الثورة- لميس عودة:
في رحاب المجد السوري التليد نتنفس عبق ذكرى معركة الشرف والإباء، ملحمة ميسلون، وننتشي بمآثر البطولة والإقدام، يوم خط عشاق الوطن أبجدية انتمائهم وصاغوا أروع ملاحم التضحية والفداء.
فلمعركة ميسلون وهجٌ لا يخفت بريقه، ونفحات قدسية تعانق الأفئدة وتعبق بالوجدان فخراً وعزة، وملاحم البطولة فيها غدت نبراس هدي لأجيال تستلهم من معين التضحية والفداء، ومن مناهل الكرامة هدي تحرير الأرض وصون وحدة التراب السوري، ولو تآمر الغزاة والمحتلون وتنوعت أساليب إرهابهم .
“لن ننسحب ولو متنا عن آخرنا، ومروا على أجسادنا، فنحن لا نحب أن نراهم يدوسون تراب الوطن، وإن كنا نعرف أن قواتنا أقل من جيشهم بكثير، ولكن إيماننا بأنفسنا أقوى”، بتلك الكلمات السامية والمبادئ الوطنية الحقة، وبذلك الإباء الشامخ صاغ البطل يوسف العظمة ورفاقه الأباة قبل مئة وعامين استراتيجية المواجهة ومقارعة الغزاة المحتلين، ورسموا بدمائهم الطاهرة آفاق اجتراح النصر، ومهدوا لمعارك كثيرة على امتداد خريطة الوطن أوجعت المحتل الفرنسي وصنعت الجلاء و الاستقلال الوطني.
لم تكن معركة أبطال ميسلون مع المحتل الفرنسي متكافئة من حيث العدد والعتاد لكنهم أبوا إلا أن يتصدوا لجحافل المحتلين المدججين بأسلحة وترسانة ضخمة من الذخائر الفتاكة، فاكتسبوا شرف المواجهة، ورسخوا في الوجدان الشعبي العربي مبدأ المقاومة، فغدوا رموزا وطنية بعد أن استشهدوا دفاعاً عن الوطن وذوداً عن حياضه.
وكما رفض البطل يوسف العظمة ورفاقه إنذار غورو بالاستسلام بوجه آلاف الجنود الغزاة المدججين بأحدث الأسلحة، وخرج يقود نحو أربعة آلاف جندي مع كوكبة من المتطوعين الأبطال لم يتجاوز عددهم 1500 مقاتل وتقدموا بشجاعة واستبسال للتصدي ومقارعة المحتلين، رفض الجيش العربي السوري أي مساومة على حبة تراب من ثرى الوطن وقدم ويقدم حتى اللحظة الراهنة كواكب من الشهداء والجرحى .
فالتراب الذي رواه القائد البطل يوسف العظمة ورفاقه الأشاوس بطهر دمائهم في ميسلون سيبقى مصاناً عزيزا، والأرض التي لفظت على مر تاريخها المقاوم الغزاة والمحتلين وشراذم المرتزقة الإرهابيين ستبقى منيعة وعصية على التمزيق والتقسيم، فمن حملوا من بعدهم أمانة حفظ التراب السوري من دنس الغزاة والمحتلين هم أهل لها، وعلى قدر المهام والمسؤوليات الوطنية، يحملون الوطن في قلوبهم وينذرون الأرواح والدماء لتبقى سورية عزيزة شامخة.
وقبس الاستبسال ذودا عن الأرض والحقوق المشروعة الذي يحمله السوريون اليوم وفي كل حين، يتممون على هديه ما بدأه أبطالهم الأوائل في ميسلون وغيرها من معارك الشرف الكثيرة التي يحفل بها التاريخ السوري، فلم ولن يحيدوا عن طريق حقوقهم المقدسة مهما عصفت رياح الاستهداف وتنوعت أشكالها الإرهابية.
فما أشبه ماضي التضحية والفداء بحاضر الإقدام والتصميم والبطولة من حيث اجتراح المعجزات، وما أروع ذكرى ميسلون حين تفتح كل بوابات النصر، ويستكمل الجيش العربي السوري على هديها طريق التحرير ودحر الإرهاب ونسف مشاريع السلخ والتجزئة والتقسيم ووأد المشاريع الاستعمارية.
وبواسل جيشنا البطل خير خلف لخير سلف، يتمسكون بعروة الانتماء الوثقى ويجددون في كل معاركهم التي خاضوها و يخوضونها عهود الولاء للوطن، وصون وحدة جغرافيته وترابطها وتحرير كل شبر تراب محتل وسليب.