الثورة – فاتن أحمد دعبول:
عندما يبدع الشباب، يغني الوطن، فكيف إذا كان الوطن هو سحر البلاغة والشعر والكلمة المقاومة، فالحب مقاومة، والكلمة مقاومة، ودعوة الأجيال إلى الحياة هي أيضا نوع من المقاومة.
وفرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب يحتفي كعادته بالمبدعين، ويستقطب على منبره كل من يحمل في جعبته شيئاً من الإبداع يقدمه قرباناً لتراب الوطن، وينتصر فيه للخير والحب والجمال.
وفي تقديمه للفعالية الشعرية واستقباله للشاعر العراقي عبد المنعم حمندي، بيَّن د. إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، أننا جميعاً معنيون بالشأن الثقافي، لأن صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود، صراع له علاقة بالحضارة والتاريخ والثقافة. وأشار بدوره إلى طبيعة العلاقة التي تربطنا بالعراق الشقيق، حضارياً وتاريخياُ وثقافياً واجتماعياً، وربما آلامنا وآمالنا واحدة، لأننا نعيش المعاناة وتبعات الحروب نفسها، ولاشك أن البلدين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
الشاعر عبد المنعم حمندي: ضمير أمة
دمشق قلب العروبة النابض، وسورية الحبيبة هي الوطن والملاذ الآمن لكل العرب، ما من عربي يضيق به الدنيا حتى يتوجه إلى سورية فتحتضنه دمشق، لذا سورية لم تغلق أبوابها في وجه أي مثقف أو مفكر عربي، رعتهم وأمنت لهم الحياة الكريمة في هذا البلد الذي يعيش المحنة.
بهذه الكلمات عبَّر الشاعر العراقي عبد المنعم حمندي، وقد حلَّ ضيفاً في فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، للمشاركة في الفعالية الشعرية.
أما عن دور المثقف العربي في الواقع الراهن، يقول حمندي: إن كان المثقف العربي في أزمة، فالمثقف العراقي يعيش أزمات، وهو مبتلى ما بين المطرقة والسندان، ودوره في هذه المحنة أن يكون ضمير شعبه، ملتحم بوطنه ومأساة شعبه، ويستنفر الضمير الوطني من أجل عبور هذه الأزمة، فلم يبق للمثقف الوطني غير شرف الموقف، وهو أهم من كل الاعتبارات الأخرى، وعليه ألا يلهث وراء المال والمغريات والجوائز التي تلوح بها بعض المؤسسات، وعلى المثقف العربي أن يلتحم بهموم شعبه وقضايا وطنه الكبرى.
وفيما يخص واقع الشعر فيبين حمندي أن الشعر الحقيقي هو نتاج معاناة، والشاعر الذي يعبر عن موهبة حقيقية، الشعر عنده هو أكسير الحياة، يتنفس شعراً ويكتب شعراً، فالشعر صوت وإيحاء، أما تأثير المحنة والمأساة وضيق الحياة على المبدع عموماً وعلى الشعر بشكل خاص، فهذا طبيعي لأنه ابن المجتمع، فكلما ازدادت المحنة، اشتدت المأساة وتفجر الشعر أكثر، وهذا مرتبط بوعيه وثقافة الشاعر وحجم موهبته.
ويضيف: منذ احتلال وطني (العراق) عام 2003، وحتى اليوم أصدرت 9 مجموعات شعرية، بعضها في دمشق وبعضها في الأردن، وواحدة في رام الله، كما أصدرت قبل الحرب 6 مجموعات شعرية، والاحتلال أحدث تحولاً عندي، فكلما اشتد القهر، واشتدت المحنة، ازددت تدفقاً وشاعرية ووعياً، وحتى قصائد الحب في هذه المرحلة تختلط بآثار الاحتلال والمحنة، لذا فقصائدي تتسم بالتشظي الحياتي، الشاعر يصهر المعاناة في نصه.
ومن قصيدته” القيامة” نقرأ:
كم حسرة في الرافدين كبرت معي، والحزن يكبر مرتين، حتى تشابكت الطفوف بمذبحين
رأس العراق على القنا، وأمامه رأس الحسين.
نهران من دمع النخيل، وفي البكاء المر، قام الميتون، واستنفروا المدن القديمة والمدى
والتين والزيتون والبلد الأمين، وذلك الزمن الخؤون، فاخفض جناحك للجنون، مطر الرماد على الجفون
مطر الرماد على الجفون، أحلى إلي من المنى، هذي السماء، في الأفق والألوان إن نزلت، ستنزل في سحاب المعتمات من النجوم، والشمس أعجب في عماي، فهل عماي الضوء أم أخفى الظلال لكي تراني.
إيمان موصللي: نافذة للروح
تكتب الشعر لكل إناث العالم أولاً، وتكتب الشعر لنفسها ثانياً، الشاعرة إيمان الموصللي ترى بأن الشعر هو نافذة للروح، وهو يخرج من الواقع ولكن الخيال يلعب الدور الأكبر فيه، وتقول:
نحن نجمِّل الواقع ونخترع واقعاً خاصاً بنا، ولكن لا نستطيع أن نبعد عن الواقع الذي نعيش فيه أصلاً، وكثير من الشباب يكتبون الشعر ويعبِّرون عن أنفسهم، وهذا فأل حسن، ولكن يجب ألا يستسهلوا الكتابة لأن الزمن كفيل بإبراز الجيد وتراجع الموهبة غير الناضجة.
ومع ذلك تلك المحاولات هي طاقات إيجابية تصب في خانة الانتصار للجمال، وهذه ظاهرة صحية، يجب أن نشجعها ونعمل على تطويرها، ومن قصيدتها” أنا الشجرة” نقتطف:
عندما كنت شجرة وامتلك ظلي، أثمرت مرة دون مطر، نظراتك كانت سمائي السخية
وحين قررت أن أتفقد جذوري، ابتلعتني رمال الأرض المتحركة، وأصبح ظلي خالياً مني
تجمع الملح في فمي، حتى عجزت عن الصراخ، مددت يدي إلى يدك، فلم أجدك
لم يلاحظني أحد، وأنا أرتطم بي، كل يمشي، ولا يلتفت للأمام، جلدي المترهل يعصر عظامه.
جسدي فقد قوامه الجميل، هل حسدوني؟
الكتابة.. حياة
ومن المشاركين في الفعالية الشعرية الشاعر غدير إسماعيل الذي عبَّر عن أهمية دور الشعر في الزمن الحالي، وقال إن الشعر هو تشكيل لغوي يتعلق بلا وعي الإنسان والمكنونات الباطنية، ولكن نتيجة انعزال الإنسان عن الواقع، فقد الشعر وظيفته الواقعية، وأصبح مجرد كلام فني جميل، يلقي بعضاً من الظلال على أرض أرهقتها الشمس الحارقة.
ولكن هذا لا يعني أن الشعر فقد وظيفته كاملة، بل انحسرت الوظيفة الشعرية نتيجة تغير اهتمام الإنسان بالأولويات، والشعر من الأساسيات لكنه مغيب نتيجة انشغال الإنسان بمتطلباته اليومية، ونرى أن” التريند” هو الشائع أكثر من القصيدة، وأصبح الشعر فاكهة جميلة تقدم على موائد المختصين والمثقفين، ولا وظيفة له غير ذلك، ولكن رغم ذلك سنكتب، لأننا لا نتقن شيئاً غير الكتابة.
ومن المواهب الشابة تميزت الشاعرة آية شحود وهي تتحدث عن حالة عشق تعيشها، وتزهر شعراً يضفي على الأجواء حالة جميلة للمشاعر التي تتدفق في حنايا روحها، تقول في قصيدة” هذا رجلي”:
رجلي الشرقي، حبيبي الذي كان كبوح القمر في عتمة غطت سماء كانون الأول
شاب وسيم في العشرين زهرة من العمر، متمسك بشرقيته، مسيطر على أنوثتي
تعال واستثر شغفي، بعناق عينيك، أنا هنا حيث الشرقية،
إني متيمة بك لأنك وهبتني ما تبحث عنه ألف فتاة بين صفوف آلاف الرجال.
كما شارك في الفعالية الشعرية نور الموصللي وعبد الشكور القاري.