الثورة:خلف المفتاح
موضوع الدين وما يسمى (الدولة) في “إسرائيل” موضوع شائك ومعقد لما له من أهمية راهنيه ومستقبلية في الشرق الأوسط ولأنه موضوع على صلة مع مشاغل العرب المعاصرين حيث الحديث عن علاقة الدين بالدولة وموضوع العلمانية والإلحاد وغيره وهي ليست قضية إسلامية أو عربية خالصة فاليهود أيضاً يعيشون هذه الإشكالية ولكن بطريقة مغايرة شيئاً ما فالعرب أقاموا دولاً وإمبراطوريات وممالك ما أنتج فقهاً سياسياً تحدثوا فيه عن الملك والإمارة والحكم وعما يعرف بالأحكام السلطانية وغير ذلك .
أما بالنسبة لليهود فالأمر مختلف فهم منذ ما يدعون أنه خراب الهيكل الثاني انتفى لديهم أي وجود سياسي لذلك عانوا من ضمور سياسي فيما يتعلق بمفهوم الدولة وشؤون الحكم وثمة رموز صغيرة في التوراة والتلمود حول الحكم تم استعادتها واستثمارها في العصر الحديث . وفي الحديث عن ذلك الجانب ولاسيما في الانتخابات الأخيرة لأعضاء الكنيست الإسرائيلي وقبيل ظهور نتائجها النهائية قامت حملة كبيرة قادتها الأحزاب الدينية ممثلة بحزب شاس وزعيمه ارييه درعي ،وحزب يهودوت هادورا وزعيمه يعقوب فيتسمان حيث شنوا حملة قوية ضد بينيت الصهيوني الديني وشنعوا عليه ورموه بالكفر وأشاروا إلى أن اليهودية في عهده ستشهد خراباً لا مثيل له وانه سيرمي بتفاهمات ما سمي الوضع القائم منذ 1948 ما بين بن غوريون ممثل حزب الماباي ،وحركة اغودات جانباً ووصل الأمر إلى حد إخراجه من الملة اليهودية علما إن بينيت هو من اشد المتمسكين باليهودية الدينية في شكلها الحديث فالموضوع يتعلق بالخوف من نسف التفاهمات التي اشرنا اليها بين بن غوريون والتيارات الدينية ،أي بين الدين والدولة ومقتضاها السماح للأحزاب الدينية بممارسة طقوساً خاصة بها في المجال الداخلي لما سمي إسرائيل العلمانية.
فالعلاقة والتفاعل والجدل بين الدين والدولة في (إسرائيل ) موجودة ومستمرة وسيستمر بطبيعة الحال ما لم يوجد حل جذري لهذه القضية في (إسرائيل ) لجهة أن الحركة الصهيونية قدمت نفسها ابتداءً على أنها ليست حركة متدينة بل علمانية أو لائكيه وهي حركة أرادت أن تحل المشكلة اليهودية في اطار المسالة القومية مع بروز عصر القوميات في أوروبا وتشكل الدولة الوطنية وفك العلاقة بين الكنيسة والدولة وتكريس مفهوم المواطنة السياسية وليس التابعية الدينية وسلطة الكنيسة وانها تريد البحث عن حل لليهود فيما كان يطلق عليه الدولة الأمة أو الدولة القومية بعد فشل حل – ما سمي -المشكلة اليهودية في اطار الاندماج في المجتمعات الأوروبية التي بشرت بها حركة الأنوار اليهودية منذ القرن الثامن عشر ،بمعنى أن الحركة الصهيونية قدمت نفسها ابتداء بأنها حركة غير دينية ولكنها ليست معادية للدين في زعامتها وشعاراتها ولعل زعيم الحركة الصهيونية تيودور هرتزل أشار في كتابه إلى ذلك بالحديث عن دولة لليهود وليس دولة يهودية وبالألمانية – يودون شتات – دولة لليهود والترجمة ضرورية لمعرفة طبيعة العلاقة بين الدين والدولة في الكيان المنشود .
ولكن هذا الخلط أو الالتباس بقي موجودا منذ قيام ذلك الكيان وحتى اليوم ،لاسيما وان البنية التي أسست لقيام تلك ما يسمى ب (الدولة) كانت في كثير منها ذات نظرة دينية حريدية أي الصهاينة المتدينون وهؤلاء هم الذين سيدفعون باتجاه الدولة الدينية التي لغتها العبرية وهم من دفع باتجاه أن يكون وطن اليهود هو فلسطين وليس الأرجنتين أو قبرص أو أوغندا بعد خروجهم أو تهجيرهم من أوروبا .
ولسبر العلاقة بين الدين والدولة في تلك البؤرة الاستيطانية وفي الحركة الصهيونية قبل ذلك نرى أنها مرت بمراحل ثلاث مرحلة ما قبل قيام الدولة ثم من عام 1948 حتى 1967 ،ثم ما بعد ذلك وهي المرحلة الثالثة فثمة خصائص يجب الانتباه اليها في اطار علاقة الدين بالدولة ففي المرحلة السابقة لقيام ما يسمى بالدولة اقتنع الصهاينة الدينيون بقيام دولة كأمر واقع ولكن خارج تفكيرهم الديني الذي يربط ذلك بظهور المسيح المنتظر أي لا دولة بدون المسيح المنتظر إذن هي دولة ليست ذات مشروعية دينية لأنه وفق رؤيتهم الدينية لابد أن يسبق ذلك إعادة بناء ما يسمى الهيكل الثالث أما في المرحلة الثانية وبعد قيام ما يسمى ب (الدولة ) فثمة توافق سمي توافق الأمر الواقع أو الوضع القائم بين بن غوريون وحزب الماباي من جهة وحركة اغودات إسرائيل من جهة أخرى ،والمقصود به رسالة فيها تنازلات قام بها بن غوريون للمتدينين في إسرائيل هذه التنازلات قبل بها المتدينون مقابل ما قدموه هم مما اعتبروها أيضا تنازلات وهي العقد غير المكتوب الذي حكم أو ضبط ما جرت تسميته بالوضع القائم في إسرائيل حتى اليوم عرفاً شأنه شأن القوانين الأساسية حيث لا يوجد دستور في ذلك الكيان وهو من بين ثلاثة دول ليس لديها دستور إلى جانب نيوزيلانده والمملكة المتحدة فالقوانين الأساسية تنظم الحياة السياسية وبنية الدولة تحت رقابة المحكمة العليا ففي التوافق التاريخي المشار اليه قبل بن غوريون أول رئيس وزراء (لإسرائيل ) أن تحترم ما يسمى بالدولة أحكام السبت التي تؤكد عليها التوراة واعتماده يوم عطلة رسمية وتتوقف فيه جميع الخدمات ويدخل اليهود في حالة سبوت تام بما فيها شركات الطيران والمسالة الأخرى التي حرص عليه المتدينون هو التعليم الديني بحيث يكون لهم شبكتهم الخاصة بذلك والمستقلة عن الدولة وكان لهم ذلك فهناك اليوم في (إسرائيل ) مئات المدارس والمعاهد والكليات الدينية الخاصة التابعة لمختلف الفرق الدينية ،الأمر الثالث الذي اعتمد في التوافق المشار اليه هو احترام أحكام الكشروت المتعلقة بالحلال والحرام في المآكل في المطاعم والمناسبات الرسمية وغير ذلك ،أي احترام أحكام الفقه اليهودي والأمر الرابع يتعلق بأحكام النسب واعتماد التعريف باليهودي حسب أحكام التعريف الرباني اليهودي الأرثوذوكسي فالنسب للأم وكل ما يتعلق بالإرث ثم أضيف إلى الأمور الأربعة مسألة خامسة وهو الإعفاء من الخدمة العسكرية للمتدينين المسجلين في الأكاديميات الدينية أو ما يسمى اليشيفوت وتقوم على فكرة أن خدمة التوراة اعظم من خدمة الجيش لأنه في تصور هؤلاء أن من حافظ على (شعب إسرائيل) وحافظ على اليهود طوال التاريخ ليست ما يسمى بالدولة فالذي حافظ على إسرائيل ليس القوة العسكرية إنما هو النص الديني أي التوراة فالتوراة من هذه الزاوية هي أعظم من الخدمة العسكرية ومن يخدم التوراة يعفى من الخدمة وقد قبل بن غوريون بهذا الأمر وهذه العناصر فالمتدينون لم يعتبروا إسرائيل إلاوهي مكان للتجمع ولا تكتسب شرعية ما يسمى بدينية دولة وفق فهمهم وإنما حالة مقدمة خدمة !! أو مقدمي خدمة كما فعل الوثنيون الذين ساهموا في بناء الهيكل الثاني في عهد الملك سليمان حسب زعمهم والذين جيء بهم من صور في لبنان فلا بدّ من التعامل مع الواقع على مضض شريطة أن نعمل على قضم ما يسمى بالدولة العلمانية من أسسها !! فعمليا التيارات الدينية وأحزابها اخترقت كلّ شيء في الداخل ولم تترك للسلطة ( العلمانية ) إلا القضايا الخارجية والدفاع وتفاصيل هامشية داخلية .
هذا الأمر تغير بعد 1967 إذ اعتبر المتدينون وحتى النخب العلمانية أن ذلك الانتصار حدث بفضل تدخل الروح الربانية وتدخل الاله في إنقاذ وانتصار شعب إسرائيل واحدث ذلك ما يمكن تسميته بالصحوة الدينية التي أعقبها تحول الكثير من النخب العلمانية أو اليسارية إلى ما يمكن تسميته الصهيونية الدينية في شكلها الاستيطاني المغالي الذي سينتج حركة غوش ايمونيم التي ستخترق لأول مرة المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية ومؤسسات النخبة وهنا سينتج جبل جديد يطوع الدولة ويدفع بها الى مقتضيات الفكر الصهيوني المتدين .
هذا الأمر رفع وتيرة النقاش في طبيعة بما يسمى ب (الدولة ) فما معنى أن إسرائيل تسعى لأن تكون بما يسمى بدولة دينية فرسمياً إسرائيل ليست بما يسمى بدولة دينية ولكنها توليفة ليس لها مثيل في دول العالم تريد أن تجمع بين القومي والديني ولعل أفضل من عبر عن ذلك هو أحد الفلاسفة اليهود الكبار ممن يحمل له الإسرائيليون الكراهية وهو الفيلسوف ليبوفيتش الذي يقول : إن إسرائيل بما يسمى بدولة لائيكية أي علمانية ولكنها ذات سمعة دينية سيئة تعاني من -خلل ديني – فالنموذج السياسي في إسرائيل كما قلنا لا وجود له في دولة أخرى فهو وضع خاص وثمة عنوان مهم آخر وهو تعريف اليهودي وهو مشكل كبير يصعد ثم يغيب ثم يعود فيصعد !!؟ فقد يكون ذلك من حيث المظهر بالأمر البسيط ولكنه في واقع الأمر ليس كذلك في قضية الدين وبما يسمى بالدولة فقد صدر في إسرائيل عام 1950 قانون سمي قانون حق العودة وهو مرفوض بالنسبة لنا جميعاً فحق العودة هو حق للفلسطينيين حسب القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة ولكن بالنسبة لليهود هو حق مكفول بالقانون الأساسي فيما يسمى بدولة الكيان حيث يسمح لليهودي الذي تطأ أقدامه أي مطار في إسرائيل أن يكون مواطناً إسرائيليا مباشرة وهذا القانون تم استكماله بعد سنتين أي عام 1952 بقانون سمي بقانون الجنسية ولكن ثمة إشكالية هنا تكمن بمن هو اليهودي الذي له حق العودة هل اليهودي من أبوه أم امه يهودية ؟ فاليهود بحكم تواجدهم في بلدان مختلفة تزوجوا من ديانات أخرى أو زوجوا بناتهم لاتباع ديانات غير اليهودية وأوجدت وضعيات معقدة بالنسبة لليهود فهل يحق لكل من يعتقد انه يهودي ممارسة حق العودة أم أنه حق مقيد ؟ هنا ستتدخل المؤسسة الدينية الحبرية واليهود الحريديين التقليديين أو المحافظين إن شئنا وهم يمثلون جمهور اليهود الواسع في إسرائيل هؤلاء يعتبرون أن اليهودي هو من كان من أم يهودية وهو من يتمتع بحق العودة وهذا الأمر لا يرضي اليهود الإصلاحيين وتيارات أخرى يسارية ولاسيما اليهود القرائين الذين يعودون للقرون الوسطى الذين يعتبرون أن اليهودي هو من ولد لأب يهودي والتوراة نفسها عندما تتحدث عن شخص ما تقول فلان ابن فلان وليس ابن فلانه فالحضور بالنسبة للأب داخل النصوص الدينية التوراتية تاريخياً هو امر معروف ولكن المهم أن الضمير اليهودي الديني ارتضى تاريخياً أن النسب هو للأم ويضاف إلى ذلك من تهود وهذا يخضع لشروط قاسية وفق الأحكام اليهودية الأرثوذكسية ولكن هناك مسألة تتعلق باليهودي فقد أضاف القانون الأساسي فيما يتعلق بتعريف اليهودي الذي يحق له ممارسة حق العودة أن لا يكون قد اعتنق ديانة أخرى وثمة مثال على ذلك وهو أن جندياً إسرائيلياً اسمه شاليط قد تزوج امرأة مسيحية وعندما أراد تسجيل أولاده يهوداً رفضت ذلك وزارة الداخلية وصادقت على قرارها المحكمة العليا في إسرائيل !! فثمة قضيتين أساسيتين تظهران تنامي التيار الديني وسطوته تتمثلان بتنازلات بن غوريون الستة لصالح ذلك التيار ومن ثم قانون الجنسية بما يتعلق بتعريف اليهودي وتضييق تعريفه بما ارتأته المؤسسة الدينية أي التعريف الديني وليس القومي الذي يعتبر اليهودي هو من ارتضى أن يكون من شعب إسرائيل ومن رأى نفسه في هذا المشروع بغض النظر عن قضايا النسب وغيرها من أمور هامشية .
قانون العودة هذا يستند إلى أسس توراتية من سفر التثنية من الإصحاح 30 من 1الى 5 الذي يتحدث عن أن إسرائيل كيبوتس مكان يتجمع فيه المنفيون وهذه بشارة بشر بها النبي موسى بني إسرائيل فروح ذلك القانون مستمدة من هذا الإصحاح طبعاً وهنا تجدر إلى الإشارة إلى انه وفق قانون العودة منع منها من هم متهمون بقضايا أمنيه أو سلوكيات تضر بإسرائيل أو قضايا فساد مالية أرادوا من خلال العودة الاحتماء بإسرائيل .
من خلال كلّ ما تقدم يتبين لنا أن العلاقة بين الدين وبما يسمى بالدولة في ( إسرائيل) حكمتها ثلاثة أشياء هو توافق الوضع القائم وثانياً تعريف من هو اليهودي وقانون العودة الصادر عام 1950 ولكن هناك أمر آخر على درجة كبيرة من التعقيد والأهمية هو ما يعرف بقانون يهودية الدولة وخطورته وهو الذي تم الانتهاء منه والمصادقة عليه سنة 2018 وقدم للكنيست الذي وافق عليه بالأغلبية ،هذا القانون يعتبر قانوناً أساسياً من قوانين بما يسمى بالدولة وفيه بنود خطيرة جداً استدعى أن النواب العرب في الكنسيت قد غادروا الجلسة أو طردوا وشنوا حملة ضده داخل وخارج الكيان الصهيوني وهو الذي يضفي مسحة أقوى على أن إسرائيل هي ما يسمى بدولة يهودية وتشريع لدولة عنصرية وهو أيضاً تشريع لإنهاء مسألة أن إسرائيل بما يسمى بدولة ثنائية القومية بعد انتهاء وانتفاء إمكانية إقامة حل الدولتين بفعل عمليات الاستيطان التي حولت المناطق الفلسطينية إلى جزر معزولة ضمن ارض فلسطين التاريخية وهذا ما اثأر قلق الأردن لأنه يحيي قضية ترانسفير أي إخراج عرب 1948 وترحيلهم للأردن الذي أسموه الوطن البديل وقد عارض ذلك القانون الرئيس الإسرائيلي آنذاك ريفلي واحدث نقاش داخل القوى اليسارية والقانونية والعلمانية في داخل وخارج الكيان وكلها اتفقت على أن هذا القانون هو من اخطر القوانين التي كرست الطابع الديني في إسرائيل وهو ما يتعارض مع قرار قبول عضويتها في الأمم المتحدة ،وكذلك القرار 194 المتعلق بحق العودة للفلسطينيين ما يدخل إسرائيل في متاهة وهذا القانون يقلل أيضاً من شأن اللغة العربية ويجعل منها لغة ثانوية والعبرية هي اللغة الرسمية للكيان الصهيوني ،وهي بالتالي بدويلة يهودية بل دويلة الشعب اليهودي كمكون مهيمن وأساسي وأن يوم 15 أيار هو يوم الاستقلال وهو عند الفلسطينيين يوم نكبة وان نشيد هاتفاً هو النشيد الرسمي لدويلة الكيان أي نشيد الأمل !! وقد عارض هذا القانون شخصية من اهم الشخصيات القانونية في إسرائيل وهو اهارون باراك حيث عمل على إيجاد مخرج لأكبر شعار ترفعه إسرائيل ويتضايق منه الفلسطينيون لكذبه وهو القول بأن إسرائيل دويلة يهودية وديمقراطية فيرى المراقبون لواقع الحال انه يجمع بين متناقضات وهو أشبه ما يكون ما كان قد جاء في سفر اشعيا شأنه شأن من يجمع بين الذئب والحمل أو كما وصفها الصحفي الإسرائيلي يوري افينيري : فهي يهودية مع العرب وديمقراطية مع اليهود أهارون باراك هذا حاول إيجاد مخرج لهذا البارادوكس أو المأزق أو الاستعصاء بالقول :إن هذه الدويلة يمكن أن تكون يهودية في شعاراتها ورموزها ولكنّها يجب أن لا تكون توراتية ويجب أن يتوقف الأمر عند النشيد والعلم ويوم السبت فقط ولا تكون التوراة هي المصدر الوحيد للتشريع ولعل ما يدعو اليه وينادي به اهارون باراك يدل على حالة الحرج والاستعصاء التي تشعر به الأوساط العلمانية في إسرائيل لإيجاد مخرج من هذا الباراداكس أو المفارقة !! وحتى خارج الأوساط المعلمنة هناك نقاش طويل بين عدد من الأحبار لسد ما يرونه فراغاً في الفقه السياسي لليهودية وعملوا على تلافيه من داخل نصوص التوراة فوجدوا حديثاً عن الأقليات ؛بأنهم هم من كانوا أقليات داخل دول وشعوب فيها أكثرية من غيرهم ؛ واليوم اصبحوا أكثرية فيها أقليات هنا يمكن التعامل مع هذه الحالة بدون التخلي عن يهودية ما يسمى بالدولة وهذا فيه نقاش فمع عدم وجود ذكر للديمقراطية في التوراة إلا أنه في سفر صاموئيل ثمة حديث عن الملكية لأن الملكية باعتقاده ستجلب الدمار لليهود والأفضل أن يضلوا في حكم الأنبياء وليس الملوك .
والخلاصة : أن ذلك الكيان يعيش مأزقاً كبيراً قائماً منذ ما قبل عام 1948 وبعده وحتى الآن وهو محاولة تقديم هذه الدويلة على أنها دينية يهودية وديمقراطية بنفس الوقت وهذا هو المأزق الداخلي الذي يعكس جمع متناقضات والحقيقة التي نراها هي أن هذا الكيان الاستيطاني الاحتلالي العنصري يسير بخطى حثيثة نحو التحول إلى ما يسمى بدولة يهودية محكومة بالهلاخا أي الشريعة اليهودية شيئاً فشيئاً وهذا نتيجة لمسار تدخل القوى الدينية والمتطرفة من قبول بالوضع القائم ثم التدخل بالحياة السياسية والعسكرية والأمنية حيث باتوا الأكثرية في القيادات العسكرية والأمنية والسياسية والنخب المتخرجة من الصهيونية الدينية وهذا يشي بالمزيد من التدين ومنسوب اقل من الديمقراطية وأكثرية يهودية حريدية متشددة وهو ما ستتكفل الفترة القادمة بإيضاحه وتجليه بصورة أكبر ولكنه باعتقادنا سيكون مأزق إسرائيل القاتل إضافة للمسائل الأخرى وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية والتمسك بالأرض في فلسطين والجولان والتمسك بحق العودة والظروف الدولية المتغيرة وبداية نهاية الدور الوظيفي لهذا الكيان فثمة خطر حقيقي وجودي يواجه الكيان في الداخل والخارج فهو كيان يتحول إلى مجتمع مغلق ينتقل من حل لمشكلة اليهود في العالم إلى مشكلة لليهود ذاتهم والعالم .