ذاكرة..جبران خليل جبران: مستقبل اللغة بقوة الابتكار

الملحق الثقافي:

نشرت مجلة الهلال.. مقتطفات من مقابلة كانت قد أجرتها المصريّة مع جبران خليل جبران حول مستقبل اللغة العربية
ما هو مستقبل اللغة العربية؟
إنّما اللغة مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة، أو ذاتها العامّة، فإذا هَجَعت قوّة الابتكار، توقَّفت اللغة عن مسيرها، وفي الوقوف والتقهقر الموت والاندثار.
اذاً فمستقبل اللغة العربيّة يتوقّف على مستقبل الفكر المبدع الكائن – أو غير الكائن – في مجموع الأمم التي تتكلّم اللغة العربيّة.. فإنْ كان ذلك الفكر موجوداً، كان مستقبل اللغة عظيماً كماضيها، وإن كان غير موجود، فمستقبلها سيكون كحاضر شقيقتيها السريانيّة والعبرانيّة.
وما هذه القوّة التي ندعوها قوّة الابتكار ؟
هي، في الأُمّة، عزم دافع إلى الأمام، وهي، في قلبها، جوع وعطش وتوق إلى غير المعروف، وفي روحها، سلسلة أحلام تسعى إلى تحقيقها ليلاً ونهاراً، ولكنّها لا تحقّق حلقةً من أحد طرفيها إلا أضافت الحياة حلقة جديدة في الطرف الآخر.
هي، في الأفراد، النبوغ، وفي الجماعة، الحماسة، وما النبوغ في الأفراد سوى المقدرة على وضع ميول الجماعة الخفيّة في أشكال ظاهرة محسوسة .. ففي الجاهليّة كان الشاعر يتأهَّب لأن العرب كانوا في حالة التأهّب، وكان ينمو ويتمدّد أيّام المخضرمين لأنّ العرب كانوا في حالة النمو والتمدّد، وكان يتشعَّب أيّام المولَّدين، لأنّ الأُمة الإسلامية كانت في حالة التشعّب . . وظلّ الشاعر يتدرّج، ويتصاعد، ويتلّون فيظهر آناً كفيلسوف، وآونة كطبيب، وأخرى كفلكيّ، حتّى راود النعاس قوة الابتكار في اللغة العربّية، فنامت، وبنومها تحوَّل الشعراء إلى ناظمين، والفلاسفة إلى كلامِّيين، والأطبّاء إلى دجّالين، والفلكيّون إلى منجِّمين.
إذا صحّ ما تقدمَّ كان مستقبل اللغة العربيّة رهن قوة الابتكار في مجموع الأمم التي تتكلّمها، فإن كان لتلك الأمم ذات خاصة ( ووحدة معنويّة ) وكانت قوّة الابتكار، في تلك الذات، قد استيقظت بعد نومها الطويل ، كان مستقبل اللغة العربيّة عظيماً كماضيها وإلاّ فَلا .
هل يعمُّ انتشار اللغة العربيّة في المدارس العالية وغير العالية وتُعلّم بها جميع العلوم؟
لا يعمّ انتشار اللغة في المدارس العالية وغير العالية حتى تصبح تلك المدارس ذات صبغة وطنيّة مجرّدة، ولن تعلّم بها جميع العلوم حتى تنتقل المدارس من أيدي الجمعيّات الخيريّة، واللجان الطائفيّة، والبعثات الدينيّة إلى أيدي الحكومات المحلّيّة.
ففي سورية مثلاً كان التعليم يأتينا من الغرب بشكل الصَّدقة، وقد كنا ولم نزل نلتهم خبز الصدقة لأنّنا جياع متضوِّرون، ولقد أحيانا ذلك الخبز، ولما أحيانا أماتنا .. أحيانا لأنّه أيقظ جميع مداركنا، ونبّه عقولنا قليلاً، وأماتنا لأنَّه فرّق كلمتنا وأضعف وحدتنا، وقطع روابطنا، وأبعد ما بين طوائفنا حتى أصبحت بلادنا مجموعة مستعمرات صغيرة مختلفة الأذواق، متضاربة المشارب، كل مستعمرة منها تشدّ في حبل الأمم الغربيّة، وترفع لواءها، وتترنّم بمحاسنها وأمجادها .. فالشاب الذي تناول لقمة من العلم في مدرسة أميركيّة، قد تحوّل إلى معتمّد أميركيّ، والشاب الذي تجرّع رشفةً من العلم في مدرسة يسوعيّة، صار سفيراً فرنسيّاً، والشاب الذي لبس قميصاً من نسيج مدرسة روسيّة أصبح ممثِّلاً لروسيا … إلى آخر ما هناك من المدارس، وما تخِّرجه في كل يوم من الممثِّلين والمعتمدين والسفراء .. وأعظم دليل على ما تقدّم اختلاف الآراء وتباين المنازع في الوقت الحاضر في مستقبل سوريّة السياسي . . فالذين درسوا بعض العلوم باللغة الإنجليزيّة يريدون أميركا وانكلترا وصيّة على بلادهم، والذين درسوها باللغة الفرنسيّة يطلبون فرنسا أن تتولّى أمرهم، والذين لم يدرسوا بهذه اللغة أو بتلك لا يريدون هذه الدولة ولا تلك، بل يتبعون سياسة أدنى إلى معارفهم، وأقرب إلى مداركهم.
وقد يكون ميلنا السياسيّ إلى الأمّة التي نتعلّم على نفقتها دليلاً على عرفان الجميل في نفوس الشرقِّيين ، ولكن ما هذه العاطفة التي تبني حجراً من جهة واحدة وتهدم جداراً من الأخرى ؟ ما هذه العاطفة التي تستنبت زهرة وتقتلع غابة ؟ ما هذه العاطفة التي تُحيينا يوماً وتُميتنا دهراً ؟ .
إنَّ المحسنين الحقيقّيين، وأصحاب الأريحيّة في الغرب لم يضعوا الشوك والحسك في الخبز الذي بعثوا به إلينا، فهم بالطبع قد حاولوا نفعنا لا الضرر بنا .. ولكن كيف تَولَّد ذلك الشوك، ومن أين أتى ذلك الحسك ؟ هذا بحث آخر أتركه إلى فرصة أخرى ؟.
نعم سوف تعلمُّ اللغة العربيّة في المدارس العالية وغير العالية، وتُعلَّم بها جميع العلوم، فتتوحَّد ميولنا السياسيّة، وتتبلور منازعنا القوميّة، لأنّ في المدرسة تتوحَّد الميول، وفي المدرسة تتجوهر المنازع، ولكن لا يتمّ هذا حتى يصير بإمكاننا تعليم الناشئة على نفقة الأمّة .. لا يتمّ هذا حتى يصير الواحد منا ابناً لوطنٍ واحد بدلاً من وطنين متناقضين أحدهما لجسده والآخر لروحه . . لا يتمّ هذا حتى نستبدل خبز الصدقة بخبز معجون في بيتنا، لأنّ المتسوِّل المحتاج لا يستطيع أن يشترط على المتصدِّق الأريحيّ .. ومن يضع نفسه في منزلة الموهوب لا يستطيع معارضة الواهب، فالموهوب مسيَّر دائماً، والواهب مخيَّر أبداً.

العدد 1106 – 9- 8-2022

آخر الأخبار
الغاز يودع التقنين بعد إلغاء العمل بنظام "البطاقة الذكية" ضخ المياه من سدود طرجانو والحويز وبلوران باللاذقية  ألمانيا تقدم دعماً مالياً إضافياً لمبادرة "غذاء من أوكرانيا لسوريا"   بريطانيا تجدد التزامها بدعم العدالة وتعزيز سيادة القانون في سوريا  أزمات فنية وتقنية في أجهزة  "وطني" السويداء ... والكوادر تطالب بتدخل عاجل من "الصحة"   لقاء اتحادي التجارة السورية والخليجية..  الشرقي: سوريا تمتلك فرصاً استثمارية واعدة   دعماً لاستقرارهم.. مشروع لإعادة تأهيل مساكن الأطباء بحلب  ورشة عمل مشتركة بين وفدي دمشق وريفها وأمانة عمّان لتعزيز التعاون  تدابير احترازية في اللاذقية لتلافي أخطار الحرائق   فرص التصدير إلى الأردن على طاولة غرفة صناعة دمشق    الاجتماع الأول للمجلس الاستشاري  "النقل": تطوير المنظومة بما يتوافق واحتياجات المواطنين     مبادرات للتعاون المشترك بين التعليم العالي ومعهد "BACT" في دبي      شركات رائدة تفتح آفاق الشباب في "ملتقى مهنتي المستقبلية" "للأونروا" د. سليمان لـ "الثورة": الإصلاح الصحي بتمكين الأطباء الموجودين علمياً عيون ترقب أولويات وضمانات الاستثمار ..هل تكون سوريا القبلة الأولى ؟ بمشاركة 100علامة تجارية.. مهرجان النصر ينطلق غداً في الكسوة    الأطفال أكثر إصابة.... موجة إسهال تجتاح مدينة حلب الامتحانات تطفئ الشبكة .. بين حماية النزاهة و" العقاب الرقمي الجماعي " ! خطر صامت يهدد المحاصيل والماشية.. حملة لمكافحة "الباذنجان البري" بحلب  التحول الرقمي ضرورة لزيادة إنتاجية المؤسسات