية بتخصيص دعم عاجل لإعادة الخدمات الأساسية وتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة.
وتحدث الأهالي عن معاناة مستمرة في تأمين المياه، في ظل عدم وجود شبكات منظمة، وغياب مضخات المياه والطاقة، مع استمرار الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي، واضطرار بعض العائلات للاعتماد على مولدات أو ألواح شمسية بشكل فردي.
كما تعاني الطرقات من أضرار جسيمة، حيث لم تخضع أي منها لأعمال إصلاح، ما يزيد من عزلة القرى ويصعّب عمليات التنقل والإمداد، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى ورشات طوارئ عاجلة لإعادة تأهيل الشبكات الحيوية التي دمّرتها الحرب.
تواجه السلطات المحلية في محافظة إدلب تحدياً حقيقياً في الاستجابة لهذه الكارثة، إذ باتت العودة المتزايدة للنازحين تتطلب تدخلاً فورياً وخطة شاملة لإعادة الخدمات الأساسية، ويؤكد ناشطون أن تأخير الاستجابة قد يهدد استقرار العائدين مجدداً، ويدفعهم للهجرة مرة أخرى نحو المخيمات أو حتى خارج البلاد، وهو ما ينسف جهود الاستقرار وإعادة البناء.
ويطالب السكان اليوم بتحرك سريع يشمل تأهيل المرافق الصحية والتعليمية، وتوفير الدعم اللوجستي لإعادة تشغيل الأفران والمولدات، وتنفيذ مشاريع للبنية التحتية، وخاصة شبكات المياه والصرف والطرقات، وتوفير الحد الأدنى من الأمن الإنساني الذي يضمن بقاء الأهالي في أرضهم.
معاناة ريف إدلب الجنوبي باتت تعكس وجهاً آخر للحرب، يتمثل في معركة البقاء وسط الدمار، حيث لا يواجه العائدون القنابل والغارات، بل صمت الخدمات وجراح البنية المنهارة، وبينما تتطلع العائلات العائدة إلى بناء حياة جديدة فوق الأنقاض، يبقى الأمل معلقاً على استجابة إنسانية عاجلة، ومشروع وطني جاد يضمن لهم البقاء والكرامة، بعد أن خذلتهم الحرب ودفعتهم نحو الشتات.