رغم أن من أكثر أسباب القدرة على تلافي أي مشكلة وتجاوزها هو اكتشاف حجمها والإحاطة بها بشكلٍ كامل، للوقوف على نوع العلاج وما يتطلبه من طاقات وإمكانات، ومعرفة الاحتياجات اللازمة للتلافي والكفيلة بالتجاوز. فكما لا يفيد حرق لحافٍ من أجل برغوث، فإنه لا يفيد أيضاً إطفاء محلٍّ يحترق بكأس ماء.
فالجهل بالمشكلة يتبعه بالتأكيد جهلٌ بالعلاج إلاّ من قبيل الصدفة المحضة، تماماً كما هو عليه الحال اليوم أمام معدلات البطالة عندنا، فلا أحد يقف على حقيقة هذه المعدلات رغم أن الكثير من الدلائل والوقائع تشير إلى ارتفاعات شاهقة، ولكن الاكتفاء بتقدير الارتفاع لا يفيد، ولا بد من قياس المسافة الحقيقية بدقة إن كنّا ننوي تركيب مصعد إسعاف يساهم بإنقاذ العالقين هناك، وإن لم نفعل فقد لا يصل المصعد إلاّ إلى المنتصف.. أو أكثر.. وربما أقل من ذلك.. لا بل وقد لا يُقلع نهائياً في ظل غياب دراسة جدية تُبنى على أسسٍ واضحة كي تستهدف جميع العالقين.
المكتب المركزي للإحصاء يعطي بيانات غير مقنعة ولاسيما بعد بيانات قوة العمل الصادرة عنه بين عامي 2019 – و 2020 حيث قال بأن معدلات البطالة تراجعت من 31,2% في عام 2019 إلى 20,9% في عام 2020 وهذا لا ينسجم إطلاقاً مع الوقائع التي تشير إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في عام 2020 جراء اشتداد الحصار مع ما يسمى قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ في شهر حزيران من ذلك العام، وجراء قيام الحكومة بفرض حظر كلي، ومن ثم جزئي ناجم عن ارتدادات انتشار فيروس كورونا.
كما أن هناك جهات داخلية وخارجية تعطي نسباً غير مقنعة لمعدلات البطالة في سورية، فالبعض يقول بأنها تصل إلى 40 أو 60% فيما يشطح البعض الآخر ليوصلها إلى 85% وكلها في واقع الأمر مجرد نسب غير مقنعة وغير موثوقة، ولذلك لا يمكن البناء عليها من أجل الوصول إلى علاج حقيقي يستهدف التخلص – أو على الأقل التخفيف – من هذه المشكلة الاقتصادية والاجتماعية المزمنة والخطيرة.
المشكلة الأكبر من ذلك هي إن كانت الحكومة ترغب فعلياً باستمرار هذه الصورة المشوّشة لمعدلات البطالة، لأنها بهذا التشويش تعفي نفسها من أي خطة لعلاج حقيقي وناجع، وتعفي نفسها حتى من مجرد التفكير بتخصيص إعانات أو تعويضات للعاطلين الحقيقيين عن العمل، لأن أحداً لا يعرف النسبة ولا المعدل ولا من هو عاطل عن العمل أو غير عاطل، وهي تدرك جيداً أن المكتب المركزي للإحصاء غير مؤهل بأدواته ووسائله المتواضعة حالياً لأن يُعتمد عليه بالوصول بإحصاءاته إلى حالة يقينية، وهو بما هو عليه لا يفيد فعلياً لا للسيف ولا للضيف ولا لغدرات الزمان .
في الواقع كنتُ أنوي في هذه الزاوية أن أطالب – وعلى الملأ – بتخصيص معونات أو تعويضات للعاطلين الحقيقيين عن العمل، وبحثتُ جاداً عن نسبة حقيقية للبطالة كي أدافع عن الفكرة فلم أعثر إلا على تلك المتاهة التي توصلنا إلى قناعة بأنه على الرغم من تفاقم البطالة في مجتمعنا فإننا لا نعرف معدلاتها ولا نسبتها.. ولا من هم العاطلين عن العمل.. ولذلك لكم الله أيها العاطلون..