الثورة – فؤاد مسعد:
التصق تعبير ثرثرة مجانية بالأعمال الدرامية التلفزيونية التي امتهنت الشط والمط وقامت بعرض أحداث لا معنى لها ممعنة في اللاجدوى مقدمة نصاً مهلهلاً وحوارات ساذجة الهدف منها ملء زمن الحلقة لينتج في النهاية مسلسلاً مؤلفاً من عدد مناسب من الحلقات (عادة ما يكون ثلاثين حلقة) ليتم تسويقه وبيعه للمحطات، والأمر نفسه أصيبت به في العديد من الأحيان الأعمال قليلة الحلقات واللوحات الدرامية التي تعرض على السوشيال ميديا، ولكن المفارقة الأشد ألماً التي يمكن تلمسها في السنوات العشر الأخير (وربما أكثر) أن تعبير الثرثرة امتد ليشمل أيضاً أفلاماً سينمائية تم حشوها بمشاهد وأحداث لا طائل منها وغير مبررة وكان وجودها كعدمه لا بل إن تم حذفها لظهر الفيلم أكثر تماسكاً وترابطاً خاصة أن الفن السينمائي هو فن التكثيف والاختزال.
يمكن أحياناً تفهم حالة مخرج يقوم بمحاولة ليّ عنق الزمن الحقيقي للحلقة ليأتي متناسباً مع المطلوب منه، ولكن ما لا يمكن تفهمه أن يقوم بذلك كيفما اتفق لقناعته أن كل ما يقدمه سيراه المشاهد ويتقبله، والأجدى هنا محاولة إيجاد مبرر درامي لحالة التطوير كأن يتم تطوير خط من خطوط المسلسل ودعمه بأحداث مقنعة مشوقة يمكن ربطها بشكل وثيق بالمجرى العام فتأتي متشبعة من روح العمل وغير غريبة عنه، لا بل تتحول إلى أساسية إن تم التعاطي معها بذكاء ودراية من قبل الكاتب والمخرج، ولكن غالباً ما يحدث هو العكس تماماً فعندما يكون الاستسهال هو سيد الموقف عندها تُصم الأذن ويصمت اللسان، وينزاح العمل من حالة إبداعية جمالية تحمل مقولتها متوجهة إلى عقل المشاهد باحترام لتتحول وتصبح حالة أقرب إلى الروح التجارية بمفهوم وآلية التعامل معها، وهنا مكمن المصيبة.
أسطع مثال على ذلك أعمال درامية تلفزيونية وصّف العديد منها بالهام عُرضت على الشاشات العربية خلال شهر رمضان الأخير كان من الصعوبة بمكان لكثيرين متابعة كل منها بشكل متسلسل (حلقة أولى وثانية وثالثة..) للعديد من الأسباب كان أهمها حالة الكهرباء ومواعيد غيابها وحضورها، الأمر الذي نتج عنه أن هناك من فاته حضور عدة حلقات أو أجزاء منها إلا أنه في المحصلة النهائية لم يتغير عليه شيء ولم يخسر مشهداً حاسماً أو حدثاً محورياً لا بل لم يشعر أصلاً أن هناك حلقات لم يرها، بما في ذلك مسلسلات تمتعت بسوية هامة في الحوار والإخراج والتمثيل إلا أن ذلك كله لم يشفع للثرثرة من أن تكون حاضرة فيها، هذه السمة التي تحولت إلى تهمة يصعب الفكاك منها.
مما لا شك فيه أن حرص عدد من المنتجين والمخرجين على الثرثرة المجانية في أعمالهم مصيبة ابتليت بها أعمال الدراما، حتى أمسى الأمر عند البعض طبيعياً ومن البديهيات التي لا يمكن تجاوزها حتى وإن لم تُطلب منهم، والمطلوب اليوم الانتصار للحالة الإبداعية أولاً لأنها الأهم والمرتكز الأساسي الذي يستند إليه العمل الفني لتحقيق الحضور الناجح، فكلما جاء العمل مشدوداً ومتماسكاً أكثر وبعيداً عن المجانية في كل شيء كلما ترك أثره الأعمق عند الجمهور الذي يمتلك القدرة الحقيقية على التمييز بين العمل الذي يحترم ذائقته وبين العمل الذي يضرب بها عرض الحائط. خاصة أننا نتابع اليوم دراما عربية متطورة في كل شيء فلا بد أن ننافس بقوة ونتخلص من الهنات التي قد تقف عائقاً أمام وصول العمل الدرامي كما ينبغي إلى المشاهد، فالدراما التلفزيونية السورية يليق بها أن تبقى هي الرقم الصعب وأن تكون في المقدمة دائماً.