الثورة- تحليل ريم صالح :
سياسة التصعيد التي يمارسها النظام التركي في الشمال السوري تأخذ منحى خطيرا في سياق مراحل الحرب الإرهابية التي يشكل نظام أردوغان رأس الحربة فيها، لأسباب تتصل بأطماعه التوسعية، إلى جانب تنفيذ المشروع الصهيو-أميركي المعد لسورية ودول المنطقة على وجه العموم.
إذ لا يتوقف الاحتلال التركي عن اعتداءاته على الأراضي السورية، وآخرها استهداف محيط قرية تل زيوان الواقعة على بعد 15 كم شمال غرب مدينة القامشلي بالمدفعية ما أدى لأضرار مادية ونزوح عشرات الأسر من قرية تل زيوان والمزارع المحيطة بها باتجاه الجنوب، هذا فضلا عما تمارسه التنظيمات الإرهابية التابعة لنظام أردوغان من استهداف متواصل للقرى والبلدات الآمنة، وآخرها استهداف تلك التنظيمات بطائرة مسيرة تجمعاً حاشداً في مدينة السقيلبية بريف حماة بمناسبة افتتاح كنيسة آية صوفيا ما أدى لاستشهاد مدني وإصابة 12 آخرين.
وقبل ذلك جدد الاحتلال التركي ومرتزقته من الإرهابيين الاعتداء بالمدفعية على قرى الريف الشمالي لناحية تل تمر شمال غرب الحسكة، ما أدى إلى وقوع أضرار في خطوط التوتر الكهربائي المغذية لمحطة تل تمر وخروجها من الخدمة، كما استشهد مواطنان وأصيب 5 آخرون بجروح في اعتداء التنظيمات الإرهابية بالقذائف الصاروخية على محيط مدينة السقيلبية وعدة قرى بريف حماة الشمالي الغربي، كذلك وسعت المجموعات الإرهابية المدعومة من قبل نظام أردوغان دائرة استهدافها لقرى سهل الغاب حيث طالت القذائف أطراف بلدة نبل الخطيب، وهذه الاعتداءات الجديدة، هي دليل إثبات جديد على أن نظام أردوغان يواصل اللعب على الحبال، من أجل توسيع دائرة أهدافه ومشاريعه الاحتلالية التوسعية، وليس بوارده التخلي عن سياساته الرعناء، وإنما مواصلة العمل إلى جانب مشغله الأميركي لإطالة عمر الحرب الإرهابية، ومنع الوصول إلى حل سياسي.
تطورات المشهد الميداني أثبتت منذ بداية الحرب الإرهابية أن نظام أردوغان يشن حربا بالوكالة عبر التنظيمات الإرهابية التي يحتضنها ويرعاها، وقواته المحتلة تؤازر تلك التنظيمات على الأرض، إذا لا يكف عن إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية لمحاولة تكريس احتلاله، ولا يتوقف أبدا عن إطلاق التهديد والوعيد بشن المزيد من الاعتداءات على الأراضي السورية من أجل إنشاء ما يسمى “منطقة آمنة” تؤوي إرهابييه وعائلاتهم، وتكون منطلقا لتوسيع رقعة الاعتداءات لاحقا على المناطق الآمنة، وهو بذلك يتنصل من جميع التفاهمات التي اتفق عليها في اجتماعات “أستانا” و”وسوتشي”، وآخرها مخرجات قمة طهران للدول الضامنة لعملية أستانا التي عقدت مؤخرا، وقد بات معروفاً لمتابعي الشأن السوري بأن النظام التركي هو من يعرقل تطبيق مخرجات “أستانا” على أرض الواقع، وذلك تماشياً مع الرغبة الأميركية من جهة، ومع أطماعه التوسعية من جهة ثانية.
فسلوك النظام التركي على الأرض يتنافى بالمطلق مع ما يتم التوافق عليه لجهة ضرورة القضاء على الإرهاب، وإيجاد حل سياسي يضمن إعادة بسط الدولة السورية سلطتها على كامل أراضيها، وقد أثبتت التجارب السابقة بأن هذا النظام يستغل اجتماعات “أستانا” لإعطاء نفسه الوقت الكافي لإعادة تقوية شوكة التنظيمات الإرهابية التي تعمل تحت رايته، ووفق تعليماته وأوامره.
وبهذا الإطار نعيد التذكير بما أعلن وزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو، غداة قمة طهران، بأن نظامه ” لا يطلب الإذن مطلقاً من أي أحد قبل شن عدوان عسكري جديد على الأراضي السورية”، وأشار إلى أن هذا العدوان قد يحدث “بين عشية وضحاها بشكل غير متوقع” حسب تعبيره. فيما كبير مستشاري أردوغان، المدعو أيهان أوغان فأكد بدوره على أن نظامه سينشئ ما سماه “بالمناطق الآمنة” من حلب إلى الموصل، وهذا يشير إلى حقيقة أن نظام أردوغان طرف غير موثوق فيه، وهو اعتاد على ممارسة سياسة المناورة والخداع لكسب المزيد من الوقت لاستكمال أجنداته العدوانية، وهو يتسلح بذلك بدعم الولايات المتحدة باعتباره الطرف الأقوى في حلف الناتو، لجهة تنفيذ الأجندات الأميركية في المنطقة، والتي تصب في النهاية في خدمة الكيان الصهيوني، وفي خدمة مشروع تقسيم المنطقة لضمان حماية هذا الكيان، واستمرار وجوده غير الشرعي.
سورية أعطت الكثير من الفرص لنظام أردوغان، ولكن هذا لا يعني أنها ستتوقف عن محاربة الإرهاب وداعميه حتى تحرير كل شبر من أراضيها، فهذا حق مشروع لها كفلته كل قوانين الشرعية الدولية، وسلوك نظام أردوغان وتصرفاته على الأرض يضعه في مصاف التنظيمات الإرهابية، وقواته الغازية هي قوة احتلال، والجيش العربي السوري، إلى جانب المقاومة الشعبية المتنامية، كفيل بدحر هذا الاحتلال ومرتزقته الإرهابيين، وكذلك بدحر الاحتلال الأميركي وأذرعه الإرهابية على الأرض، والأيام ستثبت ذلك.