الثورة – ريم صالح
ربما يجوز لنا القول إن السحر التصعيدي، وسلاح العقوبات الغربية ارتد على الساحر الأوروبي، وبشكل رئيسي على الألماني، أي أن هذه الأنظمة الأوروبية بدأت تكتوي بالنيران التي أشعلتها عبر سياساتها الرعناء بفرض العقوبات على موسكو، فلم تحرق إلا أصابعها ولم تكتو إلا هي وشعوبها فوحدهم من سيدفعون أثمان سياساتهم الحمقاء ويموتون بصقيع ضمائرهم الميتة وأخلاقياتهم المعدومة.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر هنا فإن العناد الألماني وتمسك برلين بنهجها بالتخلي عن الغاز الروسي كلفها الكثير، ففي أول 5 أشهر فقط من 2022 ارتفعت واردات الغاز 160%.
وكانت بيانات رسمية، قد أظهرت أن الزيادة في قيمة واردات ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، تأتي على الرغم من تراجع حجم الواردات بنحو 23% في نفس الفترة. وفق “سكاي نيوز”.
وهنا من الضروري الإشارة إلى أن ألمانيا كانت تستورد الغاز بشكل رئيسي من روسيا، إلا أنها بدأت في الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال بشكل أكبر منذ بداية الحرب الأوكرانية الروسية المفتعلة أمريكياً.
وتعتبر إحصاءات شهر أيار، والصادرة من مكتب التجارة الخارجية الألماني، هي الثالثة التي تعكس تأثير الحرب في أوكرانيا، بجانب تأثير العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو.
حيث أظهرت بيانات مكتب التجارة الخارجية، التي نشرت مؤخراً، أن حجم واردات الغاز في الفترة من كانون الثاني إلى أيار بلغ 50.1 مليار متر مكعب، بانخفاض حوالي 23 بالمئة عن الفترة نفسها في 2021.
هذا في حين قفزت قيمة الواردات إلى 26.3 مليار يورو (26.74 مليار دولار) في الخمسة أشهر الأولى هذا العام، مقارنة مع 10.1 مليارات يورو (10.24 مليارات دولار) في نفس الفترة العام الماضي.
ومن الضروري التنويه هنا أن ألمانيا تحتاج إلى خفض استهلاكها من الغاز أكثر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي من أجل تحقيق هدف التوفير في الاستخدام المتفق عليه للتكتل البالغ 15%، وفقا لحسابات (د.ب.أ) باستخدام بيانات المفوضية الأوروبية.
وبناء عليه يجب على ألمانيا أن تجد بوسيلة أو بأخرى طريقة لتوفير 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي بين بداية آب وآذار من العام المقبل من أجل الوصول إلى هدف الاتحاد الأوروبي، أي ما يعادل متوسط الاستهلاك السنوي للغاز لـ 5 ملايين أسرة مكونة من أربعة أشخاص.
ونظرا لارتفاع مستوى استهلاكها للغاز فإن ألمانيا، مطالبة بتحقيق عمليات توفير أكبر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، مما يجعلها مسؤولة عما يقرب من ربع عمليات التوفير في الغاز في جميع أنحاء التكتل.
وفي هذا الصدد دق رئيس اتحاد الصناعات الألمانية، زيجفريد روسورم، ناقوس الخطر بقوله إن ألمانيا في خضم أكبر أزمة طاقة منذ تأسيس الجمهورية الاتحادية، وأنه يجب على الشركات والمستهلكين من القطاع الخاص القيام بدورهم لتوفير الغاز من أجل منع توقف الإنتاج، إنها الآن مسألة تصميم وسرعة”.
أما على الصعيد المحلي، فقد تسببت المستويات المرتفعة لأسعار الغاز في ألمانيا نحو دفع فواتير الكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة، ودخل واحد ضمن كل 4 أشخاص -حتى الآن- ضمن نطاق شرائح “فقر الطاقة”، وفق بيانات معهد كولوغن للأبحاث الاقتصادية.
الأمر الذي من شأنه أن يزيد من الأعباء الحكومية، إذ تعكف حاليًا على إعداد برامج دعم للأسر منخفضة الدخل.
ومن ضمن السيناريوهات التي يحذّر منها محللون إمكان تسبب نقص إمداد الغاز في ألمانيا بتوقُّف بعض المرافق، وانخفاض الطلب الصناعي على الوقود بنسبة 17%، إذا استمرت تدفقات خط نورد ستريم 1 عند مستوى 20% المنخفض.
أما في القطاع الصناعي فقد أظهرت بيانات اقتصادية نُشرت في 4 آب 2022، تراجع الطلب على إنتاج المصانع في ألمانيا خلال حزيران الماضي للشهر الخامس على التوالي في ظل استمرار تأثيرات ارتفاع معدل التضخم واضطراب سلاسل الإمداد على آفاق أكبر اقتصاد في أوروبا.
وذكر مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني في بيان أنه “في ضوء زيادة حالة عدم اليقين الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية ونقص إمدادات الغاز، مازال نمو الطلب ضعيفا.. كما أن آفاق النشاط الصناعي مازالت مقيدة في ظل استمرار تدهور مناخ الأعمال”.
واللافت بحسب محللين أن مستويات تخزين الغاز في ألمانيا لاتزال لا ترقى لمستوى يؤهل أكبر الاقتصادات الأوروبية لمواجهة شتاء بارد خالٍ من الإمدادات الروسية، إذ إن معدل التخزين الذي تعهدت بالوصول إليه مطلع تشرين الثاني المقبل مازال يواجه تحديات.
ورغم أن خطط الاتحاد الأوروبي المعلنة -قبل أسبوع- ترمي إلى خفض استهلاك الغاز بدءًا من الآن، فإن برلين تحتاج إلى معدل خفض أكبر، لاسيما بعد أن خفضت شركة غازبروم تدفقاتها إلى ألمانيا عبر خط نورد ستريم 1 لأسباب “فنية”، ما يزيد من صعوبة تعزيز مستويات التخزين، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأدى خفض تدفقات الغاز الروسي إلى ارتفاع أسعاره أوروبيًا لما يزيد عن 30% الأسبوع الماضي، ما ترتَّب عليه ارتفاع أسعار الكهرباء مسجِّلةً أرقامًا قياسية.
وفي الآونة الحالية، بات أمن إمدادات الغاز في ألمانيا على المحك، إذ إن المهلة المتبقية أمامها لتعزيز مستوى التخزين قبيل زيادة الطلب مع دخول فصل الشتاء باتت وشيكة، وتُقدَّر بنحو 3 أشهر فقط حتى مطلع تشرين الثاني.
ووصفت محللة الأبحاث في وود ماكينزي، بيني لينك، أن خفض غازبروم لتدفقاتها من الآن يدفع إمدادات الغاز في ألمانيا لمواجهة مرحلة الخطر، بتأثيرها في مستويات التخزين.
وقُدِّر مستوى تخزين الغاز في ألمانيا -حتى الآن- بنحو 68%، غير أن التوقعات تشير إلى انخفاض هذا المستوى، خاصةً بعد قرار غازبروم فيما يتعلق بتدفقات نورد ستريم 1.
ويبدو أن الهدف الحكومي بالوصول إلى مستوى تخزين الغاز في ألمانيا لما يقارب 95%، بحلول مطلع تشرين الثاني، بات مشكوكًا به في ظل مستوى التدفقات الحالي.