الثورة _ فؤاد مسعد:
وضع الفنان أيمن زيدان يده على الجرح الحقيقي الذي ينبغي التنبه إليه والتعاطي معه بجدية عالية ومسؤولية كبيرة وتضافر الجهود كلها وعلى مختلف المستويات لإيجاد الحلول المناسبة له ، فالأمر أبعد بكثير من مسألة منع مغنٍ أو مغنية من الغناء في أحد الأماكن بسبب (أغنية هابطة أو أكثر من هابطة) حيث تحمل الكلمات البذاءة والمعاني السيئة ، ففي النتيجة هي أغنيات منتشرة اليوم بين فئات من الشباب والمراهقين واليافعة يرددونها ويتناقلونها عبر جوالاتهم شئنا أم أبينا ، وهنا ليس المقصود مغنياً بعينه وإنما ظاهرة ركب موجتها العديد من الأشخاص
(مغنون ومغنيات) لأنها باتت الأسرع في الوصول والتفشّي والانتشار إضافة إلى ما تدر من أرباح ، وأمست زاداً لمغنين يؤدونها حتى في المطاعم وأماكن السهر العادية لأنها لم تعد مقتصرة على النوادي الليلة والملاهي فقط .
الجرح الذي تحدث عنه الفنان أيمن زيدان عبر صفحته على الفيسبوك تمثل بقوله (من الطبيعي أن تستوقفنا بذاءة هذه الأغاني ولكن أليس الأمر الأخطر ألا يستوقفنا عدد الرواد الهائل الذين يحتفون بذلك ..؟) هي صرخة مدوية لإنقاذ قيم ومفاهيم إنسانية واجتماعية وثقافية وروحية تشكل عماد المجتمع ، وهنا مكمن الخطر الحقيقي الذي ينبغي الشغل عليه ، فبعد حرب طويلة شنت على سورية بشراسة كان لا بد لها أن تفرز العديد من الأمور ، ولكن لا بد أيضاً أن نتلقف ما تفرزه بوعي كبير لنعالج هنا ونبني هناك ونسعى إلى توجيه الجيل الشباب وفق أطر تحمل عناصر الجذب والجمال والأصالة معاً وبعيداً عن التلقين .
مما لا شك فيه أن لكل جيل الأغنيات الأقرب إليه ولكن عندما يصل الحال لأن تقوم مجموعة من الأغنيات بالترويج للحشيش وللكلام البذيء متدني المستوى فهي تنحدر بالمفاهيم الأخلاقية إلى الدرك ، ولا بد من قرع ناقوس الخطر ، فالفارق كبير بين الأغنية الخفيفة والأخرى الهابطة والبون يصبح أوسع بين الأغنية الهابطة وأغنيات القاع التي تحوي كلمات لم نعتد سماعها فهي تأتي حادة وخادشة للحياء وقاسية وصادمة ، تقدم تراكيب لجمل غريبة وخارجة عن المألوف تحمل ما تحمل من دلالات وإيحاءات فجة ومُخجلة . ربما تحوي في غرابتها ما يجذب الكثير من الشبان إليها لكسر الإيقاع الرتيب وليقولوا بشكل أو بآخر (نحن هنا ونختلف عنكم) فوجدوا في موضوعاتها وأفكارها ما يلامس مشكلاتهم وهمومهم اليومية ومشاعرهم بشكل مختلف عن السائد .
المفارقة بين ما حصدته هذه الأغنيات الأشد انحداراً من حضور وما تعج به من إسفاف في الكلمات والمعاني وضحالة في اللحن والأداء ، فهي ذات لحن واحد أو عدة ألحان مكررة ويبقى أن يتم تغيير الكلمات فقط بين أغنية وأخرى . ورغم قيام نقابة الفنانين مؤخراً بمنع مطربين يتلفظون بكلامٍ نابٍ من تقديم الحفلات ، ورغم أنه سبق لنقابة الفنانين أيضاً في شباط 2021 إصدار تعميم رقم (7) الذي ينبه من استخدام الألفاظ النابية والمسيئة أثناء الغناء على المسرح ، إلا أن ذلك يبقى ضمن إطار الحفلات ، ومنع حفلة أو مغنٍ من الغناء في مكان معين لا يعني أنه تم لجم هذه الظاهرة وإنما يمكن القول إنه تم الحد منها في أماكن معينة .
على الرغم من أهمية أن يتم وضع معايير الحد الأدنى لمواصفات الأغنية والسعي إلى فرملة ما يشوّه الذائقة العامة ، لكن هناك ما هو أعمق من ذلك بكثير ويطال مستقبل الجيل الشاب ، فمن الأهمية بمكان ألا يُترك لقمة سائغة بيد من يمتهن صناعة الأغاني الأشد انحداراً والتي تشكل فيما تروجه خطراً بصورة أو بأخرى وبالوقت نفسه تحقق حضوراً لافتاً الخوف أن يكون مؤثراً ، الأمر الذي يدفعنا إلى التنبيه لضرورة العمل على حماية وتحصين الشباب والمراهقين والفتية ، والخطوة الأولى في هذا المجال تنطلق من إجراء دراسة معمّقة لواقعهم ومشكلاتهم واتجاهاتهم النفسية والمجتمعية والثقافية وبالتالي احتياجاتهم ومتطلباتهم والتعاطي معها بجدية كبيرة ، وطرح الحلول والبدائل الجاذبة التي تحمي جيل المستقبل.