الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
كثيرة هي الأسئلة التي يواجهها الكاتب سواء أكان أديبا ًأم شاعرا ًأم صحفيا ًأم …ولا يجد مناصاً من الإجابة مهما كان نبيها ًأو دبلوماسيا ً أو .. ولعلّ أبرز وأهم تلك الأسئلة، بل في مقدمتها : لماذا تكتب ؟ ما جدوى الكتابة في ظل هذا الكم الهائل من المعرفة وأدواتها ؟ هل هناك من يقرأ في ظل انتشار الكتاب الإلكتروني والنت والفيس وغيرها من وسائل الإتصال ؟ وهل يمكن للكتابة أن تحدث تغييراً جوهرياً في البنى الفكرية والثقافية والاجتماعية كما كانت في القرن العشرين وما سبقه ؟ إذا ًهي الأسئلة الصعبة والتي لا يمكن الدوران أو الالتفاف حولها للخروج من مأزق الإجابة والتي يراها البعض هروباً إلى الأمام ؟! الكتابة بوصفها فعلا ًإراديا ًخلاقاً، لا يمكن أن تكون إلا إبداعاً ينثر فيه الكاتب عبق حروفه، ويزينها من بهاء روحه ويسكب في مفاصلها نبضا ًلا يتوقف … فالكتابة أيا ًيكن نوعها شعراً أم نثراً، رواية ً أم قصة، فإن مبدعها يحاول أن يبث في حناياها أبهى صور الجمال فتبدو القصيدة أو القصة أو ….لوحة نابضة بالحب والحياة .. لماذا نكتب ؟ السؤال الأكثر إلحاحاً وربما يطرحه الكاتب أو الأديب أو الصحفي أو كل من يتعامل مع الحرف والكلمة ويجد في الكتابة طريق عبور إلى الخلود، ولعل ما وصلنا من أشعار وتراث إنساني من عصور قديمة جاء عبر كتابات ونقوش الإنسان على جدران الكهوف والمعابد وشكلت حضارات متتالية متلاحقة ساهمت في تطور ورقي البشر .. ويستمر سيل الأسئلة، أسئلة تشكّل هاجساً للكاتب والمبدع لا يمكن أن يتخلص منها فيجد نفسه في ّخضمّها وأتونها الذي لا ينتهي ….؟! لماذا نكتب ؟ .. لمن نكتب ؟ كيف نكتب ؟..
هي أسئلة نبيلة في زمن قلّ فيه النُبل وماتت معه النخوة والغيرية والأخلاق والإيثار وحب الآخرين .. لكن لكل من يجد في الكتابة لهواً ولغواً ومضيعة ًللوقت ..!! لكل من ينظر للكتابة ترفاً وظهوراً وتعالياً وتسلقاً للوصول إلى غايات غير نبيلة …!! أمثال هؤلاء لانكتب لهم إنما نكتب عنهم، نفضح عريهم وفسادهم نزيح عنهم الأقنعة الكاذبة، نقدمهم للرأي العام كي يحكم عليهم وعلى أفعالهم .. نكتب لمن ضحّى ونذر نفسه قرباناً كي يبقى الوطن عزيزاً قوياً منيعاً … نكتب لمن يعطي من قلبه وروحه بلا منّة، يعطي، حيث للعطاء معنى … الكتابة بثّ روح الجمال في الكلمة التي هي بداية التكوين وأصل الجمال.. إنّ اتّكاء الكاتب على إرثه الثقافي والمعرفي، وذاكرته الحيّة التي لا يمكن أن تشيخ أبداً، يجعله أكثر إصراراً على إعادة تشكيل ما يبدعه بطريقةٍ جديدة وجميلة، وبما يُعدّ مرآة صادقة لذاته ومجتمعه، وهو على ثقة بأنّ ما يبوح به من إبداع ومعرفة، يترجمه شعراً وأدباً وفنّاً، لا بدّ من أن يجد ضالته عند الكثير من الناس، أصحاب المبادئ والمُثل والقيم النبيلة .. وفي ظل الأزمات الكبرى التي تتعرّض لها الأوطان، من حروبٍ وكوارث وأوبئة، يجد الكاتب نفسه في المقدمة، لمواجهة مساحاتِ الخراب المتزايدة التي تطال النفوس والأرواح، حيث تزداد الندوب والأحزان، ولا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، أن يكون حيادياً أو رمادياً منزوياً مع ذاته، لأن ثقته بدور الكلمة في زرع الأمل والنهوض من جديد، تدفعه لممارسة هذا الدور الإيجابي البنّاء، بكلِّ شفافيةٍ ومسؤولية، أخلاقية ووطنية وإنسانيّة.. الكتابة في النهاية، أيّاً يكن نوعها، هي حياة خالدة، ودورٌ فعّال يجد الكاتب بأن عليه أن يؤديه بكلّ مصداقية وثقة، وأن عليه أيضاً، أن يمضي في دروب الأمل والحياة، مؤمناً برسالته، وفيّاً لإنسانيته، جميلاً بروحه وأدبه، ينثر الضياء، ويمسح الحزن عن الوجوه المتعبة، وهو على ثقةٍ بأن القادم من الأيام، أجمل وأبهى من الماضي والحاضر … نكتب ونكتب ..نكتب عن كل شيء جميل وممتع في هذا الوطن والعالم بعيداً عن الرياء والنفاق ومسح الجوخ والتدليس واللف والدوران وطمس الحقائق … نكتب ولن نمل الكتابة ما دامت الشمس تشرق كل يوم، والأمهات يرضعن أطفالهن المحبة والخير والتضحية والفداء …. نكتب بمداد القلب كل شيء جميل ….للوطن والإنسان …للحب والجمال والحياة ….نكتب ….ونكتب …و….
العدد 1100 – التاريخ: 21 – 6 – 2022