لم نلمس متغيرات نوعية حقيقية يمكن أن تسترعي انتباه أي متابع، في إدارة وزارة التعليم العالي لملف الاستيعاب، على الرغم من أن الوزارة تحمل رؤاها سنوياً إلى مجلس الوزراء لاجتماع لجنة “عليا” تعرض خلاله ما لديها وتحصل على “مباركة” للانطلاق في ذات المسارات التقليدية التي درجت عليها في توزيع كوادر المستقبل على الاختصاصات المختلفة.
المثير للتساؤلات كل عام ولم نجد له جواباً، هو إصرار الوزارة على ملء ما يشبه “النصابات” على الكليات الجامعية وفقاً لاعتبارات الحيز المكاني والكوادر التدريسية، وليس احتياجات المؤسسات وسوق العمل وحيثيات الطلب المتغير على هذا الاختصاص أو ذاك، وقد حصلت متغيرات حادة خلال السنوات الأخيرة لم تجد استجابة مرنة لها من قبل الوزارة في سياق رؤيتها لمعايير القبول.
فإن كان لدى الوزارة ما يبرر سياساتها المتحفظة بالنسبة لتنظيم تدفق الراغبين إلى الكليات الطبية – وهي مبررات مطرح جدل وتساؤلات – يبقى عليها أن تبرر تحفظها وترددها في زيادة الاستيعاب في اختصاصات مطلوبة بإلحاح لسوق العمل – غير الطبيات – كالمعلوماتية مثلاً والاختصاصات المكملة التي شهدت نزيفاً كبيراً خلال سنوات الحرب على بلدنا، ونقصها مثار شكوى مستمرة في جميع الوزرات ومؤسسات القطاع العام والخاص أيضاً.
ما المانع من زيادة نسب استيعاب الطلاب في كليات المعلوماتية في كافة الجامعات، ولو على حساب الاختصاصات الأخرى التي لا يبدو أن ثمة حاجة ماسة لها في سوق العمل وتمنح خريجيها لقب “مهندس” لكن دون فعالية ودور حقيقي.
لا بأس من بعض الجرأة في معالجة “هيكلية” وخارطة التعليم العالي حتى لو اقتضى الأمر إلغاء بعض الاختصاصات التي تم إحداثها على عجل، أو إحداث اختصاصات أخرى أو التوسع باستيعاب أعداد أكبر في اختصاصات قائمة، تبدو البلد بأمس الحاجة لخريجيها.
ننتظر من لجنة الاستيعاب ووزارة التعليم العالي هيكلة جديدة لخارطة الاختصاصات العليا، إذ لا يجوز بقاء الخلل الراهن لأنه ليس لمصلحة الطالب ولا المجتمع ولا مستقبل البلاد.