الملحق الثقافي- مها محفوض محمد:
من يظن أن الغرب خارج الفعل الثقافي والقيمي للفكر لهو أكثر من مخطيء، من لايرى في الغرب إلا حياة الصخب أيضاً مخطيء، لا ندافع عن الغرب ولسنا معجبين به جداً، ولكن يجب أن نرى ماذا يفعل وكيف يفعل دور الثقافة وكيف يحتفي بمبدعيه، في فرنسا مثلاً.
لا يكاد يمضي يوم دون أن نقرأ في صحافتها مقالاً أو ملفاً عن أحد المبدعين الفرنسيين فلاسفة، أدباء، معاصرين وقدامى،
من أولئك الذين طبعوا الأدب الفرنسي والعالمي بطابع خاص تجاوز في أكثر الأحيان الحدود الفرنسية والأوروبية ليصل إلى جميع أنحاء العالم ولا تفوت هذه الصحافة ذكرى أديب منهم إلا وتحييها، ومثلاً حين تحين ذكرى صدور كتاب سيمون دوبوفوار «الجنس الآخر» الذي أحدث ضجة كبرى منذ صدوره أعادت الصحافة إحياءه، وركزت على أن هذا الكتاب لا يزال حتى أيامنا هذه يثير الكثير من النقد والدراسة والنقاش في العديد من دول العالم مع التوضيح بأن سيمون دوبوفوار شقت طريقها من خلال نص هذا الكتاب ومن خلال آلاف حلقات النقاش التي تناولته منذ صدوره عام 1949 في مجلدين منه و اعتبر بفعل الصحافة نصاً مؤسساً للحركة النسائية المعاصرة، وكانت الأوساط الأدبية قد احتفلت بذكرى مرور مئة عام على ولادتها لافتة إلى أن هذه المرأة الأديبة والفيلسوفة أحدثت انقلاباً لدى أجيال النساء عبر العالم وكيف أعلنت من خلال صحبتها للفيلسوف جان بول سارتر حرباً على القيم السائدة.
«سيمون دوبوفوار وفرانسواز ساغان أسطورتا القرن العشرين ورمزان في الأدب» كان ذلك أحد العناوين التي قرأناها أيضاً .
وحين مرت مئوية سارتر أفردت الصحافة ملفات كبيرة لهذا الفيلسوف الأديب الذي ملأ الدنيا وشغل الناس وتصدرت صوره كل المجلات والنشرات في باريس، وأشير إلى بعضها دون سيكارته المعتادة في يده كما لو أنه يعود إلى الشباب ليحث الخطا إلى نزعته في المخالفة ومن خلال سارتر ركزت الصحافة على جيل بأكمله جيل أضاء العالم بقوة.
أما فيكتور هيغو فقد حفلت الصحافة بذكراه المئة والخمسين بعناوين شتى لقضية البؤس كقضية إنسانية عالمية وتدويل رائعته «البؤساء» للمعاناة الإنسانية التي لا تعرف حدوداً لها وكم كتبت عن فولتير كنموذج وعراب الثورة الفرنسية وكشفت أنه كان سباقاً في ميدان الصحافة.
وفي عام 2002 قرأنا الذكرى المئوية لوفاة إميل زولا الذي من خلال نضالاته ولد شعار المثقف ودوره في تغيير مجتمعاته وكم مجدت الصحافة الفرنسية فلاسفة الأمة المعاصرين مثل جاك ديريدا من خلال عدد من المقالات وملف (غني) نشرته صحيفة اللوموند سلطت الضوء فيه على دراسته وفلسفته وكيف علّم وتعلّم في جامعات فرنسا وأميركا وكندا واستراليا، وربطت بذكاء بين ديريدا وفيلسوف فرنسا الأول ديكارت وأظهرت ديريدا على أنه استمرار للكوجيتو الديكارتي بعبارته الشهيرة (أنا أفكر فأنا موجود) ومن هنا اعتبر مؤسساً لما عرف بالمدرسة التفكيكية، أما فيلسوف البنيوية كلود ليفي ستروس فقد أسهبت الصحافة عام 2008 في الحديث عنه لبلوغه المئة عام من عمره مقدمة إياه أبا البنيوية والوصي عليها وهو الذي عرف باتجاهاته الفلسفية والاتنولوجية وشغل الأوساط الفكرية في جميع أنحاء العالم وخاصة خلال الثلاثينيات من القرن الماضي وحتى الخمسينيات منه.
وكم تحدثت الصحافة عن أراغون الشاعر السريالي المتمرد صاحب عيون إلسا الذي أصبح فيما بعد شاعر المقاومة.
أيضاً بروست ودروب الأصالة في ذكراه المئوية ومحاكاته للأدباء والتي جعلت منه مارداً يجول في فضاء أدبي آخر بعيداً عن اعتبار هذه التجربة حالة اختلاس.
الحدث البارز الذي شغل الصحافة الفرنسية كان فوز الكاتب الكبير جان ماري غوستاف لوكليزيو بجائزة نوبل للآداب فأول بيان عنه كان بعنوان «كاتب الانطلاقات الجديدة والمغامرة الشعرية والنشوة الحسية ومستكشف بشرية ما وراء الحضارات السائدة».
العدد 1110 – 6- 9-2022