أصبحت مسألة التعيينات في الجهات العامة للدولة حالة غامضة تجهل حتى هذه الجهات المستند التشريعي لإجرائها سواء تعلق الأمر بتعيين موظفين جدد أم بتسمية إدارات لهذه الجهات.
ما تم الإعلان عنه مؤخراً لفتح باب الترشيح لتولي عدد من الإدارات العليا يندرج في إطار حالة الاستغراب والغموض الذي يكتنف التعيين في الجهات العامة، فالأمر يحتاج إلى بنية قانونية قبل أن يكون هناك بنية تنظيمية لأن البنية التنظيمية يجب أن تستند إلى تشريع لا تقيد التشريع وهنا نجد أن التعليمات التي وضعت قيدت التشريع وقيدت صاحب الصلاحية لأن صلاحية رئيس مجلس الوزراء بتسمية المديرين العامين أو الحالات التي أعطيت تسميتها بمرسوم لم تضع شروطاً تقييدية في هذا الجانب، المُشرّوع عندما وضع مثل هذه القواعد وتركها للسلطة التقديرية ( رئيس مجلس الوزراء، أو رئيس الجمهورية ) فكان يستند على واقع بأن العاملين في هذه الجهات معروفون، تتوافر فيهم الشروط، ولا يمكن استقدام أشخاص من خارج الوظيفة العامة لتولي هذه المواقع، أيضاً تعيين الإدارات بطريقة الإعلان في ظل ما تعانيه جهاتنا العامة من تفشي الفساد وانتشاره يفتح الباب واسعاً لتكريس الفساد والابتزاز والمزايدات لاختيار هذا الشخص أو ذاك بعيداً عن الهدف الحقيقي في السعي لتحسين إدارة هذه المواقع.
النقطة الأخطر في هذه الطريقة لاختيار الإدارات في حال وقوع أخطاء ومخالفات وارتكابات من الذين يسمون بهذه الطريقة سوف يتذرع الوزير أو الإدارة بأنه تم اختيارهم على أنظمة موضوعة مسبقاُ ولا علاقة ولا صلاحية له في اختيارهم، وليس له دور في مجيئهم خلافاً للواقع، وهذا يؤكد بأن السلطة التقديرية للوزير لا يمكن إلغاءها تسليماً لحكم أن كل من تقدموا ستتوفر فيهم الشروط.
تعيين الإدارات والأشخاص يخضع لقانون العاملين في الدولة، ولا يمكن استبداله ببنية تنظيمية تقيد وتتجاهل القانون، ومن غير المفهوم أن تعجز الجهات المعنية عن تعديل القانون الأساسي للعاملين في الدولة بعد عدة سنوات من طرح الأمر.
ما يجري باختيار الإدارات وتعيين العاملين أضرَّ ببنية هذه الجهات العامة وقلل من هيبتها، فالتعيينات والتسميات الفنية لا يمكن أن تحددها سوى إدارات فنية، والتقليل من سلطة الإدارات القائمة و تهميشها يُضعف من سلطة المؤسسات التي تشكل مُجتمعة سلطة الدولة، وبالتالي يُضعف الدولة.
لا يوجد مشروع إيجابي أو سلبي بالكامل، ولكن أي تجربة تخضع للتقييم لمعالجة التشوهات وتعزيز نقاط القوة، وما لم تجر المراجعات والتقييمات الدورية فقد يقودنا هذا المشروع إلى حالة الضياع والانهيار.
التعامل مع الإدارات بهذه الطريقة التنظيمية أفرغت المؤسسات من كوادرها المؤهلة والخبيرة، و لاسيما الفنية، ولا يمكن لأي جهة خارج إطار أي جهة عامة أن تحدد لها من يشغل مفاصلها ومن تحتاج الجهة لخدماته كي تمدد له، التمديد يجب أن يكون بطلب من الجهة لمن ترى ضرورة استمرارهم ومن كافة الفئات الوظيفية وليس ترجى منهم.
التقييم يكون على أرض الواقع وليس في المكاتب، ومن الجهات المعنية مباشرة وليس من جهات غير مختصة وملمة بطبيعة وخصوصية كل جهة.
التالي