على هامش ورشة العمل التي أقامتها وزارة الإعلام بالتعاون مع لجنة صناعة السينما والتلفزيون مطلع هذا الشهر تحت عنوان (الدراما السورية.. صناعة فكر ومسؤولية مجتمعية) تحدثت زاوية الأسبوع عن الرسائل والقيم التي يفترض أن تعكسها الدراما في إطار ترسيخ الهوية الوطنية، من خلال استحضار ما قدمته الدراما التلفزيونية السورية فعلاً، منذ انطلاقتها مطلع ستينات القرن الماضي، وتوقفت الزاوية عند مسلسل (مذكرات حرامي) الذي أنتجه التلفزيون عام 1969، وهو مسلسل من 13 حلقة عن نص لحكمت محسن سبق تقديمه في الإذاعة، وأعده للتلفزيون وأخرجه علاء الدين كوكش، وقد أثار حين عرضه اهتماماً وجدلاً واسعين استمر أكثر من ثلاثة أشهر بسبب التداخل الذي صنعه المخرج بين الشخصية الحقيقية والشخصية الدرامية، وبين البرنامج (الريبورتاجي) والعمل الدرامي، فقد عمد المخرج إلى تكليف المذيع الإذاعي القدير فؤاد شحادة بإجراء لقاء تلفزيوني طويل مع رجل قُدِّمَ على أنه رئيس العصابة الذي حكى عنه حكمت محسن، وقد اختار المخرج رجلاً غير معروف في الوسط الفني أسمه فريد راضي وصُنع له ملف سجين محكوم، وكانت إصابة في عينه تعزز الصورة التي قُدم بها.
في الوقت ذاته كان الممثل عبد الرحمن أل رشي يؤدي دور رئيس العصابة في المشاهد الدرامية للمسلسل، وقد بلغ التشويق قمته مع الحلقة الأخيرة للمسلسل حين أعلن فريد راضي أنه ليس أكثر من مجرد رجل أختاره المخرج ليؤدي الدور وأن لا علاقة له بشخصية اللص الحقيقي، وأن ظهوره بهذا الدور قد سبب له كثيراً من الأذى في مجتمعه، وإدانة واسعة على (جرائمه)، حتى من قبل المساجين الذين التقاهم المسلسل في السجن. وطلب من المذيع فؤاد شحادة تأكيد صحة أقواله، فأفتعل الأخير الارتباك وعاد ليقرأ بعض ما جاء في ملف السجين المفبرك فما كان من فريد راضي إلا أن سحب الملف بعنف وقام بتمزيقه، لاعناً التلفزيون والساعة التي رضي بها أن يقوم بهذا الدور، ثم انسحب من الأستوديو ساخطاً ليحل السواد على الشاشة لمدة عشرين ثانية قبل أن تظهر شارة المسلسل، وليظل السؤال حائراً بين الجمهور بين مصدقٍ أن فريد راضي هو زعيم عصابة، وعارفٍ بأنه مجرد ممثل لهذا الدور، وقد زاد من التباس الأمر عند بعض المشاهدين أن بعض السجناء الحقيقيين الذي تحدثوا في (ريبورتاج) ضمن المسلسل صور داخل السجن قد تحدثوا عن معرفتهم باللص خلال وجوده معهم في السجن؟! ..
لقد كان مسلسل (مذكرات حرامي) مغامرة إخراجية جريئة وضعت المشاهد في أجواء (تلفزيون الواقع) قبل سنوات كثيرة من معرفته به، وأثار ردود فعل أخلاقية واسعة، ومن الأمور الطريفة أن الحلقة الأخيرة منه – وبسبب ضيق الوقت – عرضت دون أن تشاهدها لجنة الرقابة، فوجه المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون (عطية الجودة) كتاب تنبيه إلى المخرج لتجاوزه الأنظمة، وفي الوقت ذاته وجه له كتاب شكر على نجاحه في صنع مسلسل شد المشاهدين.
ومن الأعمال المهمة التي كان لها حضور وتأثير كبيرين في حقبتي الستينات والسبعينات مسلسل (دولاب) تأليف أحمد قبلاوي وإخراج غسان جبري، وقد أنجز عام 1971 ولقي نجاحاً واسعاً لجرأته في تناول الواقع الاجتماعي – السياسي، وبفضل هذا النجاح تم إنجاز جزء ثان منه في عام 1972 وجرى الحديث عن أجزاء تالية، و(الجرح القديم) تأليف فوزي الدبعي وإخراج سليم موسى، وقد انتقد بلغة درامية راقية العادات الاجتماعية المتخلفة، وفي مقدمتها عادة الأخذ بالثأر، و(أسعد الوراق) وقد أعده عبد العزيز هلال عن رواية لصدقي إسماعيل وأخرجه علاء الدين كوكش، وتعد صرخة منى واصف في نهاية المسلسل واحدة من أيقونات الدراما التلفزيونية السورية (يتبع).