الثورة – لجين الخطيب:
تقول الأسطورة القديمة إن شاباً فائق الجمال يُدعى (نرسيس) قتلته ثقته بذاته التي تجاوزت حد الغطرسة، وإحساسه بالعظمة والتفوق على الآخرين، واعتقاده بأن الكون يجب أن يسير على هواه ووفق مشيئته وبطريقته وحده، وهو ما اشتُّق منه فيما بعد مصطلح (النرجسي) إشارة إلى كل مَن تنطبق عليه الصفات المذكورة أعلاه، تلك الصفات التي حملها قادة ومسؤولو الولايات المتحدة الأمريكية على مر الزمن، حتى ظنّوا أن التفرّد بحكم العالم لا يجب أن يخرج عن سيطرتهم فتصبح مكانة واشنطن مُهدَّدة كقطب واحد أوحد يحدّد مصائر أُمم وشعوب على هواه.
تلك النرجسية والغطرسة المعهودة لدى الولايات المتحدة هي غالباً ما تدفعها إلى التهوّر، وما سياساتها الحمقاء مؤخراً إلا خير دليل، فعلى ما يبدو أن واشنطن لا يمكنها استيعاب أن يشاركها أحد عرش القوة والعظمة، وأن تتحول إلى مجرّد قطب في عالم متعدد الأقطاب، وهو كابوس بالنسبة لها ترفض الاعتراف به، بالرغم من كل التوقعات التي تشير إلى ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، خاصة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “توني بلير” قائلا إن “حرب أوكرانيا أظهرت أن هيمنة الغرب تشهد نهايتها في ظل صعود الصين لتكون قوة عظمى بالشراكة مع روسيا، وإن العالم سيصبح ثنائي القطب على الأقل أو متعدد الأقطاب”.
يبدو أن حكّام الولايات المتحدة مستعدون لارتكاب أيّ حماقة واستفزاز وإشعال حروب في سبيل الحفاظ على صورة الطرف المسيطر على العالم، بغض النظر عن تبعات تلك السياسة على الشعب الأمريكي الذي يعاني أزمة اقتصادية هي جزء من أزمة عالمية سببتها واشنطن عندما دفعت أوكرانيا إلى مواجهة مع روسيا في محاولة لقطع الطريق على موسكو وعزلها سياسيا واقتصاديا، وهو ما فشلت به واشنطن فشلاً يُضاف إلى سلسلة من الهزائم التي هزّت صورتها كقطب وحيد حاكم، آخرها الانسحاب الذي تم وصفه بالمُخزي من أفغانستان.
لم تكتفِ واشنطن بإشعال فتيل المواجهة بين موسكو وكييف، بل تحاول أيضاً جرّ تايوان إلى حرب مع الصين كما فعلت في أوكرانيا، فبالرغم من التهديدات والتحذيرات الصينية للولايات المتحدة من زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي “نانسي بيلوسي” إلى تايوان، نفّذت الأخيرة زيارتها في استفزاز واضح للتنين الصيني، وهو ما أدانته دول عدة منها سورية وروسيا وفلسطين، مُعبّرين عن تضامنهم مع الصين وتأكيدهم على سياسة الصين الواحدة.
سيناريوهات عدّة تحملها الأيام القادمة بخصوص الأزمة الصينية الأمريكية، فالبعض يتوقع بقاء الوضع كما هو عليه في تايوان إلى أطول فترة ممكنة، بينما يرجّح البعض الآخر اندلاع حرب بين الصين وتايوان ومن خلفها أمريكا وبالتالي ضم بكين للجزيرة التي تعتبرها جزءاً من أراضيها، وهو ما لا تعترف به واشنطن وتقدّم كافة أشكال الدعم العسكري لتايوان منذ سنوات، وبينما يعتبر البعض أن الولايات المتحدة تودي بنفسها إلى الهلاك نتيجة سياساتها غير الواعية مؤخراً، هل يمكن أن تذهب أبعد من ذلك سواء مع الصين أو روسيا في سبيل التمسك بوهم الأحادية القطبية؟.