الملحق الثقافي – سلام الفاضل:
السينما كما هو معروف، ليست فن التقاط الصورة وتركيبها ومزجها، ولا هي فن حركة وتحريك الممثل وحسب. ولم تكن في يوم من الأيام فن وإبداع الرجل الواحد الوحيد، ولن تكون. فالفن السينمائي هو فن تركيبي يعتمد كل مكونات ومصادر الإبداع في الفنون الأخرى كالموسيقا، والفن التشكيلي، والرقص الشعبي، والتراث… وسوى ذلك، وصناعة تعتمد أرقى وأدق المكتشفات العلمية في مجال البصريات والصناعات التقنية السينماتوغرافية الحديثة، وهي اقتصاد تطبيقي يعتمد الأسس والمعايير الاقتصادية جميعها في عملية التصنيع والإنتاج؛ حيث تكون حصيلته النهائية شريطاً سينمائياً مصوراً مضمونه فكري، أو تربوي، أو كوميدي، أو… غير ذلك، ويتصف بمواصفات السلعة التجارية كلها، ويجري تداوله والتعامل به ومعه على أساس أنه سلعة سينمائية تجارية يطلق عليها اسم الفيلم السينمائي.
ونظراً لأهمية العمل السينمائي، ورغبة في تطويره عربياً، والارتقاء به تنظيماً وإنتاجاً يأتي الكتاب الصادر ضمن سلسلة «الفن السابع» عن المؤسسة العامة للسينما تحت عنوان (الفيلم السينمائي من الفكرة إلى الشاشة)، وهو من تأليف: فتيح عقلة عرسان، يأتي تجسيداً لواحد من أهم وأبرز أسس تحقيق الفيلم السينمائي المتمثلة بمبادئ ومراحل إنتاج الفيلم السينمائي بدءاً من الفكرة، وحتى نسخة العرض الأولى، والوصول بها إلى الجمهور.
يأتي هذا الكتاب في ثلاثة فصول، يتناول الفصل الأول منها خصائص الإنتاج السينمائي، حيث يشير المؤلف فيه إلى خصائص الاستديو السينمائي، ومهمته التي تقوم على تقديم خدمات سينمائية مختلفة لتنفيذ الخطط والبرامج الإنتاجية التي توضع وفق السياسة السينمائية العامة للقطر. كما يبين دوره في تشغيل الطاقة البشرية والفنية والاقتصادية المتوافرة لديه التي يطلق عليها في لغة الاقتصاد ومفاهيمه وسائل وأدوات الإنتاج السينمائي، دون أن يغفل الدور المحوري للفنان المبدع في العمل الذي يوصل من خلاله أفكاره، وينقل مثله وآراءه الفنية والإبداعية إلى الجمهور العريض من الناس، وبذلك يكون هو نفسه غاية ووسيلة في وقت واحد، وفي عمل واحد. ويضيء على أهم خصائص الإنتاج السينمائي، موضحاً أنها لا تتمثل فقط بتنظيم العمل السينمائي في الجوانب الإنتاجية الاقتصادية البحتة، وإنما يجب أن تشمل تنظيم العمل في جوانبه الفنية والإبداعية، ومن ثم تنظيم عمل كل عنصر من العناصر المبدعة الخلاقة في الفيلم، وفي مجمل العمل الفني أياً كان، ولا سيما ما يخص ويعني السينما منه.
ويتطرق الفصل الثاني للحديث عن المراحل التحضيرية لإنتاج الفيلم التي يمكن تقسيمها إلى مرحلتين كبيرتين، يُطلق على الأولى اسم الأعمال التحضيرية التي يجري تنفيذها قبل دخول الفيلم والمجموعة الفنية في عملية الإنتاج الحقيقي، أي قبل الشروع في مرحلة التصوير، وهي: السيناريو الأدبي، وسيناريو الإخراج السينمائي (التقطيع الفني). والمرحلة التحضيرية الثانية التي تأتي أثناء العملية الإنتاجية الحقيقية للفيلم، وتبدأ مع تصويره، وتستمر حتى انتهائه، مثل اختيار الممثلين وإجراء التدريبات التحضيرية لهم، واختيار أماكن التصوير، والحلول الفنية التعبيرية في مجال الصورة السينمائية، والتسجيل الصوتي وأثره على بنية الفيلم شكلاً ومضموناً، ومشروع الخطة الإنتاجية للفيلم، والاستعداد التقني لتصويره، والخطة الإنتاحية والموازنة المالية التقديرية له… وسوى ذلك.
ليختتم الكتاب فصوله بمرحلة تصوير الفيلم السينمائي التي تُعدّ أهم المراحل، ولا سيما أنها تأتي تتويجاً لمرحلتي التحضير الأول والثانية، وفي هذه المرحلة تتحول جميع الأفكار والخطط والمشاريع الموضوعة على الورق في المراحل السابقة إلى أحداث وأفعال حقيقية تتجسد على شكل صورة سينمائية يطلق عليها اللقطة السينمائية والمشهد السينمائي، وتتماسك هذه الصورة مع بعضها البعض وفق منظور مونتاجي محدد ومركب يكوّن بمجموعه الشريط السينمائي الذي نطلق عليه الفيلم السينمائي القصير، أو الطويل، أو الروائي، أو التسجيلي… إلخ. وتبدأ هذه المرحلة مع التصوير الداخلي والخارجي للفيلم، يلي ذلك الاستخدام العقلاني العلمي لمرحلة تصوير الفيلم، ثم مونتاج الفيلم كمرحلة إنتاجية متممة لمرحلة التصوير.
وهكذا يمكن أن نرى ختاماً كيف أن الفن السينمائي يشكّل عبر مراحله المتعددة وحدة عمل متكاملة، ويوظّف لتحقيق هدف وغرض أيديولوجي، أو فكري، أو ثقافي، وأغراض وأهداف فنية ودرامية وسيكولوجية متعددة.
العدد 1108 – 23- 8-2022