القدس مدينة السلام

صورة القدس بين التوراة والقرآن والكتب المقدسة تتحرك بين سلطة النص وسلطة المقدس، وفي الواقع فإن دراسة صورة القدس هي مسألة محفوفة بكثير من المحاذير والمخاطر والحساسيات، وقدر الكاتب والباحث فيها قدر الطبيب الذي يشرح الجسم لكي يساهم في تشخيص الحالة للوصول إلى فهمها بين جغرافية الروح وجغرافية المكان ولاشك أن هكذا موضوع أو عنوان يحتاج إلى جهد أكاديمي يعتمد على دراسة الأديان المقارنة والانطلاق من أسس وشروط تشكل إطاراً لهذه المقاربة لدفع التفكير في المقدس ولاسيما أننا نحن العرب والمسلمين من أكثر البشر افتتاناً بالدين وأقل تفكيراً به، وهنا نكون أمام مسألة حساسة تكمن في أن لحظة البحث تختلف عن لحظة الإيمان والبحث في جغرافية القدس ولوج في قضية صعبة تشغل العالم وكذلك قضية فلسطين والصراعات القائمة راهناً ولاسيما أن القدس في متون الكتب السماوية واللاهوت المقدس ستشهد نهاية العالم. بعد تلك الإضاءة نشير إلى أن للمقدس تمثلات ومخيلة في عقل المؤمن وذهنيته، وهنا نكون أمام جغرافية تحمل هذا المعنى عند المسلمين واليهود والمسيحيين وفي تتبعنا للأسفار الخمسة والقرآن نجد أن القدس كتسمية لم ترد في القرآن عدا سورة الإسراء، حيث تمت الإشارة إلى المسجد الأقصى بينما في الأسفار الخمسة فيرد فيها ذكر أورشليم نحو 580 مرة فهل المقارنة العددية تحيل إلى شيء ؟ هنا لابد من التمعن والتدقيق في تفسير ذلك وحقيقة النص، ونشير إلى أن فكرة الحرم والكرم للغريب موجودة في الثقافة القديمة العربية والسامية وجاء بها الإسلام فأسلمها إن جاز التعبير بينما نجد في الثقافة اليهودية أن الغريب أو الآخر غير اليهودي من الأغيار وشأنه شأن الحمار الذي يحق له أن يركبه، فثمة فكرة استعلاء عند اليهودي ناهيك عن نظرته للأرض وأنه بمفهومه أن الله قد ملكها لهم وأن دم اليهودي يساوي دم ألف من الأغيار، فالتقديس في اليهودية هو لليهودي فقط فما السبيل والحال هذه للتخفيف من العناد الإيماني.

من هنا تصبح الأسئلة في مقاربة هذه المسألة هدفها إنتاج معرفة معينة من خلال التركيز على القدس في النص التوراتي ثم القدس في النص القرآني تليها مقارنة ومقاربة بين تلك النصوص والدراسات الاركولوجية والانتربولوجية، وهنا نشير إلى أنه لا يمكن أن نركن إلى مقاربة واحدة لكي نخرج من مأزق وأن المقاربات التقليدية لقضايا الإيمان والأديان لم تعد تجدي نفعاً. ولعل الحديث عن هوية القدس وتاريخها يبرز أهمية التعامل والتعاطي مع كل المقاربات اللغوية والدينية والجغرافية والانثربولوجية الخادمة للبحث العلمي والحقيقة الدينية، ولكي تكون حقيقة لابد أن تخضع للنقد العلمي والقرآن نفسه يدعو الناس للنظر والتدبر ليكون المؤمنين على بينة من أمرهم ولاسيما أن الصراع في القدس أو على القدس هو صراع هويات وصراع ديانات في جغرافية مقدسة بين جغرافية الروح وجغرافية المكان وبالعودة للتاريخ يلمس الباحث أن ثمة تعلقاً عربياً عدنانياً ببلاد الشام من خلال تواصل روحي واجتماعي واقتصادي بين سكان بلاد الشام وجزيرة العرب فكانوا برحلات متواصلة، وهنا يقول روجيه غارودي إن العرب كانوا موجودين في بلاد الشام منذ آلاف السنين فهم لم يأتوا مع الإسلام أو مع المسلمين بل اعتنق بعضهم الإسلام وبعضهم الآخر بقي على دينه.

وتجدر الإشارة إلى أنه في المرويات اليهودية حديث عن بابل وآلام اليهود أسقطها البعض على القدس عن جهل أو تعمد إضافة إلى أن القدس كانت تعني اليهود والمسيحيين والمسلمين والصابئة ومجموعات دينية أخرى، فاليهود بوصفهم أصحاب ديانة كانوا يعيشون مع العرب وبين ظهرانيهم سواء في شبه الجزيرة العربية أم في الشام وكانت العلاقة بينهم طبيعية ومتنوعة، وما حالات الصراع إلا نتيجة لأشكال وسبل الهيمنة وأحياناً باسم الاحتواء أو الاستعمار فيعاد استعمال النص الديني في كل شأن يريده أي طرف من هذه الأطراف فلابد من مقاربة موضوع ارتباط الدين بالعنف بقصة الاستعمار والسيطرة، فثمة صراعات سياسية تأخذ مشروعيتها من الجانب الديني فالصهيونية ابتداء لم تأخذ بداية الجانب الديني بل العلماني ولكن في خضم الصراع جاء الدين ليسند السياسة ويبررها، فيقع اللجوء إلى ما يفيد الهيمنة، فغالباً ما يستعمل الدين في أمور لا يطمح لها أو يؤمن بها، حتى أن هناك حركات دينية يهودية لا تقبل بل ترفض أن تكون دولة دينية في فلسطين أو إسرائيل، وترى تلك الجماعات أن وجود دولة لليهود في هذا القرن هو نذير شؤم مؤذن بكثير من الأمور الخطيرة.

هل القدس مكان للالتقاء والتفاعل أم مكان للهيمنة والسيطرة هذا هو السؤال المهم وهذا السؤال يجب أن يطرح على اتباع الديانات التوحيدية كلها، فالاستبعاد هو عقلية أو ذهنية قد يجد البعض لها تبريرات في النص، ولكن الواقع هو الذي يطغى ويهيمن علينا، فنحن لو قرأنا القرآن جيداً سنتبين أشياء كثيرة، فمثلاً اكثر الحركات الدينية أو الدعوات الدينية تلتقي أخيراً في موضوع التصوف، فهل يمكن أن يكون التصوف جزءاً من الحل المريح للأديان أم الحوار الذي غالباً ما تكمن خلفه نيات غير طيبة أو مواقف مسبقة لا يحيد عنها المتحاورون والدليل أن ما يسمي حوار حضارات وحوار أديان لم يفض إلى شيء لأن أغلب من يأتي للحوار هو من المؤسسات الدينية ذاتها ويأتي برؤية ما يعتبرها هي الصحيحة والحقيقة التي يجب أن يبلغها الجميع أو الآخرين المختلفين، فيصبح الحوار عقيمًا، وهذه معضلة حقيقية في ظل عدم امتلاك عقلية القبول بالآخر وتاريخياً كان هناك حوار ومراسلات بين أصحاب الديانات، ولكننا اليوم أشبه ما نكون أمام عصر الانغلاقات الكبرى، والسؤال اليوم كيف ندفع باتجاه الحوار مجدداً إلى الأمام، وهنا لابد من تخليص الايمانات أو الأديان من سطوة السياسيين والهيمنة وتخليص قلوب المؤمنين من ضغائن السياسيين ومصالحهم من خلال نمذجة بعض القضايا الدينية لتكون الأداة في ذلك، وتقدم للمجتمع على أنها دينية، ولكنها في الحقيقة عملية توظيف سياسي للدين، فالإشكالية ليست في الدين بوصفه ديناً، وإنما بعملية نمذجته وتوظيفه سياسياً، ولكن العنف كعنف ارتبط بالإنسان أينما كان، والبعض يربطه بالذكورة فلا يتصارع من كل الأنواع إلا الذكور، فالإناث بيولوجيا براء من العنف بينما الذهنية البطريركية عنيفة، فالديانات يجب أن تتبرأ من العنف بما فيها المسيحية والإسلام، فباسم المسيحية قامت الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش والحروب الدينية في أوروبا والحركات المتطرفة في الإسلام والإرهاب الصهيوني الديني ولكن كل ذلك حصل عندما أضيفت السياسة إلى الدين، فمسيحية زائد سياسة أنتجت حروباً صليبة وإسلاماً زائد سياسة أنتج القاعدة وداعش ويهودية زائد سياسة أنتجت صهيونية عدوانية متطرفة، فالدين تضاف إليه سياسة يتحول إلى تطرف وعنف والمركزية الأوربية المهيمنة حاولت وتحاول أن تنسب العنف للإسلام في حين أن الدراسات التاريخية تشير إلى أن المسيحية السياسية أنتجت عنفاً وحروباً ضحاياها تتجاوز عشرات المرات ما أنتجه العنف الإسلامي ناهيك عن العنصرية والفصل والتمييز العنصري، فحين يدخل الجميع حلبة الصراع نرى أنه حتى الذي يجلب معه ديانة الرحمة يصبح أكثر دموية وحتى الذي يجلب معه ديانة التسامح نجد أن ذلك الشعار لا يتطابق مع ما يمارسه أصلاً حتى إن بعض المتصوفة يمارسون في ظروف معينة أشكالاً من العنف، فالإنسان هو الذي يصنع وضعه في الأديان ويصنع وضعه في السياسة ووضعه في التاريخ وفق ثقافته، فالمخزون الثقافي يضاف إليه خلاصة الدين، فعندما نتحدث عن الإسلام نقرنه بالرحمة فأين نحن من الرحمة ذلك هو السؤال وكذلك هو السؤال لكل اتباع الديانات، فكل أصحاب الديانات يمكن أن يكونوا مسالمين، فلا يمكن تبرير العنف باعتقادات معينة صحيح أن هذه الاعتقادات عامل مؤثر ولكن الذي يؤثر أكثر هو ثقافتك التي يفترض أن يكون لها أبعاد إنسانية ولكن المشكلة أن الديانات كلها تتعرض لتجريدها من البعد الأنسي أو الإنساني فيها.

والسؤال ما السبيل لأنسنه الديانات وإخراجها من دائرة أو مستنقع العنف؟ والحقيقة أن الدين يأتي أصلاً لمصلحة الإنسان وهو بالنتيجة خطاب من الله الخالق للإنسان المخلوق، وهو رسالة السماء إلى الأرض، فكيف يكون الدين إيماناً خالصاً وإيماناً صافياً إذا لم تكن فيه كلمة الله مؤثرة في فعل الإنسان، فالقيمة الأساسية والمركز في الدين هو الإنسان وكرامته، فإذا كان النص الديني في البدء كان الكلمة، ففي البدء أيضاً كان الإنسان، فكلمة الله تكون مفهومة لأنها لهدايته وفي الرسالات كلها المخاطب هو الإنسان، فإضفاء المسحة الإنسية والإنسانية على الدين وإبراز البعد الإنساني فيه هو قدر الأديان كلها حتى القدس أصلا اسمها مدينة السلام فكيف تكون مدينة السلام في هذا الوضع الدموي الصراعي والنازف الذي يتسبب به الكيان العنصري الصهيوني ويعتدي فيه مستوطنوه على الأماكن المقدسة إسلامية كانت أم مسيحية، ويدنسونها وعلى مسمع ومرأى وحماية من قوات الاحتلال، فهو أمر يهدد فكرة التسامح التي جاءت بها المسيحية والإسلام وكل الديانات السماوية وهذا ليس في صالح الإنسان والإنسانية على وجه العموم.

 

 

آخر الأخبار
مسؤولان أوروبيان: سوريا تسير نحو مستقبل مشرق وتستحق الدعم الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار