الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
صادف خلال العام 2022، أن تولت ثلاث دول في الآسيان رئاسة هياكل الحوار الإقليمية والعالمية الهامة، ولأول مرة في التاريخ، ترأست إندونيسيا مجموعة العشرين، بينما تولت تايلاند رئاسة منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، وذهبت رئاسة الآسيان إلى كمبوديا.
يمكن أن يطلق على عام 2022 قيادة الآسيان، مع تحديد مسارات للتعافي الفعال بعد COVID، خاصة وأن الديناميكيات الاقتصادية الإيجابية لدول جنوب شرق آسيا وفرت أسباباً للتفاؤل الحذر.
هذه الاعتبارات وجهت إندونيسيا وتايلاند وكمبوديا في وضع جداول أعمال رئاستها.
وباعتبارها بنوداً على رأس جدول أعمال مجموعة العشرين، اقترحت إندونيسيا مناقشة هندسة الصحة العالمية بالإضافة إلى طرق ضمان انتقال الطاقة المستدام والتحول الرقمي.
بينما حثت تايلاند المشاركين في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ على التركيز على الانتعاش الصناعي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في حين وضعت كمبوديا شعاراً رائعاً لتوحيد دول المنطقة لمواجهة التحديات الجديدة: آسيان ACT.
ومع ذلك، فإن المسارات المتوقعة للرئاسات الثلاث قد تعطلت بسبب نزاعين متصاعدين بشكل متزامن، فقد أدى انتقال الأزمة الأوكرانية في شباط 2022 إلى مرحلة ساخنة إلى فك ارتباط شبه كامل، سياسي بقدر ما هو اقتصادي، لروسيا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك اليابان، وكوريا الجنوبية وسنغافورة، الذين قرروا الانضمام إلى ضغوط العقوبات.
ولكن مع التصور العام للصراع باعتباره بعيداً جغرافياً عن جنوب شرق آسيا، تجلى تأثيره على الحياة الاقتصادية اليومية لدول المنطقة في شكل تضخم متزايد ومخاوف بشأن أمن الغذاء والطاقة.
أما التحدي الثاني كان تصعيداً حاداً للتوترات بين واشنطن وبكين، والذي تفاقم بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان يومي 2 و 3 آب 2022 وكذلك رحلة أعضاء الكونغرس الأمريكي التي تلت ذلك بأسبوعين.
كما يقوض استقرار الوضع الإقليمي “التحدي الداخلي”، وهو التوتر السياسي المستمر في ميانمار، حيث وقع انقلاب عسكري في شباط 2021.
إلى جانب البعد الإقليمي هناك بعد دولي، منذ أن اتخذ أهم شركاء حوار الآسيان (المعروفين أيضاً بالمشاركين في مجموعة العشرين)، الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، مواقف متعارضة تماماً فيما يتعلق بالحكومة الجديدة في ميانمار.
في ظل هذه الظروف، تم التقليل إلى حد ما من فعالية التوازن المؤسسي لرابطة دول جنوب شرق آسيا.
من الواضح أن كلاً من إندونيسيا وتايلاند وكمبوديا ترغب في الحفاظ على شمولية المؤسسات، لأن هذه الشمولية هي التي تميزها عن العديد من الآليات المتعددة الأطراف التي أنشأتها الدول الغربية.
في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ساعد النهج الشامل دول الآسيان على تشكيل شبكة من المؤسسات الإقليمية الراسخة في الرابطة، وبالتالي زيادة مكانتها الدولية بشكل كبير وتسهيل بيئة اقتصادية مواتية لتنمية الدول الأعضاء.
جاء بيان الدول الثلاث التي تترأس القمة في أيار 2022 بأنها لا تريد تحويل الهياكل المتعددة الأطراف إلى ساحة من النزاعات الدولية، وأنها منفتحة على العمل مع جميع الشركاء بهذه الروح من الشمولية.
وعلى الرغم من الضغوط الشديدة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد رفضوا جميعاً استبعاد روسيا من تنسيقات مجموعة العشرين ورابطة دول جنوب شرق آسيا، وعلى الرغم من الدعوات المستمرة من الدول الغربية بعدم دعوة ممثلين روس، شارك وزير المالية أنطون سيلوانوف في الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين في تموز 2022 في بالي، والذي انتهى دون بيان نهائي، بينما حضر وزير الخارجية سيرغي لافروف اجتماعاً مع نظرائه من دول مجموعة العشرين، الذي عقد أيضاً في بالي .
على الرغم من كل المخاوف من أن تؤدي النزاعات بين القوى الكبرى إلى شل المؤسسات المتعددة الأطراف، يبدو أن الدول الثلاث التي تتولى الرئاسة أظهرت طموحاتها الخاصة للمساهمة على الأقل في تهدئة محدودة لحالات الصراع في العلاقات بين روسيا والغرب والصين والولايات المتحدة.
ويتجلى ذلك على وجه الخصوص من خلال الجهود الدبلوماسية التي بذلها الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، الذي زار كل من أوكرانيا وروسيا في حزيران 2022.
وكانت إندونيسيا حتى الآن متسقة في قرارها بعدم الانضمام إلى العقوبات ضد روسيا، رافضة فكرة إنشاء عتبة أسعار النفط الروسي، والتي تم الترويج لها بنشاط من قبل واشنطن.
كما تتخذ تايلاند نهجاً حذراً تجاه قضية العقوبات، التي تحتفل بالذكرى 125 للعلاقات الدبلوماسية مع روسيا في عام 2022، وكذلك قبلها كمبوديا.
في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في أيار 2022، دعا رئيس الوزراء الكمبودي هون سين إلى رفع جميع العقوبات المفروضة على روسيا، حيث أثر ارتداد تأثيرها على الدول التي فرضتها، والأهم من ذلك، الدول النامية التي لا علاقة لها بالصراع.
في سياق أوسع، يضع هذا العام بشكل أساس التعددية الآسيوية على المحك.
في ظل الظروف الدولية الجديدة، يصبح السؤال الذي لامفر منه هو ما إذا كان بإمكان الدول الآسيوية تأكيد حقها في إدارة العمليات الإقليمية، والعالمية، بالأفعال وليس بالأقوال.
يأخذ هذا الأمر صوتاً خاصاً في سياق المناقشة التي تدور في الأوساط العلمية حول دور المؤسسات المتعددة الأطراف في “دمج” هذه البلدان في “النظام العالمي القائم على القواعد”.
حقيقة أن الولايات المتحدة تنظر إلى المؤسسات الآسيوية، التي تركز على الآسيان في المقام الأول، على أنها هياكل ذات وظائف محدودة أصبحت واضحة مع بداية إنشاء مجموعات متعددة الأطراف شبيهة بالرباعية مثل +Quad و AUKUS.
شهد عام 2022 أيضاً المحاولات الأولى لنسف المؤسسات التي تتمحور حول الآسيان من الداخل.
في تموز الماضي، قاطعت أستراليا والولايات المتحدة ونيوزيلندا اجتماع مجموعة عمل وزراء دفاع وشركاء الحوار (ADMM-Plus) حول مكافحة الإرهاب برئاسة ميانمار وروسيا.
حتى الآن، لم تكن هناك حالات مقاطعة كاملة لأحداث مجموعة العشرين وأبيك وأحداث الآسيان الأوسع التي تشمل روسيا، ولكن يبدو أن بعض السوابق القليلة التي حدثت بالفعل كانت تهدف إلى التشكيك في قدرة موسكو على تقديم مساهمات ذات مغزى للمؤسسات التي تركز على الآسيان.